نابلس-خاص قٌدس الإخبارية: بعد خمس سنوات من استشهاد نجله، عادت إليه ملابسه الملطخة بدمائه لتعيده ذاكرته إلى يوم استشهاده. وقف بينما كان ضابط مخابرات الاحتلال يفرّغ أمامه الأكياس مما اقترفته أيدي جنود الاحتلال من جريمة، ويناوله إياها، أمسكها والد الشهيد وبدأ يشتم رائحة دماء نجله، وضمها لصدره وخرج وهو يحضنها.
قبل نحو شهرين ورد اتصال لـ"جميل دويكات" والد الشهيد إمام، من بلدة بيتا جنوب نابلس، من قبل ضابط مخابرات الاحتلال، يخبره بأن لديهم مقتنيات خاصة بنجله الشهيد، وسأله إذا ما يود استرجاعها، لكن والد الشهيد لم يصدق أن هناك مقتنيات خاصة محتجزة لدى جيش الاحتلال، ظنًا منه أن ملابس إمام بقيت في مستشفى رفيديا.
أخبر دويكات ضابط المخابرات أن يسلّم المقتنيات المحتجزة للارتباط الفلسطيني، إلا أن رده كان بأنهم هم الجهة المخولة في التحقيق بقضية نجله، فسأله مستهجنًا: "وإلى ماذا توصلتم في قضية استشهاد ابني؟".
في الثامن عشر من الشهر الجاري، أعاد ضابط المخابرات الاتصال بجميل دويكات، وسأله إذا ما كان يريد مقتنيات ابنه الشهيد، وطلب منه الحضور صباحًا لمركز الارتباط الإسرائيلي في حوارة.
تعمد دويكات المماطلة، إذ كان يتوقع أن ضابط المخابرات يمارس لعبة ما، لكنه كرر اتصالاته به ما يقارب ثلاثين مرة، ليقرر الذهاب هناك، وصل وكان ضابط المخابرات بانتظاره ومترجم وحارسان إسرائيليان، طلب منه هويته، ليجلب بعدها حقيبة.
بدأ ضابط مخابرات جيش الاحتلال، يفرّغ حقيبة تحتوي أكياسًا بها ملابس نجله الشهيد، ثلاث قطع من ملابس إمام كانت ملطخة بالدماء، ممزقة ومهترئة، فرّغها وناوله إياها، بدأ جميل يشتم ملابس ابنه، ورائحة الدم كانت واضحة، ضمها لصدره، وأراد وضعها في إحدى الأكياس التي كتب عليها تفاصيل باللغة العبرية، لكن رفض ضابط المخابرات، وأشار للحارس ليتناول كيسا أخر، لكن والد الشهيد رفض وخرج وهو يحضن ملابس نجله.
جرح في القلب
لم ينس يومًا، جميل دويكات، وزوجته وأبناؤه، الشهيد إمام، كان يعيش معهم بذكرياته التي تركها في كل زاوية في بيتهم، وبعد أن عادت ملابس إمام إليهم، عمّقت جرحهم النازف، مدركين أن هدف الاحتلال الوحيد بتسليم ملابس الشهيد بعد خمس سنوات من استشهاده، هو إعادة فتح الجرح الذي لم يندمل يومًا، وينغص فرحتهم بعد نحو شهر بحفل زفاف عم الشهيد الذي تحرر من الأسر قبل عام.
في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول عام 2014، كان إمام دويكات (16 عامًا) متوجهًا صباحًا لمدرسته، امتحن في مادة التربية الإسلامية وغادر، كان برفقة اثنين من زملائه عندما كانوا متوجهين لمنتزه في الجهة الجنوبية من البلدة، وهو قريب على الشارع الرئيسي لزعترة، وهناك برج عسكري مقام في المنطقة.
ثلاثتهم كانوا يسيرون خلف بعضهم، وفي المقدمة كان إمام، بينما كان جنود جيش الاحتلال في البرج العسكري يتربصون لهم، أطلق جندي إسرائيلي النار على الفتى الأخير ثم الوسط ثم أصاب إمام، كانت إصابته بالغة، بينما زميليه تمكنا من الانسحاب.
عدة رصاصات أصابت الجزء العلوي من جسد إمام، ليرتقي في المكان شهيدًا، احتجزه جيش الاحتلال بضع ساعات، ومن ثم سُلم جثمانه لمستشفى رفيديا بمدينة نابلس، كان في حينها والد إمام يعمل في الداخل المحتل.
هاتف شباب من البلدة والد إمام، وأخبروه أن نجله مصاب، فتح موقع "الفيسبوك" وقرأ خبر استشهاد فتى وإصابة اثنين من بيتا، راوده هاجس بأن الشهيد هو نجله، ليغادر سريعًا متوجهًا لمستشفى رفيديا.
ما إن وصل جميل حتى رأى أمامه إمام ممددًا على طاولة معدنية، الجزء العلوي من جسده ملطخًا بالدماء، لم يكن يرتدي سوى بنطاله، لا يستجيب لنداء أحد من أهله وأصدقائه، ودّع الأبُ ابنه للمرة الأخيرة.
عن أمام، يقول جميل لـ"شبكة قدس": "إمام هو الولد الثاني لنا، كان في طفولته هادئًا، لكنه تغير عندما كبر، أصبح اجتماعيًا، خفيف الظل، يمازح الجميع، يحب التقاط الصور كثيرًا، يعتمد على نفسه".
حساب الشهيد على موقع "الفيسبوك" يعتبر كمذكرات تركها إمام لعائلته، فوالده يقضي ساعات وهو يتصفح كتابات وصور نجله، يقرأ منشورات لم يكن يدرك معناها سابقًا، ويسمع لصوته عندما كان يهاتف برامج الأسرى ويرسل تحياته لأصدقائه.