شهر مرّ على تنفيذ الشاب الفلسطيني أشرف نعالوة من طولكرم، عملية اطلاق النار التي نفذها داخل مستوطنة "بركان" الاحتلالية الماقمة على أراضي الفلسطيني قرب سلفيت شمال الضفة المحتلة، والتي كانت نتيجتها مصرع مستوطنين إسرائيليين وإصابة آخر.
هذه النتيجة لم تكن الوحيدة، أو الأكثر قهراً لدولة الاحتلال القائمة على منظومة أمنية لا يُستهان بها، تخصص لها ميزانية عظمى في سبيل تطويرها، واذا ما ضُربت، فإن دولة الاحتلال بأكملها ستسوى بالأرض، إنما النتيجة الكبرى هو فشل جيش الاحتلال في الوصول إلى منفذها نعالوة رغم مرور أكثر من شهر على تنفيذه العملية الفدائية، كما فشل في تعقب مسار انسحابه رغم مصادرته لعشرات كاميرات المراقبة من المستوطنة وخط انسحابه المفترض، وصولاً الى منزل عائلته.
وفي محاولة لتخفيف وطأة هذا الفشل، اعتقل جيش الاحتلال كافة أفراد عائلة نعالوة -حتى شقيقاته المتزوجات في غير مكان سكنهم-، كسبيل للضغط عليه لتسليم نفسه، عدا عن الاقتحامات اليومية للمنزل وتدميره واصدار قرار هدمه في أي لحظة، أسليب عقاب جماعية يحاول من خلالها جيش الاحتلال أن يظهر بدور الجيش الذي لا يُقهر، ولكنه قُهر أكثر.
عوامل عدة تساعد نعالوة في مواصلة اختفائه، وعدم نجاعة جيش الاحتلال في الوصول اليه، على عكس حالة الشهيد أحمد نصر جرار الذي طارده الاحتلال أياماً ثم استطاع الوصول اليه واغتياله، وهذه العوامل تتمثل في:
- الثقافة الإعلامية التي تتحلى بها عائلة أشرف نعالوة، والتي امتنعت عن نشر صوره الشخصية على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي من شأنه أن يتيج لنعالوة امكانية التنكر بأكثر من حالة، وعدم كشفه من الناس، بالتالي عدم الوصول اليه من قبل الاحتلال وعملائه.
- الثبات الذي أبدته عائلة نعالوة في الأسر، والتي بالتأكيد لا تعلم أي شيء عن نجالها المطارد، لتقدمه للاحتلال تحت التعذيب، ولكنها لم تخرج بتصريحات مؤلمة عقب الافراج عن بعض أفرادها، والتي من شأنها أن تضعف معنويات أشرف، وتضطره مكرهاً لتسليم نفسه في سبيل خلاص عائلته من قيود الاحتلال وبطشهم.
- الملف الأمني لنعالوة والذي لم يشتمل على أية معلومات مسبقة عنه لدى الاحتلال، سهّلت عليه الاختفاء عن الأنظار دون استطاعة الاحتلال أن يتوقع مكان تواجده، فنعالوة ووفقاً لما قالته عائلته، لم يسبق له أن كان أسيراً، ولم ينخرط في العمل مع التنظيمات السياسية التي عادة ما يكون عناصرها تحت عين الاحتلال وعملائه بصورة مباشرة، وعلى اطلاع بتحركاتهم وحصر أصدقائهم.
ولم يعد هذا الفشل الاستخباري الوحيد الذي مرّ على الاحتلال دون الوصول الى منفذ العملية، إنما أيضاً عملية اطلاق النار التي جرت أوائل تشرين الثاني الجاري على طريق استيطاني يوصل الى مستوطنة "بيت ايل" شمال البيرة، وإصابة اثنين من المستوطنين وصفت جراح أحدهم بالخطيرة، وانسحاب المنفذ، كانت ضربة أقوى، إذ جرت على شارع يمرّ عبره مركبات فلسطينية وإسرائيلية، ولكن دقة المنفذ في اطلاق النار على "باص" نبعت من يقين مسبق بأن هذه المركبة لا تحمل إلا الإسرائيليين، ووقت التنفيذ الذي قارب العاشرة من مساء يوم بتوقيت شتوي، عدا عن المنطقة التي شهدت وقوع أكثر من عملية من هذا النوع، كلها عوامل ساهمت في نجاح انسحابه، الأمر الذي شكل هستيريا لدى الاحتلال، خاصة بعد قيامه بتحضينات عسكرية واسعة قرب تلك المنطقة لمنع حدوث أي عملية فدائية.
رافق ذلك حصار إسرائيلي للمنطقة ومصادرة كاميرات مراقبة يمكنها أن توصلهم للطريق الذي سلكه المنفذ، ولكنهم عبثاً استطاعوا الوصول اليه، فكانت هذه العملية ضربة أخرى يمنى بها الاحتلال بفشل ذريع.
ومع تصاعد الأحاديث العسكرية الإسرائيلية بأن الضفة بركان قد يثور في أية لحظة، ومع الفشل العسكري الإسرائيلي أمام عمليات فردية ربما ستتصاعد وتيرتها في الأيام المقبلة، خاصة في ظل حالة الاحتقان الوطني الذي يعيشه سكان الضفة بسبب سياسات الاحتلال العنصرية ضده، ومع تراجع دور السلطة الفلسطينية في اقناع غالبية سكان الضفة بأن المقاومة المسلحة لم تجلب للشعب سوى النقمات، ومع نجاعة منفذي العمليات في الآونة الأخيرة من الانسحاب بعد التنفيذ ما يزيد اليقين لدى الفلسطيني بأننا على استطاعة بالتفوق على الاحتلال، فمن المرجح أن تكون الضفة الغربية قنبلة أخرى تنفجر في وجه الاحتلال.