القدس المحتلة - خاص قدس الإخبارية: وزّع شبانٌ عاملون لصالح الحملة الانتخابيّة لقائمة "القدس بلدي"، خلال الأسابيع الماضية، ما يقارب 200 ألف منشور ودعاية انتخابيّة تروّج للمدعو "رمضان دَبَشْ" (52 عاماً). يُرشّح "دَبش" نفسَه لعضوية مجلس بلدية الاحتلال في القدس، في الانتخابات التي ستعقد يوم الثلاثاء القادم 30 أكتوبر/ تشرين أول، خارقاً الإجماع الوطنيّ والديني والشعبيّ في مقاطعة تلك الانتخابات.
باستثناء "دَبش" رئيس القائمة، تشير الدعايات الانتخابيّة المنشورة إلى عضويْن آخرين، هما "محمد ربايعة"، و"فادي ادكيدك". إلا أن الأخير، ادكيدك، سرعان ما تكشفت له حجم "الورطة" التي وجد نفسه فيها، فبادر بالانسحاب، بحسب مصادر في عائلته. يتماشى ذلك الانسحابُ مع الموقف المُعلَنْ لمعظم عائلاتِ القدس ورفض انخراط أبنائها في الانتخابات البلديّة أو دعم مرشحين لها، بحسب بيان لملتقى أهالي القدس، وهو تجمع مقدسيّ يعمل على تقوية الأواصر الاجتماعية بين عائلات المدينة.
وعدا عن الأسماء المعلنة، تذكر وسائل إعلام أن "دبش" جمع في قائمته 12 مرشحاً فلسطينياً آخرين، لكنه لم يعلن أسماءهم، وأن قائمته تعمل باستشارة مستشار حملات إسرائيلي.
"القليل الكثير" عن دَبَش
ينتمي رمضان دبش لبلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة، وقد شغل لعدة سنوات منصب مدير المركز الجماهيري في البلدة، وهو مؤسسة تابعة لبلدية الاحتلال، وتعتبر بالمعنى الإداري ممثلاً للبلدية داخل الأحياء. ويُعرف "دَبَش" في القدس بانتمائه لحزب الليكود الإسرائيلي، وقد صرّح بذلك علانيّة أكثر من مرة. ولأن هذا الانتماء قد يُعطّل عليه في انتخابات بلدية الاحتلال، فإن العاملين معـه تسابقوا في الأيام الأخيرة لكتابة تعليقات على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" تنفي انتماءه لحزب الليكود، وتُبرر بأنه "كان في الماضي عضواً، ولكنه لم يعد كذلك".
تتناقض هذه التبريرات، التي تكتب غالباً بأسماء حسابات فيسبوك وهميّة، مع تصريح "دَبش" نفسه في برنامج "التقِ مع الصحافة" على التلفزيون الإسرائيلي، في يونيو/تموز الماضي. أصّرت المذيعة في البرنامج على سؤال "دبش" عن ارتباطه بحزب الليكود، فحاول التهرّب من الإجابة بالقول "إنه في الانتخابات يُمثل نفسه، ولا يُمثل حزب الليكود". مع ذلك، لم ينجح في إخفاء انتمائه طويلاً، فعندما سألته بشكل مباشر "أي حزب تقصد أنك تتعاون معه"، أجاب "الليكود"، فأعادت عليه السؤال: "إذن أنت ليكودي؟"، قال لها: "نعم".
في العام 2014، أقام مركز أبحاث إسرائيلي، هو معهد القدس لأبحاث السياسات، مؤتمراً صحافيّاً لإطلاق سلسلة أبحاث ودراسات حول أحياء شرقيّ القدس. في ذلك المؤتمر، وعندما كان الإعلان يخصّ الدراسة حول صور باهر، قدّم "دَبش" في كلمته نصيحته للتعامل الإسرائيلي مع إلقاء الحجارة والمواجهات مع جنود الاحتلال، خاصّة أن ذلك العام شهد مواجهات مكثفة في هبّة الشهيد محمد أبو خضير. يرى دبش وفقاً لتلك الفكرة إنّه "من الضروري إرسال أبنائنا في زيارات لمركز تحقيق المسكوبية في القدس، حتى "يتربّوا" ويعلموا ماذا ينتظرهم من ضغوطات في حال شاركوا في إلقاء الحجارة".
