الخليل- خاص قُدس الإخبارية: لا تجد عصابات المستوطنين من يلجمها ويرد اعتداءاتها اليومية على الأهالي في أحياء مدينة الخليل التي تشهد وجودًا استيطانيًا كبيرًا كحي تل الرميدة، وشارع الشهداء، والسهلة، وحارة جابر، وواد الحصين وغيرها من المناطق المغلقة في بلدتها القديمة.
وتشهد هذه المناطق برنامجًا للمقاومة الشعبية التي تبناها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2006، فيما "إسرائيل" ماضية في مخططها الرامي للقضاء على الوجود الفلسطيني هناك.
ويعد يوم السبت المسمى أيضًا "يوم الذروة"، يتهيأ الفلسطينيون لصد عدوان المستوطنين الذين يقومون بجولات استفزازية داخل أسواق البلدة القديمة، يعتدون خلالها على التجار والسكان، ويؤدون طقوسًا تلمودية بالقرب، فتتحول تلك الأسواق إلى مكان للأشباح بعد طرد المارة منه من قبل جيش الاحتلال لتأمين سير المستوطنين.
أما الأهالي فيحاولون الصدّ بما تيسر من أدوات مقاومة، في ظل تراجع حالة المقاومة بشتى أشكالها، وهذا يعود إلى أسباب عديدة من بينها استشهاد عدد كبير من المقاومين واعتقال أخرين، كذلك التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والذي أدى إلى إحباط العديد من عمليات المقاومة ليس المسلحة فحسب، إنما أيضا المقاومة الشعبية.
منسق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الخليل عماد أبو شمسية، يعزو غياب فعاليات المقاومة الشعبية في مدينة الخليل إلى غياب الرؤية الوطنية في تعريف مفهوم المقاومة الشعبية، وعدم وجود رؤية واضحة لدى قيادة السلطة الفلسطينية للاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي، محملًا التنسيق الأمني بعضًا من تراجع فعاليات المقاومة الشعبية.
ويضيف أبو شمسية لـ "قدس الإخبارية": منذ عقد ونصف ونحن نتغنى بالمقاومة الشعبية، وضرورة تصعيدها ضد الاحتلال لإفشال مخططاته على الأرض، ولكن الانقسام الفلسطيني أدى إلى تراجع دور الفصائل ما ألحق الضرر فيها، وجعلها تراوح مكانها مع بعض الفعاليات الموسمية الخجولة، مثل الفعاليات المطالبة بفتح شارع الشهداء.
ويأتي تراجع فعاليات المقاومة الشعبية في وقت تتصاعد فيه وتيرة الاستيطان في مدينة الخليل المحتلة، ويسيطر على منافذ الحياة فيها ويسلبها حريتها، ويضرب بحواجزه وبواباته الالكترونية زقق وحارات بلدتها القديمة ومسجدها الإبراهيمي، ويفرض منعًا على دخول المركبات، وإصلاح البيوت، والعبور، ووصول الأهالي إلى بيوتهم، بالقوانين العسكرية.
اعتداءات المستوطنين هذه تجري بحماية جيش الاحتلال، حيث تصاعدت عقب طرد الاحتلال الإسرائيلي للجنة المراقبين الدوليين في الخليل (TIPH)، بداية العام الجاري، مما أطلق العنان لمجموعات المستوطنين بالاعتداء على الأهالي، وفرض الغرامات المالية وغيرها من أشكال العقاب.
من جهته، رأي مسؤول المناطق المغلقة بحركة فتح إقليم وسط الخليل، مهند الجعبري، أن المقاومة الشعبية حاضرة بقوة على الأرض، عبر دعم وتعزيز صمود الأهالي في بيوتهم، من خلال توفير مستلزمات الحياة الكريمة، ودعمهم بالتعليم والصحة والتوظيف، حيث أن جلب عائلة جديدة إلى البلدة القديمة أهم من مسيرة يشارك فيها 100 ألف شخص.
ووفقًا لحديث الجعبري لـ"قدس الإخبارية"، فإن "فتح" قامت بحراثة أراضي لأهالي في واد الحصين لمنع الاحتلال من السيطرة عليها، ونظمت أمسيات رمضانية وإفطارات لأهالي المناطق المغلقة لإشعارهم بوجود التفاف شعبي وجماهيري مساند لصمودهم، وأن عمليات إعمار البيوت واستقطاب أناس جدد للسكن في البلدة القديمة، هي أعمال يومية لم تتوقف حتى قبل بداية تبني خيار المقاومة الشعبية.
وأشار إلى أن بعض المجموعات العاملة في المقاومة الشعبية، استغلت نفوذها لتحقيق أجندات خاصة عبر اقتناص الصور لجلب الأموال والسفر، لافتًا إلى أن تعزيز صمود الناس لا يتعارض مع إقامة فعاليات شعبية على الأرض، على الرغم من أن الكل الفلسطيني يعاني من عصا الاحتلال.
وفي تعليقه على الموضوع، يرى أحد أبرز نشطاء المقاومة الشعبية يونس عرار، أن هناك تراجعًا في حالة المقاومة الشعبية، مشيراً إلى أن تعزيز صمود أهالي البلدة القديمة بالخليل، فكرة نبيلة ولكنها بحاجة إلى دعم بالفعاليات الشعبية المختلفة بالتزامن معها، لتفويت الفرصة على مخططات الاحتلال الرامية إلى فرض واقع جديد على أهالي المناطق المغلقة بالخليل.
ويلفت عرار في حديثه لـ"قدس الإخبارية"، إلى أن الدعم الأجنبي المشروط لبعض المجموعات العاملة في المقاومة الشعبية لتنفيذ رؤيتها في إنشاء جيل قادر على تنفيذ سياساتها، وعمل فعاليات على حدود ترسيمها، ميعت المقاومة الشعبية، وتعدد المجموعات والخلافات فيما بينها، وغياب الثقة ببعض المجموعات، والإحباط وعدم الثقة أدى إلى تراجعها بصورة ملحوظة.
وتعتبر مدينة الخليل المحتلة واحدة من المدن الفلسطينية التي ضربت المنظومة الأمنية لكيان الاحتلال، عبر تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية المسلحة، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات من جنود وضباط ومستوطني الاحتلال، وربما هذا ما يفسر عدم قناعة البعض بجدوى المقاومة الشعبية التي لا تجد حاضنة لها بسبب تباين الرؤى والقناعات في مواجهة كيان الاحتلال ومستوطنيه على الأرض.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد أن شريحة واسعة من أهالي الخليل غير مقتنعين بالمقاومة الشعبية كخيار لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وأن الانقسام الفلسطيني والمناكفات الداخلية وعدم القدرة على صياغة مواقف مشتركة، أدى إلى خلق حالة من الإحباط وانهيار الثقة تجاه المنظومة الفلسطينية بأكملها، والابتعاد عن المشاركة والانخراط في الهم الوطني.
وأضاف في حديثه لـ"قدس الإخبارية"، أن جزءًا من الناس اعتزل الحياة السياسية، وآخرون ابتعدوا عن الساحة لأسباب شخصية، والحالة الفلسطينية التي نعيشها بحاجة إلى حدث من شأنه إعادة الهمة إلى الشارع ودفعهم الى الخروج للشوارع وساحات المواجهة، وهو أمر لا يستطيع النظام السياسي الفلسطيني الحالي فعله، خاصة أن الناس بحاجة إلى إعادة الثقة والشعور بالأمان.