غزة – قدس الإخبارية: "من اليوم الأول لفراقك، يشدني الشوق إليك، أفتقدك لتكون بجانبي فأنت من يعطيني العزيمة على مواجهة المرض: "يما راح اتبرع الك بكليتي"، آاه؛ كم تمنيت أن أفرح بك لكنني اليوم أزفك شهيدًا" رحل الشهيد محمد الترامسي وترك والدته تتجرع الحسرة تلك التي سكنت قلبها.
الثائرون الشهداء الثلاثة، محمود عادل الولايدة (24 عاما)، ومحمد فريد أبو ناموس (26 عاما) ومحمد الترامسي (26 عاما)، جمعتهم صفات عدة مشتركة بينهم الشجاعة والجرأة وحب الشهادة وتعلقهم بها، كان لكل منهم قصة وحكاية مع السياج الفاصل ووجع الإصابات لكنهم واصلوا التحدي حتى رحلوا شهداء بعد استهدافهم من قبل طائرات الاحتلال خلال اشتباكات مسلحة دارت بينهم وبين قوات إسرائيلية أول أمس شمال بلدة بيت لاهيا قرب السياج الفاصل مع الاحتلال.
سبع إصابات وعزيمة وتحدي
سبع إصابات اشتركت فيها قدما الشهيد الترامسي، أقعدته على كرسي متحرك، في كل مرة ينهض من بين أنين الجرح وألم الإصابات التي يذيل الاحتلال توقعيه عليها، تعرض لها الترامسي خلال مشاركته بمسيرات العودة، فمن لا يعرف "سنمبل" كما يلقبه أبناء حيه وأصدقائه.
وحدها الدموع كانت تواسي والدة الشهيد حينما توارد اسم نجلها بين الشهداء قبل أن يتأكد الخبر ويأتيها لكن هذه المرة جثة هامدة محملا على الاكتاف.
لتوهم غادر المشيعون المنزل قبل وصولنا، تهرب قطرة من عينها التقطتها بقميصها حابسة دموعها وهي تجلس بين النسوة المعزين قائلة: "قبل الحدث والاشتباك جلس معنا عصرا وتناول الغداء وكان سعيدا، ثم غادر المنزل لكن قلبي ظل مضطربا وقلقا حينما حل المساء ولم يعد حتى سمعت عن اشتباكات بين مقاومين وجيش الاحتلال شعرت أن نجلي بينهم".
تبرق عينيها بالدموع مرة أخرى: "أفتخر بابني؛ هو شهيد لأجل القدس وفلسطين".
"كيف أنساه!؟".. تقول، تنتقي موقفا مع نجلها: "كان دائما يرافقني إلى جلسات غسيل الكلى بمجمع الشفاء الطبي، وكان يريد أن يتبرع لي بكلية (..) كان حنونا وطيبا لكنه ليس خسارة بفلسطين".
تحدى الترامسي ألم الإصابات التي كانت تنخر جسده وعظامه، وتؤرق نومه، لكن والدته لا تنسى تحديه للإصابات: "لقد أصيب سبع مرات بقدميه، وفي كل مرة كان يذهب ويشارك بمسيرات العودة ويتقدم إلى الصفوف الأمامية، وآخر رصاصة أقعدته لفترة طويلة بالبيت وعانى في آخر أيامه من ألم المفاصل وكان يتلقى أدوية حتى آخر يوم".
"قلت له قبل فترة أريد أن أفرح بك وأزوجك، لكنه رفض معللا السبب: "أريد الشهادة" سكت صوتها وانتهى حديثنا.
انطفاء وهج الفرحة الأولى
"حينما كنت أقف على سطح منزلنا؛ وأسمع صوت طبول أفراح من حولنا أتمنى: ربنا يوعدنا وأفرح بمحمد" هذه كانت أمنية والدة الشهيد محمد أبو ناموس (26 عاما) بأن تزف نجلها البكر وفرحتها الأولى بحفل زفاف، لكن قدر لها أن تزف جنازته إلى الثرى ساكبة من دموعها ذرات الوداع، وكأنها ذرات التراب الأخيرة التي غسلت بها جثمانه الطاهر.
