شبكة قدس الإخبارية

"أم عاصف" تروي القصة لنجل الشهيد صالح

95

رام الله- خاص قُدس الإخبارية: لعلّ كل ما تخشاه السيدة "سهير البرغوثي" أن تكبر أسئلة الطفل في وقتٍ تحتار فيه من أين تبدأ الإجابة، لكنّ ما تخشاه تحقق بالفعل عندما كرر "قيس" نجل ابنها الشهيد "صالح" السؤال الأول عن والده: "لماذا لا أراه؟ هل يأتيكِ يا جدتي؟"

"أم عاصف" والدة الشهيد البرغوثي، كتبت القصة كاملة بعد هذا السؤال، وكأنها تعيد كتابة التاريخ، دون استثناء، وهي التي حفظت عن ظهر قلب كلّ ما مرّ معها باليوم والتاريخ، موثقة العمر بأبناء القلب الذين فرقت بينهم الأحوال والاحتلال.

في سياق الردّ على سؤال "قيس"، قالت "أم عاصف": اجلس يا صغيري بجواري لأروي لك قصة جدتك، لقد كنت ابنة 16عامًا، تزوجت من جدك "عمر" وكنت لا أفقه شيئًا بأهوال الحياة وككل فتاة تحلم بحياة هانئة، أنجبتُ عمّك عاصف وبعدها سلك جدك درب الجهاد وسُجن بالمؤبد مدى الحياة".

وتضيف: "تحملتُ الفراق والمعاناة والشوق والحرمان وعشت في عائلة صغيرة، جدك صالح وجدتك فرحة وعمتك حنان، أما عمك نائل "أبو النور" فقد سلك هو الآخر درب جدك وكانوا في الأسر سويًا وما زالا".

وتتابع في روايتها لحفيدها: يا صغيري، خرج جدّك أبو عاصف في صفقة تبادل أسرى بعد ثمانية أعوام من أسره، فأنجبتُ بعدها عمك عاصم وعمتك إقبال، ووالدك صالح، وعمتك يافا، والأخير كان محمد".

أما جدك فكان الدرب الذي سلكه كأنّه فيه كشجرة زيتون جذورها راسخة في الأرض وفروعها في عنان السماء، لا يردّه عنه تقدم العمر ولا المرض ولا الشيب الذي غزا رأسه ولحيته وبقي شامخًا معطاءً بلا حدود.

وأردفت، "عمُك عاصف فكان بكري وحمَل معي وكان عونَا لي منذ صغره، وعمتك إقبال كم كانت فرحتي بولادتها عارمة وتكونت لها أسرة صغيرة كما حلمت، ويافا مثل أختها وتزوجت وأنجبت".

"أمّا والدك، يا ولدي الحبيب، كم حلم وكم تكلم عن الحياة كيف يعيشها وفجأة زمجر وكبّر وهلّل واختار حياة تختلف عن طباعه في ظل رحمن في جنان روح وريحان"، قالت الجدة سهير.

وتابعت: "عمك عاصم فكان منذ صغره شبل عنيد غيور سلك درب العزة والكرامة وكان رجلًا في وقت قلّت فيه الرجال، عصيًا على الانكسار رفض كل مغريات الحياة واختار الدرب المشرفة وهي الجهاد في سبيل الله".

أخيرًا "عمُك الصغير الشبل محمد، يقبع الآن في زنازين لا تصلح للعيش الآدمي ولا حتى للكلاب ولكن من بداخلها سباع هذا الشبل المدلل، صنعوا منه رجلًا دون ذنب اقترفه".

بتنهيدةٍ، "أما أنت يا صغيري أيها الشبل الذي أقف عاجزة عن سؤالٍ تسألني إياه، لا أدري ماذا تخبئ لك الأقدار وأتمنى لك مستقبلًا هانئًا بعيدًا عن منغصات الحياه وأن يقدّرني يا بطلي الصغير أن أعوضك عن فقدان أبيك ولو القليل".

وعن نفسها وحلمها قالت: "أما جدتك يا صغيري تحلم أن تلملم جراحها وتبدأ من جديد، وأنا جالسة يا صغيري على شرفة بيت كان يضمّك أنت ووالدك ووالدتك وأدعو وأقول: "عسى الله أن يأتيني بهم جميعًا.. وأفوض أمري الى الله والله بصير بالعباد"

في مسك ختام الحديث، عقبّت "أم عاصف": هذه يا جدتي قصتي باختصار مملوءة بين السطور بأحزان وأفراح دائمًا كانت منقوصة".