بنظرة شاملة لأداء المقاومة في الضفة خلال عام 2018 وأعمالها العسكرية وقدرتها على تحقيق انجازات واختراقات في العدو: الضفة هي الذخر الاستراتيجي للمقاومة وقوتها وتطورها يخدم مشروع المقاومة والتحرير ويقرب من زوال الاحتلال، فعندما تكون المقاومة الفلسطينية في الضفة بخير لن تنعم أي مدينة وأي شارع في العمق الصهيوني بالأمن، وعندما تكون المقاومة بالضفة بخير لن يتجرأ المستوطنين من السير والعربدة في شوارعها ولن تتمدد المستوطنات.
وهنا حقيقة مهمة يجب التأكيد عليها، وهي أن أي مقاومة وثورة في التاريخ الحديث والقديم، لم تشهد خطا بيانيا مستقيما للعمليات المسلحة والفعل المقاوم، فهذا مستحيل تماما، بل كانت القاعدة هي اختلاف اتجاهات الخط البياني، فتارة يرتفع وتارة ينخفض الخط البياني تبعا للظروف الموضوعية.
خلال عام 2018 نفذت المقاومة سواء منظمة أو فردية موجهة في الضفة والقدس العديد من العمليات المؤثرة كان من أبرزها: (50) عملية إطلاق نار، و(35) عملية طعن ومحاولة طعن، و(18) عملية دهس ومحاولة دهس، وعشرات العمليات تم فيها إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، ومئات عمليات إلقاء زجاجات حارقة صوب آليات ومواقع الاحتلال العسكرية وصوب مستوطنيه، وهي عمليات أدت لمقتل 14 إسرائيلياً، وجرح أكثر من 170 آخرين.
ما يميز عام 2018م هو العودة للعمليات المنظمة والمخططة بشكل أكبر من السنوات السابقة، على الرغم من استمرار سطوة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي يتم من خلاله مطاردة العمل المقاوم وإفشال مئات العمليات، واعتقال المقاومين، فالحالة في الضفة الغربية غضب مكبوت وجمر تحت الرماد.
خلال عام 2018 نجحت المقاومة في الضفة تنفيذ عمليات نوعية (اطلاق نار، دهس، طعن ، عبوات متفجرة) أوقعت عدد من القتلى والجرحى، واستطاع بعض المقاومين الانسحاب والاختفاء لفترات زمنية.. يمكن النظر إلى هذا الأداء والقدرة وتطورها من خلال التالي
• أن منفذو العمليات يوما بعد يوم وعملية بعد عملية، باتوا يستمدون قدراً أكبر من الشجاعة، وأنهم يستفيدون من الأخطاء السابقة، ويفكرون بطرق ووسائل جديدة دون أن يتمكن أمن الاحتلال من رصد خطتهم.
• ما تزال المبادرة الفردية تأخذ حيزاً كبيراً من عمل المقاومة، وما زالت هذه الظاهرة تتسبب بقلق كبير لدى قيادة العدو، لصعوبة عمل إجراءات استباقية ضدها.
مع ملاحظة أن الفصائل الفلسطينية تبذل جهوداً كبيرة لتطوير العمل المقاوم في بيئة صعبة وقاسية، و يعتبر إقرار رئيس الشاباك (الأمن الداخلي) الإسرائيلي أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست إحباط 480 هجوم للمقاومة الفلسطينية في الضفة واعتقال 590 مقاوم منفرد إضافة إلى تفكيك 219 خلية لحماس في الضفة منذ بداية العام، على أن استمرار الضفة في استنزافها للاحتلال، يشكل ضربة موجعة لمشروع التنسيق الأمني، ويعزز نجاح المقاومة في تجاوز التنسيق الأمني مع الاحتلال، وان شباب الضفة لديهم القدرة على امتلاك زمام المبادرة ومفاجأة العدو على حين غرة.
• عملية “جفات جلعاد” التي نفذها أحمد جرار، وعملية “بركان التي نفذها اشرف نعالوة و”عملية عوفرا” التي نفذها صالح البرغوثي وما تلاها من مقتل ثلاث جنود صهاينة كلها عمليات، ليست فردية، وتؤشر أنّ هناك مقاومة تنمو في ظروف مستحيلة، فنحن أمام عمليات بحاجة لرصد، إعداد، ولعل أفضل ما يميز هذه العمليات بجانب استنزاف قدرات العدو، هو الهجوم على كبرياء وسطوة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
• العمل المقاوم بالضفة خلال 2018م يلقي بظلاله السلبية على الواقع الأمني الإسرائيلي، وزيادة حدة المخاوف من استمرار وتطور العمليات الهجومية، فردية كانت أو منظمة، في ظل ما تمثله الضفة الغربية من أهمية استراتيجية على مختلف الأصعدة: الأمنية والعسكرية، فضلا عن السياسية.
• ما حصل في العمليات الاخيرة نهاية عام 2018 من تنفيذ المقاومين الفلسطينيين سلسلة عمليات، بدد الرهان الصهيوني على توقف العمليات، وكشف انه يمكن تجاوز التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الصهيونية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها بالسيطرة الكاملة على الوضع الأمني ومنع حصول عمليات جديدة. العمليات التي نفذت خلال عام 2018 التي، تميزت بخصائص وسمات جديدة هي:
• شموليتها لمناطق عديدة ومتباعدة من شمال الضفة إلى جنوبها وصولا إلى القدس المحتلة ما يؤشر إلى جهوزية لدى المقاومين وقدرة واصرار على تنفيذ العمليات في كل المواقع والمناطق وفي ظروف مختلفة رغم كل محاولات منعها.
• استخدام المقاومين وسائل وأساليب متعددة، في كل عملية، تعكس التنوع في أساليب المقاومة في مواجهة الاحتلال، فشاهدنا عمليات الدهس وعمليات الطعن والعمليات الهجومية بواسطة سيارات تتجاوز نقاط العدو، وشاهدنا عمليات الاقتحام للمستوطنات وإلقاء العبوات والاكواع المتفجرة على الحواجز ونقاط العدو الثابتة والمتحركة.
• نوعية العمليات واختيار الأهداف والأماكن لتنفيذها يبرهن عن تطور في أداء المقاومين من نواحي التخطيط والدقة في التنفيذ وتحديد الهدف، وهذا ما ظهر من خلال نجاح المقاومون في تنفيذ عملياتهم وتحقيق الأهداف المحددة لها من ناحية، وكذلك في اختيار أهداف عسكرية وجنود وحراس امن من ناحية ثانية، وهذا كان واضحا في عمليات (عوفر، بركان ، جفات جلعاد) مما يدلل على وعي وانتقال إلى مستوى جديد في جعل المقاومة هادفة من وراء عملياتها بالتركيز على جنود العدو وجسمه العسكري ومستوطنيه الذين يمارسون الإرهاب والقمع والاعتقالات والعدوان على ابناء الشعب الفلسطيني.
• في ظل الملاحقة الأمنية والتنسيق المشترك بين الاحتلال والسلطة ظهر توجيه مدروساً بمتطلبات المرحلة ونواقصها، فظهرت الخلايا الفردية وتطورت إلى الخلية المكونة من عدة أفراد وهذا بدا واضحا في العمليات الاخيرة، حتى وهي تنطلق بدوافع ذاتية ودون توجيه مباشر من فصيل معيّن.