تكرس وقتها في السجن للحديث مع الأسيرات، تدعو إلى الحياة الاجتماعية، وتسعى دومًا لرفع مستوى الأسيرات التعليمي، دائمة الحديث عن الأسيرات ذوات الأحكام العالية، طال اعتقالها الإداري، نائب في المجلس التشريعي، ناشطة سابقًا مع مؤسسة الضمير الحقوقية، النائب خالدة جرار في حوار داخل الأسر.
س: بطاقة تعريف؟
خالدة كنعان جرار، مواليد 1963، من نابلس أقيم في رام الله، بكالوريوس إدارة أعمال، وماجستير ديموقراطية حقوق إنسان من جامعة بيرزيت، لي ابنتان: يافا ونهى، زوجي غسان جرار، يعمل في القطاع الخاص، أشغل حاليًا عضو في المجلس التشريعي.
موقف أو حدث مثّل انعطافة في حياتك وتفكيرك؟
انخراطي في العمل التطوعي، عندما كنت في 13 من عمري، شكل تحديد اتجاه لكن الحاسم كان دراستي في جامعة بيرزيت بين عامي 1980 و1985.
س: أبرز الكتاب والمفكرين الذين شكلوا حصيلتك الفكرية؟
كتاب أثر فيّ: كتاب الأم لمكسيم غوركي، وكتاب بأم عيني لفيليتسيا لانغر، ثم الكتب التي لها علاقة بالفكر والفلسفة: المادية الجدلية، الاقتصاد السياسي، ثم الروايات لكل من الطاهرر وطار، عبد الرحمن منيف، إبراهيم نصر الله، وكذلك ما كتبه جورج حبش حول الصهيونية، بالإضافة إلى أني أحب قراءة مجلدات النكبة، إصدار مؤسسة الدرراسات الفلسطينية للخالدي.
س: الشخصية الأكثر تأثيرًا في حياة خالدة؟
جورج حبش رغم عدم المعرفة الشخصية، ثم أمي التي ساندتني وكانت مقتنعة بما أفعل.
أين وجدت خالدة جرار نفسها أكثر: عملها ضمن المجال الحقوقي في مؤسسة الضمير أو عملها السياسي في المجلس التشريعي؟
ربما لا أحد منهما، لكن ممكن مؤسسة الضمير.
ما مدى رضاك عن عملك في المجلس التشريعي خلال 13 عامًا؟
بحكم الظروف لا اعتبرر أني عملت فيه، لكن اعتبره امتدادًا لعملي في مؤسسة الضمير، تحديدًا لجنة اسرى والشهداء في التشريعي، حيث أنجزنا تعديلات على قانون للأسرى وآخر للشهداء بالشراكة مع كل الجهات ذات العلاقة.
ماذا أضاف الشجن لخالدة؟
كل مرحلة أضافت فيّ فأول اعتقال أضاف قيمة للانتصار النفسي في التحدي في المواجهة المباشرة، ثم في مراحل لاحقة بدأت تضيف الجانب الإيجابي، حيث هذا مكان تتعرف فيه عن قرب على أسباب الاعتقال والظروف التي يمرون بها، والآن أنت شريكة، ثم عززت جانب التضامن مع الأسيرات بغض النظر عن خلفية اعتقالهن.
ماذا يضيف السجن للمرأة؟
يضيف لكل واحدة بحسب كيف تتعامل مع هذا الظرف، فهو فرصة للتعلم والتعارف، ملء الوقت، على الأقل التي ليس معها توجيهي، تحصل عليه، ورفع المستوى الثقافي.
ماذا يأخذ السجن من المرأة؟
السجن صعب وليس سهلًا، ويحتاج قدرة على التحمل، وقدرة عالية على إحداث التوازن العقلي، يأخذ السجن أشياء كثيرة، جوهره ابتعادك عن أهلك، والناس الذين تحبينهم، طبعًا يأخذ جزءًا من العمل سواء إمرأة أو رجل، وقد تمر فيه أحداث محزنة أو مفرحة.
ما قيمة أو معنى اكتسبتيه في السجن، ولم يمكن اكتسابه في الخارج؟
الصبر، أنا إنسانة عملية جدًا، البطء والتأخير يقتلانني، من هذه الزاوية كان الصبر إضافة وتعلمون كيف رتم الحياة والإجراءات في السجن.
ما أكثر ما يفرحك وأنت في السجن؟
ما يتعلق بالأهل وإنجازاتهم وأفراحهم، أفرح حين تكتمل حياتهم.
ما أحسن ما في السجن؟
العلاقات إذا كانت حميمة.
