الضفة المحتلة- قُدس الإخبارية: أصدر مجموعة من قضاة المحكمة العليا، بياناً يتضمن عدداً من النقاط القانونية والتوضيحية، يوضح أوجه اعتراضهم على القرارين الأخيرين اللذين أصدرهما الرئيس عباس رقم (16-17) للعام الحالي.
وتتضمن القرارات المتخذة من قبل الرئيس بالخصوص، إحالة 52 قاضياً للتقاعد وحل مجلس القضاء الأعلى، وكافة هيئات المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف، وتشكيل مجلس انتقالي، وتخفيض سنة تقاعد القضاة إلى 60 عامًا، وذلك بهدف "إصلاح وتطوير السلطة القضائية والنيابة العامة"، وفقًا للقضاة والإعلان الرسمي.
قضاة المحكمة العليا: "عبد الله غزلان، وإيمان ناصر الدين، وخليل الصياد، وعدنان الشعيبي، وحلمي الكخن، ومحمد مسلم، ومحمد الحاج ياسين، وبوليت متري"، قالوا في بيان لهم إنهم مع تطوير القضاء، وقد طالبوا مراراً بإجراء إصلاحات فيه، "لكنهم لم يجدوا أذاناً صاغية"، وأضافوا: "نستنكر التبريرات المضللة التي أدت لمذبحة حقيقية للقضاء الفلسطيني وانقلاب على الشرعية الدستورية، ومبدأ الفصل بين السلطات في سابقة لم يشهدها تاريخ القضاء من قبل".
وأرجع القضاة سبب ضعف القضاء في فلسطين، إلى "ضعف الإدارات القضائية المتعاقبة، وتجاوزها لأحكام قانون السلطة القضائية، وضوابط العمل القضائي وانعدام الرعاية والعناية والمساءلة، والسماح بتدخل المستويين السياسي والأمني بالتعيينات والترقيات، حتى بات تعيين رؤساء المحكمة العليا ونوابهم، أمراً تقرره السلطة التنفيذية ومتنفذيها".
ونفى البيان وجود صراعات بين قضاة المحكمة العليا، بل هو في حقيقته "نتاج تدخلات السلطة التنفيذية ومتنفذيها، وسماح الإدارات القضائية المتعاقبة بهذا التدخل، بما أدى إلى تصدي عدد من قضاتها لهذا التدخل ومطالبتهم بتعزيز استقلال القضاء".
وأدان القضاة، الحملة التي شنت بهدف تسخيف إنجازات قضاة محكمة النقض، وتحميلها وزر تراكم الدعاوى والاختناق القضائي، بما أشيع ظلماً وافتراءً على لسان مدير عام الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، أن محكمة النقض فصلت طعناً جزائياً واحداً لا غير خلال شهر حزيران من عام ٢٠١٩، إذ أن عدد الطعون الجزائية المفصولة ٧٣ طعناً، في حين بلغ عدد الطعون المدنية ٩٢ طعناً، بالإضافة إلى ٤٨ طلباً مدنياً، و١٤ طلباً جزائياً، أي ما مجموعه ٢٢٧ بين طعن وطلب، مبدين في الوقت ذاته أن عدد الطعون الجزائية المدورة في الشهر المذكور بلغ ٢٠٥طعناً، كما أن عدد الطعون المدنية المدورة بلغ ٤٥٨٧ طعناً، وأن عدد الطعون المدنية الواردة في ذلك الشهر ١٠٨ طعناً، و عدد الطعون الجزائية ٣٥ طعناً، في حين أن عدد الطلبات المدنية الواردة ٣٩ طلباً، كما أن عدد الطلبات الجزائية الواردة ٦ طلبات". وفق ما أنبأت عنه الجداول الرسمية لأعمال محكمة النقض خلال شهر حزيران من العام الحالي".
وفي سياق متصل قال القضاة: "ما سيق كأحد مبررات إصلاح القضاء، بضخ الدماء الشابة كلمة حق أريد بها باطل ، ذلك أن ضح الدماء الشابة وإن كان يصلح في كافة مؤسسات الدولة بما فيها القضاء، إلا أن ذلك لا يصلح في قضاة المحكمة العليا الذي يعتمد على تراكم الخبرات التي تتكون مع السنين، ودليل ذلك أن المشرع رفع سن تقاعد القضاة لغاية ٧٠ سنة استثناءً من سن تقاعد الموظفين على وجه العموم".
وحول تخفيض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاماً، قال البيان: "أن هذا يتناقض مع تعيين مجلس انتقاليّ، أكثر أعضاءه في سن الكهولة، كما أن كثيرًا من الدول لم تحدد سن تقاعد للقضاة من أجل الاحتفاظ بخبراتهم".
ووصف البيان قانون إحالة كل من بلغ من القضاة 60 من العمر، إلى التقاعد، "عزلاً جماعياً من الوظيفة القضائية وقد مس بمراكز القضاة القانونية وحقوقهم المكتسبة، ويعاذ بالقضاء الدستوري والإداري أن يشرعنه، وقد قضت محكمة العدل الأوروبية بإبطال قرار الرئيس البولندي تخفيض سن تقاعد القضاة من ٧٠ سنة الى 65 سنة، واعتبرت ذلك انتهاكاً صارخاً بحق القضاء".