ألقت النظرة الأخيرة على جثمانه، بعدما كانت قبل يوم تتسامر معه الحدث، ترسم بدموعها فصلا من فصول الوجع والألم والحسرة، تجلس والدته بصالة استقبال المعزين أو المهنئين بالشهيد بوجه حزين، يعلوه عينان تبرقان بالدموع قائلة: "جائني محمد عصرا قبل خروجه الأخير، وتحدثنا عبر الهاتف مع جده وخرج من المنزل، بعدها صعدت إلى سطح المنزل هربا من الحر، لكن كأنه حدس داخلي شعرت بشيء يخنقني لم أعرف سببه".
ألقى الليل بستاره الأسود على مخيم جباليا، تجلس أم محمد مع زوجها، حتى أفسد هذا الهدوء اتصال هاتفي لزوجها يخبره أن هناك خمسة شهداء، تعيش والدته هذه اللحظة شاردة بنظراتها "شعرت أن ابني بينهم، اتصلت على هاتفه فردت عمته تخبرني أنه ترك الهاتف بالمنزل، كنت أخشى أن تكون معه بالمشفى وتريد اخفاء الخبر عني".
" تركت كل شيء بيدي وخرجت أركض بالشارع أرى الناس يتجمهرون عن بيت جده ويتداولون اسم شاب من عائلة أبو ناموس فتأكدت أن ابني شهيد".
بحث محمد الملقب بـ "غضب" عن عمل فلم يجده، منعته الظروف من اكمال بكالوريوس صحافة وإعلام، كان له بصمات كبيرة بمسيرات العودة، أصيب أسفل الركبة قبل اشهر، وتعرض للإصابة بشظايا قذيفة مدفعية إسرائيلية خلال إحدى ليالي فعاليات الإرباك الليلي التي شارك بها.
تغمض والدته عينيها بتألم ماسحة دمعة سقطت منها: "تمنيت أن أفرح به قلت له قبل مدة: شايفاك عريس، لكنه كان يتمنى الشهادة! .. تألم وعز عليه أنه أصبح شابا دون أن يجد عملا".
قلب الأم دليله
"محمود !؟" .. اسأل عنه الحي توجه والدة الشهيد محمود الولايدة من على عتبات بيتها سؤالنا لأحد ابناء الجيران الذين تجمعوا حولنا الساعة الثانية ظهرا مشيدا بنجلها، فتكمل اجابتها: "خسرته الحارة، كان رجلا بمعنى الكلمة".
آخر مشهد جمع الأم ونجلها كان عصر أول أمس، حينها جاءها محمود مناغشا ومشتاقا لوالدته بعد يوم عمل في الزراعة مع والده بأرضهم الزراعية شرق جباليا "وين يا سمورتي"، تقول وهي تجلس على كرسي بلاستيكي أمام منزلها قبل عودة المعزين من مواراة نجلها الثرى وما زال فتية الحي يستمعون لكلامها وبدت متماسكة: "ذهبت إلى حفل زفاف لأقاربنا، لكن قلب الأم دليلها لم أشعر بالراحة وغادرت عائدة للمنزل في الطريق قلت لطفلي الصغير: حاسة راح يصير شي".
هل توقعت أن يكون نجلك بين الشهداء؟ لا تخفي توقعها ذلك فطالما حدثها برغبته: "انا طالب الشهادة هدا طريق واخترتها، وحجيبلك راس اليهودي .. نفسي أنفذ أي عملية"؛ لكن "الصدمة صعبة على قلب الأم" تقول.
"كل ما أقول له: بدي أزوجك وأفرح فيك، كان يرد بأنه سيتزوج من حور العين" انتهى حديث والدة الشهيد، بجانبها يقف حسين وهو من نفس العائلة مشيرا إلى ظل شجرة كان محمود الملقب بـ "خطاب" وأصدقائه الشهداء وغيرهم يجلسون تحت ظلها دائما.
صحيفة فلسطين