شبكة قدس الإخبارية

الجريح الغرة.. هل تنجح أمعاؤه الخاوية بإعادة حقه؟

موقع
داود أبو ضلفة

غزة - خاص قدس الإخبارية: داخل أسوار البيت الصغير الذي يعيش فيه الجريح ظريف الغرة بالإيجار، يتكئ إلى جوار أطفاله الثلاثة والحسرة مرسومة على وجوههم، ويضع بجانبه كوباً من الماء والملح ليسند به أمعائه الخاوية، فهو يخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام، منذ يوم الجريح الفلسطيني في الثالث عشر من مارس.

20 يوماُ من الإضراب الفردي المتواصل مرت، لم تثني من عزيمة "ظريف" الذي لم يجد سوى الإضراب طريقة للتعبير من خلالها عن رفضه إقدام السلطة الفلسطينية على قطع راتبه الذي يتقاضاه كأحد الجرحى الفلسطينيين الذي يتعرضوا للإصابة برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب أكثر من 1100 جريج قُطعت رواتبهم منذ قرابة 3 شهور.

والغرة (34عاما) ناشط مجتمعي متهم بقضايا الجرحى وذوي الإعاقة، تعرض لإصابة مع بداية انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠، إذ أصيب برصاصة إسرائيلية اخترقت صدره واستقرت في العمود الفقري، ما تسبب بشلل نصفي في الأطراف السفلية، ويعاني منه حتى اللحظة.

يقول الجريح ظريف الغرة وهو يعاني من آلام في المعدة بجسده الضعيف الذي لا يستطيع أن يتحكم بنصفه، في حديثه لـ "شبكة قدس" أنه منذ انقطاع راتبه الشهري شعر بإهانة كبيرة مست كرامته الشخصية، معبراً بكل حسرة وقهر "شعرت وكأن رأسي قد انقطع، وخطوت هذه الخطوة التي أعرف أنها ستؤثر سلباً على صحتي، إلا أن حجم هذه المشكلة خطير أيضاً"

وتابع حديثه: "أنا بحمد الله من محبي الأكل، والآن لم يعد في نفسي شيء، وبدأت مع مرور الايام صباحاً ومساءً أفقد الجوع، ولم أعد أشتهي تناول الطعام، ولا عادت نفسي تتوق شيء وكأنه ليس جزءً أساسياً من الحياة".

صدمة كبيرة

ويوضح الغرة أنه يريد إيصال رسالته للعالم أجمع، وهو كجريح وبالرغم من الخطورة التي تؤثر على صحته نتيجة الإضراب عن الطعام، إلا أنه عازم على الاستمرار دون تراجع، قائلاً بأسف: "يبدو أن الطريق ما زال طويلاً والقضية بحاجة للكثير من الجهد".

وبعد شعوره بالإعياء الشديد والتعب، قرر الغرة أن يتناول قطعة فاكهة واحدة فقط يوماً بعد يوم، حتى تساعده على الصمود إلى جانب الماء والملح، ويسد حاجة جسمه الضعيف خوفاً عليه من الانهيار، وقد خسر من وزنه حتى الآن أكثر من 13 كيلو.

وبين لـ "شبكة قدس"، أن الجرحى المقطوعة رواتبهم في صدمة كبيرة جراء قرار قطع المخصصات المالية عنهم، ولم يتخيلوا في أي يوم من الأيام أن يتم الزج بهم في الخلافات السياسية، وحرمانهم من حقوقهم المالية، مشيراً إلى أنّ توجهات الرئيس محمود عباس دائماً ما كانت واضحة بأنه لن يتم المساس برواتب الشهداء والجرحى والأسرى، وأنهم خط أحمر.

تهميش وتجاهل

ونوه الغرة إلى أنهم تفاجؤوا من حجم التغييب والتهميش الذي يتعرضون له، بالإضافة إلى غياب التفاعل المحلي والشعبي مع قضيتهم، بعد قطع مخصصاتهم المالية، معتبراً تعامل الحكومة برام الله، "وكأن شيئاً لم يكن".

ويضيف، "الاحزاب والفصائل والجهات المسؤولة في قطاع غزة، لم يحركوا ساكن أو يبدوا موقف داعم مع الجرحى، وكذلك منظمات المجتمع المدني لم يكن لها دور، ولم تطالب بحقوقنا المشروعة"، دعياً وسائل الاعلام المحلية في غزة والضفة إلى تسليط الضوء على حقوقهم وقد أصبحت مغيبة وسط ظلام دامس.

وقال الغرة: "بادرت بالاتصال والتواصل مع عدد من المؤسسات الحقوقية وشرح لهم قضية قطع الرواتب والإضراب الذي أخوضه لانتزاع حقي، واتصلت مع الهيئة المستقلة لحقوق الانسان وطلبوا مني التقدم بشكوى مكتوبه، وتقدمت، ووعدوا بمتابعة الموضوع قانونياً مع الجهات المسؤولة في رام الله، ولكن إلى اليوم ما زلنا ننتظر"

وينص القانون الأساسي الفلسطيني في الند الثاني من المادة (22) على أن: "رعاية أسر الشهداء والأسرى ورعاية الجرحى والمعاقين واجب ينظم القانون أحكامه، وتكفل السلطة الوطنية لهم خدمات التعليم والتأمين الصحي والاجتماعي".

الوضع خطير

يقول الجريح الغرة: "إن قضية قطع المخصصات المالية لم تمس فقط الجرحى فقط طالت عائلات الشهداء، والأسرى في سجون الاحتلال، وقبل أن تمس رواتبنا مسّت الأسس والثوابت الوطنية، إن كل حر وشريف ينظر إليها أنها خطيئة كبيرة يجب تتوقف".

ويتابع، "مثلما دافعنا بأجسادنا عن هذه الأرض المباركة، وعن وحقنا التاريخي في فلسطين، ندافع اليوم بأجسادنا وأمعاءنا الخاوية عن كرامتنا كجرحى، وعن حقوقنا الوطنية والقانونية". داعياً الجميع إلى تحمل مسؤولياته.

ووجه الغرة رسالة لرئيس السلطة محمود عباس، يطالب فيها بمعاقبة المتورطين الذين تسببوا بجريمة قطع رواتب الآلاف من الجرحى الأسرى وعائلات الشهداء، وأن يصدر تعليماته بشكل عاجل وفوري لصرف المخصصات المالية، داعيا إلى عدم زج قيمهم النضالية في الخلافات السياسية وادارة التناقضات الداخلية، "لأن الجرحى هم جرحى وطن وليسوا جرحى أحزاب".

وبحسب مصادر حقوقية فإن السلطة الفلسطينية قطعت منذ قرابة 3 شهور رواتب نحو 1100 جريح فلسطيني و400 أسير و1668 شهيد، جميعهم من قطاع غزة، دون إعلامهم بمبررات قطع رواتبهم.