الخليل- خاص قُدس الإخبارية: على الرغم من تصنيفه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبشرته السمراء المعروفة لدى جميع جنود الاحتلال ومستوطنيه في منطقة تل ارميدة بمدينة الخليل، ودعوتهم الدائمة للتخلص منه سواء بالطرد أو القتل، إلا أن "عماد" لا يزال صامدًا.
الناشط عماد أبو شمسية، من الخليل، وفي الأربعينات من عمره، لازال يمشي في أزقته وشوارعه قبل أن يغزو سرطان الاستيطان منطقته، حتى لو حمل فوق كتفه جرة الغاز يوميًا ضريبة لصموده.
ولم تتوقف قرارات الاحتلال الرامية لتفريغ الوجود الفلسطيني من البلدة القديمة ومحيطها في مدينة الخليل، على مشاهد المنع والقمع والتفتيش والحواجز والبوابات، بل وصل الأمر باستصدار الأهالي لتصريح خاص من سلطات الاحتلال لتعبئة اسطوانة غاز الطهي لمنازلهم.
يصرّ "عماد" على البقاء في منزله مهما كانت الحياة مليئة بالتعب والمشقة، رافضًا فكرة الرحيل أو ترك المنطقة حتى تتصلح الأوضاع وتتعدل بما يليق بحرية وكرامة الإنسان ويعود لها، قائلًا: "صحيح أننا نعيش في أسخن منطقة في العالم، ولكن هنا وطن وأهله، ليرحل المستوطنون".
ويضيف أبو عوني لـ"قُدس الإخبارية": "حكايتي مع تعبئة اسطوانة الغاز مليئة بالمغامرات والانتظار، تبدأ من صباح اليوم وربما تمتد ليومين أو ثلاثة، وهذا يعود لمزاج وأهواء جنود الاحتلال المتواجدين على الحواجز العسكرية والبوابات الإلكترونية، حتى بعد الحصول على التصريح اللازم وتقديم طلب التعبئة لمسؤول المنطقة".
ويروي أبو شمسية، أنه في إحدى المرات التي احتاج فيها لتعبئة اسطوانة الغاز اضطر للانتظار ثلاث أيام، وهو ما دفعه لشراء اسطوانتين جديدتين كي لا تتكرر أزمة عائلته في نقص الغاز الخاص بعملية الطهي، جاء ذلك بعد توثيقه لعملية إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في 24 آذار 2016، على يد جنود الاحتلال أمام منزله، وبعدها توالت هجمات المستوطنين بحماية بنادق جيشهم بحقه.
وبحسب قوله، فإنه عملية تعبئة أسطوانة الغاز في المنطقة لا تشبه أي مكان بالعالم، فبعد استصداره للتصريح الخاص بتعبئة اسطوانة الغاز، تظهر مشكلة التوقيف والاحتجاز والتفتيش على حواجز الاحتلال المنتشرة في كافة زوايا تل ارميدة.
وذلك مع الإشارة إلى أن المسافة من منزله إلى وسط الخليل لا تتجاوز المشي دقيقتين، ولكن بفعل وجود الاحتلال وإجراءاته يحتاج ربما ساعة من الوقت مشياً للوصول لمراده.
ويستعرض "عماد" أيضًا اعتداءات جنود الاحتلال اللفظية عليه، وطلبهم منه الرحيل عن المكان، وعادة ما يكون رده عليهم بابتسامة قوة مصدرها أنّه صاحب حق في الأرض، يرفض أن يترك بيته على الرغم من التهديدات التي يتعرض لها عند كل عملية دخول أو خروج لمنزله.
ويعيش أبو عوني مع زوجته فايزة التي تعمل في مكتب محافظة الخليل بالبلدة القديمة، وطفلته "مروة" ونجله صالح الذي يقوم بتوثيق انتهاكات الاحتلال واعتداءات المستوطنين أسوة بوالده، وربما أصبحت الكاميرا رفيقهم وسلاحهم الدائم لمواجهة انتهاكات الاحتلال.
ويستذكر أبو عوني أن آخر اعتداءات الاحتلال عليه كانت قبل حوالي أربع شهور، بعد إجباره على حمل اسطوانة الغاز على كتفه، ومنعه من استخدام عربة بدائية الصنع تساعده في التخفيف من وزنها، وهو ما يؤدي إلى تفاقم آلام قدمه اليمنى التي لا يقوى على المشي بصورة مستقيمة منها.
وينعت المستوطنون أبو عوني بـ"الأعرج والمخرب والإرهابي"، ويشتمون أفراد أسرته الممنوعة حتى من شرب فنجان قهوة دون اعتداءات أو انتهاكات لحقوق الإنسان وحريته التي كفلتها المواثيق والشرائع الدولية: مؤكدًا بابتسامة "مستعدين نطبخ على النار، بس تظل الأرض فلسطينية".
ويتوق أبو عوني أن يرى أزقة وزوايا تل ارميدة والبلدة القديمة في الخليل، بدون جدار واستيطان وحواجز، حيث انخرط في العمل في توثيق انتهاكات الاحتلال عبر تأسيسه برفقة مجموعة من سكان شارع الشهداء المغلق تجمع المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي زاد وتيرة عمله بعد طرد الاحتلال لبعثة التواجد الدولي من الخليل.