شبكة قدس الإخبارية

تقريرأحمد الزعتري… الذاكرة التي لم تمحُها “إصلاحيات” الاحتلال

93
ديالا الريماوي

القدس المحتلة-خاص قُدس الإخبارية: ثلاث سنوات من الأسر، كان “أحمد” (15 عامًا) يعدّ خلالها الأيام التي تفصله عن موعد الحرية المنتظر، ليتحرر من جحيم سجون “إصلاحيات” الاحتلال، ويتخلص من الضغوطات التي مورست بحقه وأطفال آخرين، ومن محاولات محو ذاكرتهم وغسل أدمغتهم.

في الثلاثين من كانون أول عام 2015، اعتقلت قوات الاحتلال الطفلين أحمد الزعتري وشادي فراح في مدينة القدس خلال عودتهما إلى منزليهما، نزعوا ملابسهما واقتادوهما إلى مركز تحقيق “المسكوبية” لمدة ستة أيام، تعرضوا خلالها للتعذيب والتهديد، وأجبروهم على إدلاء اعترافات مصورة، كانوا خلالها يطفئون أجهزة التسجيل إذا ما خالفوا أوامرهم.

في اليوم السابع اقتاد جنود الاحتلال المدججين بالسلاح أحمد وشادي في مركبة عسكرية، كان يظنان أنهما عائدان للمنزل كما أخبرهم المحقق، ليفاجئا بعد ساعات أنهما في “إصلاحية الفنار” بمدينة طمرة بالداخل المحتل، كانت عائلاتهما في استقبالهما هناك.

يقول رائد الزعتري والد أحمد: “كان طفلي محاطًا بالجنود ومقيدًا بيديه وقدميه، كان خائفًا وجسده يرتجف، كان يتوقع أن يرانا في المنزل”. أما أحمد فعبّر عن ارتياحه لأن رحلة العذاب في المسكوبية انتهت واستطاع رؤية والديه.

انكشف السر!

لم يكن يعلم أحمد ما ينتظره داخل الإصلاحية، وظنّ أن الشكل الخارجي الجميل للإصلاحية سيخفف عنه آلامه، وسيقضي أيامه باللعب واللهو، لتكشف له الأيام حقيقة هذه المراكز والأهداف التي تصبو لها حكومة الاحتلال.

وجد أحمد نفسه بين أطفال مشردين وجنائيين، إضافة إلى أطفال معتقلين على خلفية أمنية أعمارهم تقلّ عن 14 عامًا، إذ أن القانون الإسرائيلي ينص أن الأطفال دون سن 12 عاما لا مسؤولية جنائية عليهم ولا يجوز اعتقالهم، أما من تتراوح أعمارهم بين 12-14 عاما لا يقضي حكمه في السجون كعقوبة، بل يحوّل للحبس المنزلي أو إلى الإصلاحية.

تسعة أشهر لم يرَ أحمد خلالها نور الشمس أو ضوء القمر، كان حبيس الغرف وهو ما أدى لإصابته بطفح جلدي، كما كان يتعرض لمضايقات عديدة من قبل “المشرفين” عليهم سواء بالكلام أو بالضرب، أو من خلال تسليط الجنائيين عليه.

أنور الزعتري عمّ أحمد، كان نجله أدهم معتقلا في ذلك المركز ونقل إلى سجن مجدو بطلب تقدم به بعد أن تجاوز عمره 14 عاما، كان يتابع يوميا ما يحدث مع أحمد والأطفال المعتقلين معه، لأنه كان يدرك الهدف الذي يريد أن يصل إليه الاحتلال.

يقول أنور: “ثلاث إصلاحيات في الداخل المحتل تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الاحتلال، وتهدف لمحو ذاكرة الأطفال المعتقلين وغسل أدمغتهم، إذ أن موظفيها من مخابرات الاحتلال، يحاولون كسب ثقتهم، ومن ثم يعملون على مسح ذاكرتهم وأفكارهم ويبدأون ببرمجة عقولهم، وقد نجحت مع بعض الأطفال. هذا الأمر خطير ويجب على الأهالي أن يتابعوا أبناءهم، ويستمروا في زيارتهم كل أسبوع”.

متابعة عائلة أحمد له وتحذيره وتوعيته من كل ما يحصل حوله، جعله مدركًا لما يهدف إليه المشرفون، وهو ما جعله مستهدفا، كانوا يفتعلون المشاكل ويحققون معه عليها، كما كان مراقبا من قبل المشرفين، إذ كانوا يتواجدون بغرفهم طيلة الوقت، لم يكن أحمد قادرا على أن يضع ساقا فوق ساق، وإذا ما فعلها يأمره بالجلوس بالطريقة التي يطلبها منه.

ماذا يحدث داخل “الإصلاحية”؟!