كما لم يمانع "دَبَش" في العام 2015 من المشاركة في ندوة لإطلاق كتاب إسرائيلي حول صورباهر و"كيبوتس رامات راحيل" المقام على أراضيها، في ضيافة رئيس دولة الاحتلال "ريئوفن ريفلين". "الكيبوتس" الذي قاتل أبناؤه الأوائل من المقاتل الصهاينة ضدّ المناضلين من صور باهر، ومتطوعي الإخوان المسلمين، احتضن هذا اللقاء "الوديّ"، لتعارف "الجيران" على بعضهم البعض.
في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2017، بعد زمن قليل من هبّة باب الأسباط، حضر "دَبَش" إلى الكنيست وهو "العربيّ"، ليُشجع أعضاء الكنيست الإسرائيليين على التوقيع على مذكرة تدعو لسنّ قانون من أجل تخليد ذكرى "الراف- كوك". و"الراف- كوك" هو مفكر دينيّ صهيوني، ساهمت أفكاره حول الاستيطان وأرض "إسرائيل" في تشكيل حركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، إذ يعتبر القائد الروحيّ لها. قامت هذه الحركة بعمليات اغتيال وقتل وعربدة ضدّ الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات.
في المقابلة مع موقع القناة السابعة، القريبة من التيارات الصهيونية القومية، يقول دبش في تناقض رهيب: "الراف كوك بالنسبة لي شخصية سلام ويمكن التعلّم منه. عندما رأيت كتاباته فهمت أنه يهتم لأبناء الأقليات. الراف كوك هو ابن الصهيونية الصحيح، ولا يتعارض مع الإسلام".
خطاب الحملة الانتخابيّة لـ"دَبَش"
أعلن "دَبَش" عن ترشحه مُبكّراً، منذ العام الماضي، وقال إنه سيترشح فقط لعضوية المجلس البلديّ، ولن يترشح لرئاسة البلدية، رغم أنّه يحمل الجنسية الإسرائيلية (يحقّ الترشح للعضوية في المجلس للجميع، ولكن للرئاسة يشترط الجنسية الإسرائيلية).
لاحقاً، عندما أعلن "عزيز أبو سارة" عن ترشحه في قائمة "القدس لنا"، وموّظفاً للخطاب "الوطني" الفلسطيني لصالحه، باستخدام مصطلحات مثل "الاحتلال" و"الصمود"، حرص "دبش" على تمييّز نفسه عن أبو سارة. تركز خطاب "دبش" حينها على القول "أنه لا يتدخل بالسياسة، وأنه لا يريد مجابهة الوضع القائم، وأنه يسعى فقط لتحسين الخدمات".
في سياقات أخرى، وأمام الإعلام الإسرائيلي، حرص "دبش" على التأكيد أنه لا يقبل بالسيادة الفلسطينية على القدس، وأنه لا يريد أن تصبح القدس تحت حكم غير "إسرائيل". في مقابل ذلك، كان "أبو سارة" نفسه حريصاً على عدم ربط نفسه بـ"دبش"، ونفى في أكثر من مرة أي صلة للعمل معه، من باب "ألا يحرق نفسه أكثر مما هو محروق".
وعندما أعلن أبو سارة انسحابه من الانتخابات، تبّدل موقف "دبش"، ودعا متابعيه على الفيسبوك لدعم أبو سارة حتى لا يفقد بطاقة هويته الإسرائيلية.
