شبكة قدس الإخبارية

بعد 18 عامًا من النضال بتنظيم "باطن الأرض".. عرابي يعود إلى باطن الأرض

622
رولا حسنين

كان لهزيمة حزيران وقع صادم على جمال عرابي ابن مخيم الجلزون، وكان عليه أن ينتظر 3 سنوات حتى يصحو منها معلناً تأسيس تنظيم (باطن الأرض)، كأول تنظيم يقاوم المحتل بكل وسيلة متاحة، آخذاً من تفاصيل مخيمه الواقع في بطن أرض وعمله الجهادي السرّي اسماً لهذا التنظيم الذي انطلق عام 1970، دون أن ينتسب لأحزاب سياسية.

عرابي و المعتقل
لم يكن يعلم عرابي أن طفولته اللاجئة بين ثنايا المخيم ستطول أكثر لتمتد إلى حيث شيخوخة يحياها وكاهل يعاني فصول معاناة تتجدد كلما تذكر أنه فلسطيني بلا هوية تثبت أنه إنسان على قيد حياة قاسية، أذاقته من ألوان الألم ما يكفي لأن تجعله يتصلب أمام موقفه معلناً أنه فلسطيني و يريد هوية.

كبلت قيود الأسر مقاومة عرابي ومن معه في التنظيم فقد تعرض للاعتقال عدة مرات، كانت أولاها وهو في 15 من عمره بصفته قائد التنظيم و40 آخرين من الأعضاء، أمضى تسعة أشهر ذاق فيها العذاب ألوان دون اعتراف منه عن شيء قائلاً "قضية الحرية التي أعمل من أجلها أصلب من القيود التي تكبلني و أنا جالس على كرسي التعذيب التي لا تصلح للبشر"، وبعد خروجه استمرّ ورفاقه بالعمل و الحماسة تملأهم، فوزعوا مناشير تدعو لمقاومة الاحتلال، وكتبوا الشعارات ليلاً وبنوا تنظيمات جماهيرية قطاعية مثل القطاع العمالي والطلابي، وبذلك توسع عمل التنظيم.

اعتقال آخر يحياه عرابي حيث كان طالباً في مدرسة الهاشمية، أمضى في السجون سنة و نصف، وبعد خروجه حصل على شهادة الثانوية ليسافر بعدها إلى الأردن لإكمال دراسته و لأمر آخر.

بوعزيزي فلسطين
دخل عرابي مرحلة جديدة في حياته النضالية، فبدأ مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخاض فيها كل معارك الثورة الفلسطينية اللاحقة، وتنقل من لبنان إلى سوريا إلى أن حطّ به الرحال في الجزائر، رحلة نضالية استمرت من 1976 حتى 1991،حيث عاد إلى الأردن من جديد لسبب تنظيمي، وكان خلال هذه الفترة قد تزوج وأنجب الأبناء.

فكان من الوفاء العربي اللامنطقي، أن سحبت السلطات الأردنية بطاقة الجنسية من عرابي وأبنائه عام 2000، ليبقى بلا عمل سياسي ونضالي ولا حتى اقتصادي يمكنه من إعالة عائلة عددها يفوق 7 أبناء، طالب عرابي بالجنسية بشكل متكرر إلّا أن المماطلة والتسويف كانت هي الطريقة الوحيدة لإسكاته عن حقه،إلى أن إتخذ عرابي من الثورات العربية مثالاً للثورة على الظلم، فبدأ احتجاجه بالتهديد الصريح بحرق نفسه أمام القصر الملكي في الأردن، مطلقاً على نفسه اسم "بوعزيزي فلسطين" مستعيناً من الاسم التونسي الذي تمرد على الظلم بحرق نفسه ونجاح ثورة كاملة، كما فعل عرابي حيث انتصرت قضيته و استرد جنسيته الأردنية، مما مكنه من دخول أرض الوطن بعد 18 عاماً في المنفى، من خلال مشاركته في مؤتمر لوفد طبي قادم الى فلسطين على اعتباره أستاذ في الأحياء بعد ان دَرَسها و علّمها في الجزائر.

18 عاماً في المنفى كفيلة بأن تنسي عرابي تفاصيل مخيم ووطن وطفولة قاسية، وجد كل شيء قد تغيّر، حتى ملامح وجه أمه قد تبدلت مع قسوة الحياة، يبكي عرابي ورجلاه تجثو على الأرض يريد أن يقبّل ثرى الوطن، فامتزجت دموعه بتراب عشقه وناضل لأجله، قلبه المتعب بحب الوطن يبكي أعوام مضت يشتاق فيها إلى أمه.

دخل عرابي الوطن جازماً أن خروجه منه سيكون مستحيلاً، مردداً مقولته التي كان يبكيها كلما سمع صوت أمه على الهاتف عاجزاً عن رؤيتها و تقبيل يدها "من ذاق مرّ الغربة يهون عليه المرّ في وطنه يمّا"، معتقداً أنه سيحصل على جنسية فلسطينية هي حق له، فخابت معتقداته و أحلامه تحطمت على صخرة قاسية من تسويفات السلطة الفلسطينية التي وعدته كثيراً وفي كل مرة كانت تتنكر له، إلى أن وصل بهم الأمر لمحاولات تصفية لعرابي آخرها كانت بإلقاءه في حي ناءٍ يبعد عن أماكن سكن كل البشر، أقدار الله وحدها مَن حفظته من الموت بعد أن ناهشه أحد الذئاب في تلك المنطقة، إلى أن استطاع بعد ساعة و نصف من المشي البطيء الوصول لمنطقة وجد فيها أحداً يرشده للطريق إلى رام الله مرة أخرى حيث مكان احتجاجه و سكنه.

"الطرف الآخر"

أقرّ الجميع بحقّ عرابي في الهوية، ولكن رفض كبار المسؤولين مقابلتنا للحديث عن هذا الأمر اضطرنا للحديث مع محمد حسان مدير دائرة الإقامات في هيئة الشؤون المدنية في رام الله، حيث أجمل لنا أن الأمر خرج عن إرادة السلطة الفلسطينية وقال أوقف الطرف الآخر (الاحتلال) قرار جمع الشمل في عام 2000 لأمور سياسية قبلت بها السلطة الفلسطينية تحت الضغط لاستكمال مشروع المفاوضات التي لم تنجب للشعب الفلسطيني خيراً حتى هذه اللحظة".

هويتي للمغنية

مرة أخرى يبكي عرابي بحرقة القلب المتيّم بحب الوطن المشنوق على يد كباره، حيث رأى الرئيس الذي قابله عرابي شخصياً طالباً منه هوية فلسطينية كيف يتوّج مغنيين ومغنيات بجنسية حُقّت لعرابي قبل أن تحقّ لغيره قائلاً "الشعب اليوم يستحق الموت إذا بات الوطن في ناظره أغنية و مغنية".

"أريد استعادة هويتي، أريد أن أعيش ما تبقى من حياتي في وطني "هذه عنوان معركة عرابي الجديدة التي قرر خوضها حتى النهاية، فإما هوية و إما هوية.

بعد 5 أعوام من قتال عرابي لأجل الهوية، رحل إلى باطن الأرض مجدداً، ولكن هذه المرة مودعاً فيها روحه وجسده، تاركاً خلفه شعب يناضل، واليوم ينعاه قلبي حزناً وفقداً لمناضل عاش مؤمناً بقضيته وحريته، ولم يكن من أصحاب شهوات الأموال والمناصب.