ما أسوأ ما في السجن؟
افتقاد الحرية.
ما أكثر موقف محزن مر عليك في الأسر؟
وفاة الوالد.
أجواء أو أشياء محددة ستفتقدينها أكثر بعد خروجك من السجن؟
الأسيرات المحكومات أحكامًا عالية، المرة الماضية تأثرت كثيرًا بالأسيرات، فلم استطع التوقف عن متابعة شؤونهن خلال حريتي.
أسيرة أثرت قصتها جدًا في أم يافا؟
من الجريحات: إسراء جعابيص، وبشكل عام: منى قعدان كانت صامدة كالجبل لا تتأوه.
من الأسيرة التي تعتبرين التعرف إليها مكسب؟
لينا الجربوني، شعرت معها بالحماية، سريعة التصرف بحكم الخبرة.
ما سلبيات تتمنين لو أنها غير موجودة؟
أصعب شيء في حياة الأسر أنه ما يكون عندك حياة جماعية، الذاتية والأنانية، غياب روح العمل كفريق، والفكر الجماعي.
ما رأيك في الحياة التنظيمية في سجن النساء، هل ممكن أن تكون أفضل على صعيد الوعي والثقافة أم العكس؟
حسب المرحلة، في مرحلة من هذا النوع، لا أفضل نهائيًا، ربما في مرحلة نهوض وطني ويكون العدد بالمئات، وطبيعة في الأصل منظمة أكثر ربما يكون ممكنًا.
ما تقييمك لدور المؤسسات الحقوقية العاملة في فلسطين تجاه الأسرى؟
يوجد خلل كبير، أولًا لا يوجد تنسيق، ثانيًا لا يوجد تكامل في الأدوار، وتغيبب المهنية لدى البعض.
ما إنجاز على صعيد الحركة النسائية الأسيرة في عهد وجودها في السجن؟
التعليم لأنه لم يكن سابقًا في تاريخ الأسيرات.
ما مكتسبات تتمنين أن تحققها الحركة الأسيرة؟
الحفاظ على ما حققته اسيرات من مكتسبات في المراحل المختلفة، وأهم المكتسبات تتلخص في جانبين: جانب حياتي، وجانب له علاقة بالحقوق.
ما سلبيات تتمنين أن تتخلص منها الحركة الأسيرة؟
العودة إلى المواقف الجماعية، وحالة أعلى من التضامن والتفاعل
ما رأيك في ملف لجنة أردان ومدى إمكانية تطبيق توصياتها؟
هي في إطار صراع اليمين الإسرائيلي، فيمن يكون الأكثر تطرفًا على الفلسطينيين بمن فيهم الأسرى، تنافس في من يضيق عليهم أكثر.
توصيات اللجنة تنتهك كل القوانين الأساسية والدولية لحقوق الأسرى، بخصوص التطبيق ممكن أن يحاولوا تطبيقه ليس فقط لأغراض انتخابية، اعتقد هنالك صعوبة في تنفيذ بعض التوصيات مثل التمثيل في السجون، لكن من الواضح أن هنالك تضييقات كبيرة مثل منع التعليم ومصادرة الكتب.
كأسيرة ما شكل التضامن مع الأسرى الذي كنت تنتظرينه على مستوى الشارع؟
تسليط ضوء أكبر على موضوع الأسيرات كجزء أساسي من الحركة الأسيرة، إذ هناك نوع من التهميش على مستوى برامج الأسرى وتغطية ملف الأسيرات والمحررات، كما هنالك ضعف في توعية الناس حول ظروف الأسيرت، لأن الأسيرات لسن أرقمًا فقط، والاحتلال لا يفرق بين رجل وإمرأة فكلنا في كل المراحل مثل بعض.
قضايا تعتبرونها مهمة أو أولوية للمرأة الفلسطينية؟
قضايا كثيرة من أهمها: معاناتها من الاحتلال وإجراءته، لكن هنالك اضطهاد وعدم مساواة، العنف ضد المرأة سواء من الاحتلال أو المجتمع، موضوع العمل، والتعليم، القوانين لا زالت مجحفة بحق المرأة، استمرار وجود التمييز وغياب العدالة.