أما خطاب دبش الانتخابيّ، فيُلاحظ الاختلاف بين ما يقوله أمام العرب، وما يقوله أمام الإسرائيليين، أو بالعبرية. على صفحته على الإنترنت، يوضح دبش رؤيته بالجمل التّالية، مستخدماً مصطلحات صهيونية كـ"القدس الموحدة":
"شراكة كاملة في القدس، القدس هي عاصمة موّحدة لليهود والعرب معاً، نحن ندعو للوحدة بين الناس، قدس موحدة هي القدس التي يوجد فيها اندماج بين العلمانيين والمتدينين والحريديم، بين العرب واليهود. نحن ندعو لاستثمار الموارد في شرقي القدس بشكل متساوٍ [مع غربيّ القدس]، بعد عشرات السنوات من الإهمال".
في المقابل، لا تظهر هذه الكلمات حول "الشراكة" و"الحياة المشتركة" بين العرب واليهود في "القدس الموحدة"، على دعايات "دبش" المنتشرة باللغة العربيّة. بدلاً من ذلك، يعد "دبش" المصوّتين له بالعمل على وقف هدم البيوت والمساعدة في تحسين الخدمات البلدية. بل ذهب "دبش" بعيداً في "استغباء مريديه" بوعدهم العمل على منع سحب الهويات كقوله "نحافظ على الهوية الزرقاء"! مع أن هذه الأخيرة هي من اختصاص وزارة الداخلية الإسرائيلية وليست شأناً بلديّاً.
أساليب ملتوية في الحملة الانتخابية
في أيلول الماضي عقد دبش اجتماعاً "جماهيرياً" في أحد البيوت في بلدة بيت حنينا، لم يحقق من جماهيريته إلا الاسم. حضر الاجتماع ما يقارب 25 شخصاً لا أكثر. كان بعضهم صحفيون أجانب اهتموا بتغطية خبر ذلك "العربي" الذي سيكسر القاعدة. حينها نشر موقع "دبش" الإلكتروني إعلاناً يفيد بأن الاجتماع في منزل شخص يحمل اسم العائلتين "العبيدي - أبو الليل"، يقع في أقصى حيّ الأشقرية في بيت حنينا. بدا هذا التركيب الغريب لاسمي عائلتين معروفتين على صعيد القدس مثيراً للشك، حتى أصدرت عائلات لفتا المهجرة، التي تنتمي لها هاتان العائلتان، بياناً قالت فيه إنّه لا علاقة لها بالاجتماع، وأنّه زُج باسم عائلاتها في الإعلان، وأن الاجتماع يجري في بيت المدعو "علي خالد ربايعة".
تبدو تلك كمحاولة صبيانية تافهة، للزج باسمي عائلتين معروفتين على صعيد القدس، في محاولة لكسب الشرعية، أو لجسّ نبض الشارع عن طريق استخدام أسماء مرتبطة في ذهن المقدسي بالعمل الوطني من شهداء وأسرى.
استمرت مثل تلك المحاولات الصبيانية و الالتوائية، في الحملة الدعائية للمرشح، فقد حرصت حملة "دبش" على نشر دعايتها من خلال استخدام اسم Ask Jerusalem، ينشر "دبش" دعايته من خلال صفحتين. الأولى صفحته الرسميّة التي تحمل اسمه، والثانية هي صفحة باسم "آسك جيروساليم"، في محاولة لاستغلال هذا الاسم المشهور والمعروف في القدس، والذي يتعلق باسم مجموعة فيسبوك مشهورة، يدخل لها المقدسيون للاستفسار عن أمور حياتية عامة، من مثل "أين أجد هذا المنتج.."، أو عرض اعلاناتهم للبيع والشراء.
لا يأتي استخدام الاسم بطبيعة الحال اعتباطاً، فهو محاولة للبناء على اسم اعتاده المقدسيون وخبِروه ولم يعودوا يشكوا به، أو يحملوا ضدّه مشاعر سلبية على الأقل. وهو ما دفع القائمين على مجموعة "آسك جيروساليم" الأصلية إلى نشر ما يفيد بأن لا علاقة لهم بالصفحة التي تروّج لـ"دَبَش".
