قرار إجراء انتخابات "الكنيست" في أبريل/نيسان المقبل، قبل موعدها بخمسة أشهر، يعني أن الحكومة التي يتزعمها الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو ثبت فشلها، خصوصاً مع محاولات نتنياهو جاهداً أن يبعد عنه الانتخابات المبكرة، لكنه أخفق، أيما إخفاق.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل يأبه نتنياهو بالانتخابات، رغم الاتهامات بالفساد التي تعصف به؟ فقد أعلن أنه لن يستقيل ومصمم على خوضها، فهو لم يكن يخشى مطلقاً تبكير الانتخابات، بل هو يريد أن تجري الانتخابات في فترة أو وقت مريح له، ويحبذ أن تجري في أيار المقبل، لوجود العديد من المناسبات مثل ما يسمى بذكرى الاستقلال والمحرقة "الهولكوست"، وهذا يعطيه المجال لكي يلقي خطابات كثيرة ويتفاعل مع الجمهور، ولكن إجراءها في شهر نيسان، ليس بالسيئ، ونتنياهو يسعى في هذه الانتخابات لتحقيق جملة من الأهداف، وليس فقط تبكيرها لكي يتجاوز التحقيقات ضده، بل يريد لهذه الانتخابات أن تشكل استفتاء على شعبيته، لا يتمتع بها أي قائد صهيوني آخر، و"الكاريزما" التي يتمتع بها شبيه ب" الكاريزما" التي كان يتمتع بها بلدوزر الحروب والاستيطان شارون، الذي هدم حزب الليكود عندما وقف عائقاً أمام طموحاته وأقام حزب " كاديما" مكتسحاً الساحة الحزبية الصهيونية، ونتنياهو يريد هذه الانتخابات استفتاء على قيادته ومحور هذه الانتخابات، وليس السياسة والأفكار او العقيدة.
يعود اصرار نتنياهو على خوض الانتخابات الى عدة أمور يعول عليها من بينها:
أولا: تفكك قوى ما يسمى باليسار الصهيوني "المعسكر الصهيوني"، فإن نتنياهو مع شركائه سيسعى لسيطرة اليمين على كل مفاصل الحكومة، ووفق برنامج اليمين، يريد أن يستكمل مشاريعه الاستيطانية، بالضم الزاحف للضفة الغربية المحتلة، وكذلك سن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية، مثل قانون طرد وترحيل عائلات الشهداء والأسرى الى خارج أماكن سكناهم في الضفة الغربية، وقانون تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين يسقط في عملياتهم قتلى من جنود ومستوطني الاحتلال.
ثانيا: إنه تقدم بطلب لمناقشة ما يسمى بـ"صفقة القرن" بعد فوزه، لذا تقدم بطلب للإدارة الأمريكية لإرجاء الإعلان إلى ما بعد إبريل المقبل، وقد أجيب طلبه، فيما كان مسؤولون كُثر منهم المستشار غاريد كوشنر، قد أعلنوا أن مطلع العام 2019 سوف يشهد الإعلان عن هذه الصفقة. وتأتي هذه الاستجابة لتدلل بدليل إضافي على أن مصالح الاحتلال وحكومته هي التي تؤطر توجّهات مُعدّي هذه الخطة، ومع ذلك يرغب نتنياهو في أن يكون متحرراً من وجود هذه الخطة في أجواء الحملة الانتخابية، إذ سيصعب عليه حينذاك وفق منظوره التوسعي، قبول الخطة، كما يتعذر عليه رفضها علناً وذلك بعد الهدايا السخية التي انتزعها ترامب من الحقوق الفلسطينية وقدّمها للحكومة الأشد تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
ثالثا: تطبيق قانون ما يسمى بـ"يهودية الدولة"، الامر الذي سيقطع الطرق على الأحزاب العربية "القائمة العربية المشتركة"، بعد أن حققت تقدماً في انتخابات العام 2015، وسوف يكون التحدي أمامها في الحفاظ على تماسكها وفي الترشح مجدداً بقائمة مشتركة تقطع الطريق على الأحزاب اليهودية في اجتذاب الصوت العربي، مقابل بعض الخدمات للجمهور العربي، وبالتالي ان هذا القانون الجديد يقضي بأن يقسم النواب قسم الولاء للدولة العبرية كدولة يهودية قبيل مُباشرة التمتع بعضوية الكنيست.
رابعا: يحتسب لنفسه التسليم الأمريكي بتسمية ترامب القدس عاصمة له، و نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ووقف المساهمة الأمريكية بتمويل "الأونروا"، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف موجة تطبيع عربية مع (تل أبيب)، فضلاً عن غياب زعامات في صفوف اليسار والوسط قادرة على جذب الجمهور.
خامسا: على الصعيد الخارجي واجه نتنياهو أزمات، إغلاق المجال الجوي السوري أمام طائراته، حيث تسلم الدفاع الجوي السوري صواريخ (اس 300) الروسية، بالإضافة الى تطور وتحسن شبكات الدفاع الجوي السورية، وكذلك عدم قدرة نتنياهو على إخراج القوات الإيرانية وقوات حزب الله من لبنان، أو ربط خروجها بخروج القوات الأمريكية والتي بدأت بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، ولتستكمل هذا الانسحاب خلال 100 يوم، وكذلك عجز نتنياهو عن شن حرب على حزب الله، والذي يمتلك ترسانة عسكرية من الصواريخ، والتي أصبحت أكثر دقة وقدرة على التدمير، وبحيث تطال كل نقطة في مساحة فلسطين التاريخية.
سادسا: يستعيد شعبيته ويبعد الحبل الملتف حول عنقه بالاقتراب من توجيه لائحة اتهام له، خرج الى عملية سماها "درع الشمال"، من أجل تدمير أنفاق حزب الله، عملية حشد لها الإعلام والدعاية بشكل كبير، واستنفر الجيش وأغلقت الحدود وأعلنت المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية كمناطق عسكرية، ولتتمخض تلك العملية عن تدمير خمسة أنفاق، وقصة هذه الأنفاق معروفة منذ عام 2014.. ولتكون نتيجة هذه الحملة كما يقول المثل "تمخض الجبل فولد فأرا" ولتصف الصحافة العبرية، تلك العملية بأنها مسرحية وعملية نتنياهو.
اخيرانتنياهو في تقصيره للفترة التي ستجري فيها الانتخابات، يريد أن تكون خاطفة وسريعة، بحيث لا تتمكن القوى التي تقف ضده أن توحد نفسها ضمن قائمة واحدة، أو أن تتفق على مرشح واحد، ولذلك مع تفكك ما يسمى بالمعسكر الصهيوني، فهو لا يعتقد بأن غانتس أو زعيم البيت اليهودي نفتالي بينت ووزيرة القضاء المتطرفة اياليت شكيد اللذان غيرا اسم الحزب الى "اليمين الجديد" وغيرهم، قادرون أن يشكلوا بديلاً له أو قادرون على منافسته، ويريد أن يكون في المعارضة أحزاب صغيرة، تهتم بالفتات الذي يقدمه لها، وليس أحزابا كبيرة تضعه أمام تحديات وصعوبات كبيرة، كما حصل مع الأحزاب اليمينية "البيت اليهودي" "إسرائيل بيتنا" و"كولانو" و"شاس" ويهوديت هتوراه".