وأكد القضاة أنه "في الوقت الذي يتم فيه تخفيض سن تقاعد القضاة إلى 60 سنة، يتم تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي ممن هم في سن الكهولة، كما يتم الإبقاء على قضاة تجاوزوا الستين من العمر أعضاءً في المجلس، ويُعهد برئاسة المجلس ورئاسة المحكمة العليا لمن تجاوز الثمانين، ناهيك عن أن تخفيض سن تقاعد القضاة النظاميين لم يصاحبه تخفيض سن تقاعد القضاة في المحكمة الدستورية العليا رغم أنهما في ذات المستوى القضائي لقضاة المحكمة العليا، وفي ذات الوقت جرى رفع سن تقاعد القضاة العسكريين من سن 60 إلى 65".
ورأى بيان القضاة، أن "القاعدة القانونية يجب أن تكون عامة ومجردة، وألا يتم تفصيلها بالمقاس على أشخاص بعينهم، كما أن كل من تجاوز 60 من عمره وإن صنف بأنه عضو في المجلس القضائي، إلا أن ذلك يحول بين جلوسه على منصة الحكم، إذ أن الفارق بيّن بين الإنشاء والتشكيل والتعيين والانعقاد، فالمادة الثانية من القرار بقانون رقم ١٧، أتت على تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، كما أن المادة الثالثة من ذات القرار بقانون أتت علي تشكيل مجلس قضاء انتقالي لأشخاص بعينهم، ولم يسبق ذلك تعيين رئيس مجلس القضاء الانتقالي رئيسا للمحكمة العليا، ولا يغير من الأمر شيئا أن وصفته المادة ٣، رئيسا للمحكمة العليا طالما لم يصدر قراراً بتعينه، بعد أن أحيل إلى التقاعد، من رئاسة المحكمة العليا، وليس من شأن حلفه اليمين ما يمنحه أو يعطيه الصفة القضائية، وبذلك تغدو المحكمة العليا دون رئيسا لها".
وأرجع القضاة تراكم الدعاوى في المحاكم، "لأسباب إدارية وقانونية واجرائية، بالإضافة إلقلة عدد القضاة وازدياد عدد القضايا، إذ أن قضاة محكمة النقض يعمل الكثير منهم في أكثر من هيئة، كما أن كل هيئة من هيئات محكمة الاستئناف، تعقد جلساتها مرتين في الأسبوع بسبب عدم وجود قاعات كافية لانعقاد الهيئات"، حسب البيان.
وقال القضاة: "إن سياسة التهديد والوعيد بالإحالة إلى التحقيق والمجالس التأديبية التي انتهجها رؤساء المجالس القضائية المتعاقبة، قد حالت دون حرية التعبير والإشارة إلى مواضع الخلل".
وتابع البيان: "كما نستنكر التنبيهات التي وجهت من رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق لقضاة المحكمة العليا، بسبب مطالبتهم له إعمال نصوص قانون السلطة القضائية المتعلقة بتشكيل هيئات المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف"، مستنكرًا "اعتبار مستشار الرئيس للشؤون القانونية القضاة القدامى الذين عملوا قبل انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، جزءاً من المشكلة".
وأردف"مستشار الرئيس يتناسي ما قاله بحقهم عند إشغاله لمنصب رئيس المحكمة العليا، رئيس مجلس القضاء الأعلى، قبل أن يتم إلغاء قرار تعيينه، بأنه تتلمذ على أيديهم"، مطالبًا بأن "يطال القانون كل من يثبت أنه قوّض القضاء وتستر على من خالفه، وتقاعس عن أداء رسالته وفتح الباب لتدّخل السلطة التنفيذية ومتنفذيها، وكل من تدخل من السلطة في شؤون القضاء".
واعتبر أن "القرارين اللذين أقرهما الرئيس، تعديّا على اختصاص مجلس القضاء الأعلى، وذلك بحل كافة هيئات المحكمة العليا وكافة هيئات محكمة الاستئناف، ذلك أن أمراً كهذا من صُلب عمل المجلس، عدا عن أن صلاحية الرئيس بإصدار قرارات بقانون بينتها المادة ٤٣ من القانون الأساسي وفق ضوابط محكمة دقيقة صارمة، وقد وردت على سبيل الاستثناء، ومعلوم بالضرورة أن الاستثناء لا يتم التوسع في تفسيره والا غدا افراطاً وتفريطاً".
وفي سياق متصل، بيّن القضاة "أن تقاضي رئيس مجلس القضاء الأعلى مكافأة يحددها رئيس السلطة يُفصح بأنه فاقد للصفة القضائية، ذلك أن رواتب ومخصصات القضاة بجميع درجاتهم حددتها الفقرة الأولى من المادة ٣٢، من قانون السلطة القضائية وفقا للجدولين ا،٢، الملحقين بذات القانون، وفي هذا ما ينفي أن يكون رئيس مجلس القضاء الأعلى الانتقالي متمتعاً بالصفة القضائية".
وأكد البيان "أن مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، قد جاء على خلاف القانون الأساسي، وقانون السلطة القضائية والمبادئ والمواثيق والأعراف القانونية والدولية، والاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة وألزمت نفسها بها".
ختاماً اعتبر قضاة المحكمة العليا أن "من أبشع مظاهر الاستهانة بالقضاة المحالين إلى التقاعد أن يتم ذلك وهم على عتبة الإجازة القضائية، وأن يعاملوا على نحو لا يستقيم وكرامتهم دون أدنى احترام بما ينبئ بالانتقام بجفاء غير معهود، صاحبه تصريحات فجة وتهديد ووعيد".