من يدعم "دبش" كذلك؟
عدا عن بعض الشبان المغرر بهم، والمنخدعين بفكرة إمكانية التأثير داخل بلدية الاحتلال، برز خلال الأيام الأخيرة دعمٌ إسرائيليٌّ "مُميّز" حظي به دبش. في صفحة الباحث الإسرائيلي "عيران تيسدكياهو"، نجد منشوراً له ينتقد فيه، وهو الإسرائيلي، توّجه الفلسطينيين للتصويت أو الترشح في بلدية الاحتلال، معتبراً أنّ هذه الأداة لا تفيدهم في نضالهم في المدينة. في ذات المنشور، يصف "تيسدكياهو" "دبش" بأنه يتبنى الخطاب الإسرائيلي، وأنه مواطن إسرائيلي وعضو في الليكود، وداعم أساسي لنير بركات"، رئيس البلدية الحاليّ.
المهم في منشور "تيسدكياهو" من علّق عليه، إنه عضو الكنيست عن حزب الليكود ومقتحم المسجد الأقصى الشهير، يهودا غليك. يقول غليك في تعليقه الظاهر أدناه: "بالنجاح الكبير من كلّ القلق للدكتور الغالي رمضان دبس. لا يوجد لدي شكّ أنه لولا الخوف على حياتهم (من الواضح لكم ممن هذا الخوف) كان كثيرون سيخرجون للتصويت لرمضان [من الفلسطينيين]"
هل سينجح "دبش" في اختراق الإجماع الوطني؟
يركن البعض إلى أن "دبش" لن ينجح الحصول على أصوات كافية اعتماداً على ما يعرفه الفلسطينيون عن تاريخ هذا المرشح وعلاقاته مع حزب الليكود الإسرائيلي. إلا أن هذا "الاطمئنان" قد لا يصمد كثيراً أمام مؤشرات أخرى تثير القلق، وأمام شريحة واسعة من الشّبان انكشفت مؤخراً على الوضع السياسي في القدس، دون أن تملك في رصيدها وعياً وطنياً وسياسياً كافياً.
فعلياً، يعتبر "دبش" أول فلسطيني يُرشح نفسه لانتخابات بلدية الاحتلال ويستمر حتى نهاية الحملة الانتخابية دون أن ينسحب. لأول مرة توّزع دعايات باللغة العربية تخصّ مرشحاً فلسطينياً، في كلّ شوارع القدس. في السابق، وصلت هذه المناشير لأحياء شرقي القدس، ولكنها خصّت مرشحين إسرائيليين حاولوا استجلاب بعض الأصوات من الفلسطينيين، وفشلوا.
غير الدعايات الورقيّة، استخدم "دبش" أدوات التكنولوجيا، فقد وصلت رسائله على أجهزة الهواتف المحمولة لآلاف المقدسيين، وأُرسِلَت دعايته الانتخابيّة عبر عناوين البريد الإلكتروني لكثيرين، عدا عن صفحات الفيسبوك المموّلة.
بالتوازي مع ذلك، تجمع هذه الحملة الانتخابيّة من خلال "المال" الكثيرين حول "دبش"، خاصة من الشباب، إذ أعلن بداية الشهر الجاري عن وظائف مؤقتة بـ"أجرة عالية"، تتضمن وظائف لمراقبي صناديق، وسائقين في يوم الانتخابات (فيما يبدو لنقل المصوّتين).
على صعيد الأرقام، قد يحتاج "دبش" إلى ما يقارب 8 آلاف صوت، لا غير، من أجل أن يحصل على المقعد في المجلس البلدي الذي يحلم به. ولكن ذلك يعتمد بالأساس على نسبة المشاركة الكليّة في الانتخابات وعدد المصوتين النهائي.