ماذا تتوقعين بخصوص الانقسام الفلسطيني؟
للأسف الانقسام الفلسطيني تمأسس ولم يبق مجرد كلام، من وجهة نظري لا يمكن لشعبنا الصمود أمام كل المؤامرات دون وحدة، وأرى أن المدخل لحل الانقسام لا بد أن يكون سياسيًا وليس إجرائيًا، بمعنى حوارات جدية تكون من خلال الإطار القيادي المؤقت (لمنظمة التحرير) التي تكون مهمته الرئيسة الاتفاق على استراتيجية فلسطينية شاملة، جوهرها اتفاق سياسي اتفاق على كيفيةتعزيز صمود الناس، على رؤية واضحة لطبيعة الصراع مع العدو، مع الديموقراطية، لذلك المدخل هو إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أساس وطني وديموقراطي، تشمل انتخابات المجلس لوطني أينما أمكن، والتوافق في الأماكن التي من الصعب إجراء ذلك فيها، ومراجعة سياسية شاملة لكل السياسات الفلسطينية السابقة.
ما أبرز الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية من وجهة نظرك؟
أول شيء تصفية المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بشطب الحقوق الوطنية الثابتة، وعلى رأسها حق العودة، التصفية تتجلى بمشروعين كبيرين: مشروع صهيوني مستمر ومتواصل يرتكز على رؤية صهيونية للصراع: فصل غزة وحكم ذاتي في الضفة، وإسقاط القدس من الصراع، كما يتجلى باستيطان واسع في الضفة وتهويد القدس، وتمزيق الضفة، وتحويلها إلى كنتونات وتصفية حق العودة، بالتالي صفقة القرن والمشروع الاستعماري التوسعي في فلسطين، وهذا يعني تعرض مشروعنا الوطني ككل لتهويد جدي.
هذه المشاريع في ظل انقسام فلسطيني وهرولة التطبيع العربي بكل أشكاله، وفي ظل تراجع دولي كبير في تأييد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، إذًا نحن نتعرض الآن لخطر وجودي.
س: باعتبارك عشت في مرحلة سابقة، وعايشت الشباب في مراحل مختلفة: ما الفرق بين وعي الشباب واستعدادهم للنضال في المراحل المختلفة مقارنة باليوم؟
الحركة الطلابية في الثمانينات كان جوهرها شبابي حتى بداية التسعينات كانت فاعلة ونشطة، وكانت تؤثر في القرار، كانت مؤثرة وليست متلقية.
تمكنت الحركة الطلابية في محطات بجامعة بيرزيت من إسقاط قوانين مثل تدخل الإدارة المدنية في التعليم، وفي محطة أخرى كانت الحركة الطلابية مؤثرة في قرارات الأحزاب، فكانت الأحزاب تأخذ بقرار وتأثير الحركة الطلابية، كما كانت تؤثر في الجانب الاقتصادي في الجامعة والعمل التطوعي، أي البعد الخدماتي والوطني.
لاحقًا في أواسط التسعينات بدأ تراجع الحركة الطلابية، ما عادت تشارك في القرار الوطني كمقرر بل كممثلين، وهذا أثر سلبًا على الحركة الطلابية والشبابية.
برأيي يوجد تراجع في دور الشباب من حيث تأثيرهم في السياسات لكن المادة الأساسية لا زالت في الشباب.
تراجع دور الشباب جزء منه يتحمله الشباب أنفسهم الذين عليهم انتزاع دورهم، وله علاقة بطريقة تفكير المؤسسات بشكل عام بأهمية دور الشباب بالمعنى العملي.
نصيحة خالدة جرار للأسيرة بعد تحررها
تكون أكثر ثقة بنفسها، وتضع هدفًا واضحًا لتحقيقه، وأن تنظر لتجربة الأسر على قساوتها على أنها محطة من محطات الحياة التي ممكن أن تتعلم منها.
نصيحة للأسيرة الداخلة حديثًا إلى السجن
الصمود في التحقيق، ولتعتبر أنها محطة تتطلب منها أن تكون أكثر صبرًا، أن تركز على جماعية الممارسة والتفكير، وتحاول أن تستثمر فترة وجودها في الأسر في قضايا مفيدة مثل التعليم، والتعرف على الأسيرات الأخريات، والتعرف إلى بنات شعبنا لأن السجن هو المكان الوحيد الذي تجتمع فيه الأسيرات من كل المناطق: قرية، مخيم، مدينة، ففيه غنى في التجارب والقدرة على التأثير، والذي يسوغ التأقلم هو الحياة الجماعية لأننا نعيش حياة جماعية.
كلمة أخيرة
ثقوا بالشباب، ثقة خاصة بالجيل الشاب، الإيمان به يصنع التغيير، وألا نكون أوصياء عليه، نعطيه خبرة يبدع بها ونتعلم منه أيضًا وهو يتعلم منا.
* أجرت المقابلة معها الأسيرة إسراء غنيمات