في غرف تجمع الأطفال الأسرى مع الجنائيين، كان مدمنو المخدرات يصابون بنوبات ويبدأون بالصراخ وضرب من حولهم، أصيب خلالها أحمد في أكثر من مرة بجروح، وكان يستمر الوضع هكذا حتى يأتي المشرفون بحبة ويعطونهم إياها.

يقول أحمد: “حبة الدواء هذه كانت تجعل مدمنو المخدرات وبقية الأطفال الذين كانوا يتناولونها منصاعين لأوامر المشرفين، في البداية أعطوني هذه الحبة ولكن بعد ذلك رفضت وطلب والدي عدم إعطائي إياها، تذرعوا أن تلك الحبة تزيد التركيز”.

كانت تمر الأيام ثقيلة متباطئة بالنسبة لأحمد، لم يحتمل فيها الحياة داخل سجن الإصلاحية، إذ كان المشرفون يثيرون غضبه بكلام حتى يرتكب فعل ما يتسبب بعقابه، ففي إحدى المرات كان أحمد وابن عمه يضحكان خلال حديثهما، لينهض المشرف في الغرفة ويعتدي عليهما بالضرب.

في أحد الأيام لم يعد باستطاعة أحمد احتمال أذية المشرفين، وخارج الغرفة المغلقة التي يجب أن ينام فيها، كان هناك جداران تسلقهما وأمضى ليلته هناك، كان يتمنى حينها لو يستطيع بلوغ السماء ليبتعد عن كل شيء حوله.

قوانين صارمة يجب الالتزام بها، كان أحمد يبدأ يومه الساعة السادسة صباحا، إذ يجبرونهم على تنظيف المركز حتى لو كان نظيفا، وبعد ذلك يتم اقتيادهم إلى الغرف لتبديل ملابسهم بملابسة الدراسة، إذ تخصص تلك الإصلاحيات غرف صفية لتعليم الأطفال المنهاج الإسرائيلي، بدءًا من الصف الثامن.

يقول أحمد: “في ذات المبنى كنا نتوجه لغرف الدراسة في الطابق الأرضي، وهناك يغلق المشرفون الأبواب ويتواجدون معنا والمعلمات حتى الساعة الثانية ظهرا، هو منهاج إسرائيلي بحت، يقولون لنا إسرائيل لا يوجد فلسطين ولا القدس إنما اورشاليم، ويعلمونا تاريخ إسرائيل، هذا المنهاج ينسيك الوطن”.

ويضيف: “بعد انتهاء الدراسة نصعد نبدل ملابسنا ونتوجه لتناول الغداء، وننظف بعدها المكان مجددًا، ومن ثم يأتي موعد “الجلسة” وفيها تخصص بعض الألعاب التي نمارسها، لم أكن أحب مشاركة معلمة الاجتماعيات في نشاطاتها، لأنها ومن خلال تلك الألعاب كانت تدرس شخصية كل واحد منا، لكن بطريقة غير مباشرة لا يدرك الأطفال هدفها.

نقل أحمد قبل أربعة أشهر من موعد تحرره إلى “إصلاحية يركا”، وفي اليوم التالي لنقله رفع أحمد قدمه عن الأرض، بدأ المشرف عليه باستفزازه واقتاده إلى غرفة وانهال عليه بالضرب، ابتعد بعد ذلك وتوجه نحو الباب لينقض عليه مجددا ويخنقه حتى فقد وعيه، وعندما استيقظ وجد شخصين يجلسان فوقه، إلا أنه نجا من محاولة قتله.

في إحدى المرات التي خضع فيها أحمد للتحقيق في “إصلاحية طمرة”، طلب المحقق منه مساعدتهم بجمع معلومات عن شبان، مقابل مساعدته والتخفيف عنه، وتكرر الأمر في جلسة حضرها والده قبل ثلاثة أيام من تحرره، إذ قال مدير “إصلاحية” يركا لأحمد: “هذا رقمي معك أنت تعرف أننا نحبك ونحترمك، إذا شعرت في يوم بأنك مضغوط وأردت التحدث مركزنا مفتوح لك”.

لم يتوقف الأمر عند تحرر أحمد، بل حاولوا استمالته، إذ عرضوا على والده أن يدرس نجله في مدارسهم، وقدموا منحة دراسة له 70% في الجامعة العبرية، إلا أن والده رفض.

أنهى أحمد حكمه البالغ ثلاث سنوات، لكنه فعليا لم يتحرر مما عاشه في تلك الفترة، إذ أن حكمه تضمن ما يسمى بـ”متابعة وضبط سلوك” لمدة عام، يحدد مكتب وزارة الداخلية في حكومة الاحتلال بمدينة القدس، موعد اللقاء، ولا يسمح لوالديه بالحضور بحجة أنها “جلسات سريّة”.

#العناوين #خاص #الزعتري