شبكة قدس الإخبارية

إكرام الميت دفنه... وداعًا للمشتركة

992
يوآب حيفاوي

ها قد انطلقت الحملة الشعبية لمقاطعة انتخابات الكنيست 2019.

تبدو الحملة مختلفة هذا العام، إذ يقودها النشطاء الشباب، وهي تلاقي استحسانا وتفاعلا في العديد من الأوساط الجماهيرية.

عوامل كثيرة اجتمعت لكي تقفز حملة الـ 2019 لمقاطعة انتخابات الكنيست، قفزة نوعية في نشر فكر المقاطعة ولكي تمثّل هامّة على طريق بناء حراك سياسي تحرري يجمع الفلسطينيين في الوطن والشتات ويطرح بديلًا للطريق المسدود الذي أوصلتنا إليه القيادات التقليدية.

ولكن، إن أردنا قصر بحثنا على عامل رئيسيّ أوصل حراك المقاطعة إلى تحقيق هذه القفزة النوعية، فهو فشل تجربة القائمة (العربية) المشتركة التي حاضت انتخابات الكنيست السابقة عام 2015.

قصة بحّار فاضل، إليكم هذه القصّة:

سفينٌ كانت تبحر في وسط المحيط، وكان الجو بارداً والرياح عاصفة، ومن المعروف أن مياه المحيطات تحتوي على "الوحوش الضارياتو"، أي أسماك القرش المفترسة، ويا للهول! لقد سقط عن ظهر السفينة طفل لا يتجاوز عمره سنوات خمس إلى المياه، فتصاعد صراخ أهله، ولطمت السيّدة الوالدة على خدّيها، فلما حاول السيد الوالد تهدئتها، لطمته على خدّه، وتعلّقت أنظار الجميع بمشهد الأمواج المرعب، من دون أن يجرؤ أحدهم على أن يحرّك ساكنا. وما هي إلّا لحظات، حتى رأوا بحّارا في طريقه إلى البحر من ظهر السفينة، فأمسك بالطفل قبل أن يختفي تحت الماء، وهكذا، رمى الطاقم الحبل فأنقذ الطفل والبحار، ولطمت السيدة الوالدة السيد الوالد تعبيرا عن سعادتها بالمنظر.

هكذا، احتفل الجميع بمعجزة انقاذ الولد وصار البحار الفاضل بطل الاحتفال. وقد توجه له قبطان السفينة مادحا بطولته، قائلا له: أطلب أي أمر تريده، فأحققه لك يا بطلنا (ولم تلطم الأمّ الأب في هذه اللحظات، فهذه لحظات ترقّب)

لم يبدُ على البحار الانفعال من فرحة الجميع، أو الزهو بالمديح الذي ساقه القبطان، فأجاب ربّ عمله:

"سيّدي، لا أريد شيئا كل ما أريده هو معرفة أمر واحد"

ساد الترقّب وجوه الجميع

"أريد أن أعرف من المحترم الذي دفشني إلى البحر!"

الفاضل بإقامة المشتركة

كانت الظروف تختلف قليلا عند انشاء القائمة المشتركة عشية انتخابات الكنيست السابقة، ومع أن الكثيرون قد احتفلوا بالحدث الوحدوي الذي لاقى استحسانا من الجمهور الفلسطيني الذي كان يتوق للتوحد في وجه العدو الذي لا يقلّ افتراسا عن أسماك القرش، إلا أن السبب الذي دفع بالأحزاب العربيّة الكنيسيتيّة إلى هذه الوحدة، ليس غائبا عن أذهان أبناء شعبنا الذين تعودوا على حالة الشقاق والتنافر الحزبي. فالسبب كما يعلم الجميع كان مؤامرة اليمين الصهيوني العنصري المتمثلة في رفع نسبة الحسم، عشية الانتخابات.

قد تختلف قيادات الأحزاب المذكورة عن البحّار المذكور في قصّتنا، فعلى الرغم من كون هذه الوحدة قد فرضت عليهم فرضا، بحكم الأمر الواقع، إلا أنّهم لم يتأخروا في طلب جائزة على تحقيقها، وهكذا، فلم يتأخر الناس أيضا في دفع ثمن هذه الجائزة، من خلال قيامهم برفع نسبة التصويت.

أنا لا أخفي، بالمناسبة، على الرغم من عملي في إطار حركة المقاطعة، أنني قد رحّبت في ذلك الحين، بتشكيل القائمة المشتركة، من دون الدعوة للتصويت لها، ولو من منطلق الرغبة بتخفيف النزاعات الحزبية التي تؤثر سلبيًا على حركة الجماهير النضالية.

موت متوقع

إلا أن وحدة قائمة كنيستية، مهما تكن، لن تكون هي الوحدة المطلوبة والضرورية للدفاع عن جماهيرنا... لقد رافق إطلاق قائمة عربية موحّدة إطلاق مجموعة من الشعارات الرنّانة عالية السقف، كشعار "القائمة الثالثة [من حيث حجمها في الكنيست]"، و "قوة مؤثرة". بيد أن هذه القائمة لم تجد نفعا سوى في تفنيد الأوهام التي ترددت بين جماهيرنا، والتي كانت تتردد في كل مرة مع عودة موسم الانتخابات الإسرائيلية. هذه الأسطورة التي تقول "لو توحّدنا [كعرب، في الكنيست] لتغيّر الحال" . إذ أثبت الواقع أن الكنيست قد بلغ، في ظل حضور "المشتركة" قاع العنصرية، ولم يتوقف يومًا عن التحريض ضد الجماهير العربية وعن بث الكراهية وسن القوانين العنصرية...

في الوقت ذاته، ومن دون الانتظار حتى حلول موعد الموسم الانتخابي القادم، أشغل نواب المشتركة وأحزابها أنفسهم، وأشغلوا الرأي العام، في صراعاتهم المحمومة على ميزانيات التمويل الانتخابي وعلى التناوب على المقعد، وعلى نصف المقعد، وعلى، عدم المؤاخذة، مقعدة المقعد. وهكذا، فقد تحولت القائمة المشتركة من مصدر أمل وفخر إلى إزعاج ورمز للتقصير والعجز.

وهكذا، يا أصدقاء، سارت الأمور إلى أن رأى أهل الميّت أن إكرام المرحوم دفنه، وطوى التاريخ صفحة هذه التجربة.

أهل الكنيست أدرى بعدميته

تحرّيا للصدق، فإنني، على الرغم من اهتمامي الدائم بأمور السياسة، إلا أنني لم أتابع أخبار الكنيست، ولا أستطيع نقاش تفاصيل مساهمة الأحزاب العربية في عملها على مدار سبعين عاما من "النضال الكنيستي" (الذي أرفض أن أشارك يتسميته "برلماني" كي لا أشارك في أكذوبة إسرائيل بالـ"ديمقراطية").

لكنني أثق أن نوابنا العرب بالكنيست مخلصون لقضايا شعبهم، وإن كانت هنالك أية أهمية لتعزيز التمثيل العربي فيه لكانوا قد وضعوا جانبا جميع الاعتبارات الهامشية، كاعتبارات المحاصصة بين الأحزاب، ومسألة الميزانيات الحزبية، ولحافظوا على القائمة المشتركة كما يحافظ الإنسان على بؤبؤ عينه

إلّا أنه لا فائدة ولا سبب للوجود في الكنيست باستثناء المنفعة الحزبية الفئوية، ومن قضى في الكنيست سنوات طويلة أدرى بالتفاصيل، وتصرفاته أمام الناس خير دليل على ذلك.