المأساة والطامة الكبرى بأن عمليات الاستيلاء على العقارات المقدسية والتسريب والبيع لها، كانت تجري تحت سمع وبصر السلطة وأجهزتها، بل في العديد من عمليات البيع والتسريب تجد بأن من قاموا بتلك الأفعال كان لهم حواضن يسهلون لهم الحصول على أوراق ملكية تلك العقارات والأراضي، وإذا ما كان اهلها غائبين في الخارج، وهناك من كان يسهل لهؤلاء المهام هنا وفي عمان،
وطبعاً بوجود " افيات" متواطئة هنا وهناك، وأغلب الذين كانوا يسربون عقاراتهم وأراضيهم كانوا يختلقون الحجج والذرائع بأنهم باعوا تلك العقارات أو سربوها لأشخاص فلسطينيين أو عرب ولا يعرفون بأن البيع سيتم لجمعيات استيطانية وتلمودية وتوراتية، ولكن أقولها بشكل جليّ وواضح هذه حجج وذرائع وتبريرات غير مقنعة بالمطلق، بل هناك نفسيات مريضة جشعة مسقطة غير منتمية، ولديها الاستعداد للبيع والتفريط بالعقار أو الأرض أو الإثنين معاً.
فعندما يباع العقار أو الأرض بثلاث أضعاف السعر أو أكثر، فهذا يعني بأن بائع العقار أو الأرض يعرف جيداً لمن ستؤول إليه في النهاية، ولكن هذه حجة رخيصة وموقف مخزٍ، يريد التستر بهما من يقوم بالبيع، عندما تتضح حقيقة البيع بعد مدة زمنية، يدرك البائع بأن ذلك كان لجهات مشبوهة ولجمعيات استيطانية، صحيح بأن هناك شرفاء كثيرون في هذا الوطن، وهناك من عمدت الجمعيات الاستيطانية مثل "العاد" و"عطيروت كوهنيم" وغيرها من الجمعيات الإستيطانية، وبتسهيل ودعم من المستويات السياسية والأمنية والقضائية الإسرائيلية للسيطرة على عقاراتهم وممتلكاتهم تحت حجج وذرائع ما يسمى بالجيل الثالث وحارس أملاك الغائبين أو الإدعاء بأن تلك البيوت والمنازل مقامة على أرض هي مملوكة ليهود، ولكن لا يعني ذلك بأن هناك العديد من العقارات والأراضي جرت عملية الاستيلاء عليها وبالتحديد في البلدة القديمة وسلوان من خلال التسريب والبيع.
المساءلة والمحاسبة والردع والحلول على مختلف المستويات بدءاً من السلطة وحتى أضيق دائرة اجتماعية للبائع والسمسار والحاضن والمرتشي لم تكن بالمستوى المطلوب، بل وجدنا بأن من يقومون بهذه الأفعال المشينة، بدلاً من أن يخجلوا على أنفسهم ويتواروا عن أنظار الناس يتبجحون بفعلتهم، ولربما أصبحوا من الوجوه الإجتماعية والاقتصادية.
"تسونامي" وكارثة التسريب الكبرى للعقارات التي حدثت في سلوان في تشرين ثاني 2015 (27) عقاراً، كونها مستهدفة بشكل كبير من قبل الإحتلال والجمعيات الاستيطانية والتلمودية، لموقعها الجغرافي باعتبارها ملاصقة للبلدة القديمة من الجهة الجنوبية، والأنفاق التي تحفر في واد حلوة والمنازل التي يستولى عليها، تمكن من خلق فضاء يهودي، يوصل البؤر الإستيطانية الموجودة في سلوان مع الأخرى داخل البلدة القديمة.
وكذلك الأنفاق تمكن من الوصول للقصور الأموية وحائط البراق والأقصى، ناهيك عن موقع سلوان في الفكر التلمودي التوراتي، بأنها مدينة داود.
"التسونامي" هذا لتسريب العقارات، وما لحقه وسيلحقه من تسريبات، لم يشعل الضوء الأحمر أمام صناع القرار، أو من يدعون دائماً بأن القدس خط أحمر وعاصمة للدولة الفلسطينية، وحتى على المستوى الاجتماعي والديني الردود باهتة، وهذا شجع ضعاف النفوس والسماسرة وتجار الوطن على الاستمرار في مسلسل البيع والتزوير للعقارات والأراضي المقدسية.
وللأسف السلطة وأجهزها والمنظمة والقوى الوطنية، تتوفر لديها معلومات، عن السماسرة والمسقطين وطنياً، ومن يتاجرون بالوطن، ولكن لم تجر أي محاسبة وردود جدية على تلك الجرائم، ولتكن الطامة الكبرى بقيام المستوطنين بفارق 24 ساعة الأربعاء والخميس الماضيين بالاستيلاء على ثلاثة عقارات مساحتها 660 متراً مربعاً وقطعة أرض مساحتها دونم في سلوان، وادي حلوة، والبلدة القديمة-عقبة درويش.
حيث بيت جودة الحسيني المطل على الأقصى مباشرة، والواقع في منطقة حساسة في قلب البلدة القديمة، ولتكن الردود على تلك الجرائم بيانات شجب واستنكار وردود "فيسبوكية" غاضبة مطالبة بالمحاسبة وكشف هوية المسربين والمتواطئين والحاضنين لهم، وأنا أرى بأن مسلسل تسريب العقارات والأراضي مستمر ومتواصل في ظل غياب المساءلة والمحاسبة الجدية والرادعة.
ولذلك أرى بأن قضية تسريب بيت جودة الحسيني في البلدة القديمة، تحتاج إلى لجنة تحقيق مهنية تطال كل المستويات بدءاً من المسؤولين مباشرة عن مدينة القدس وحتى المتورطين مباشرة وغير مباشرة في عمليات التسريب والبيع، لكي تكون الحقيقة عارية للجميع، وليس "الطبطبة" و" اللفلفة".
وأتذكر أنه من شدة الحرقة والغيرة في ظل الهجمة الواسعة للسيطرة على العقارات والممتلكات الفلسطينية في القدس، تداعى العديد من العائلات والعشائر المقدسية وممثلي المؤسسات والشخصيات الوطنية والدينية، وفي المقدمة منهم الشهيد مصباح أبو صبيح، لعقد لقاء موسع في مقر الجالية الأفريقية بالبلدة القديمة من القدس في 31/5/2016، حيث صدر عنها وثيقة سميت بوثيقة "عهد القدس وميثاقها" وما ورد في تلك الوثيقة لو جرى متابعة وملاحقة ما ورد فيها من خلال تشكيل أجسام ولجان عملية، وليست شكلانية أو نظرية أو لا تعمل على الهمة.
لما تواصلت عمليات التسريب والبيع للممتلكات والأراضي المقدسية، فنحن جميعاً شركاء عما يحدث في المدينة وحولها من بيع وتسريب للعقارات، لأننا خبراء في النقد والتشخيص، ولكن تغيب المتابعة والفعل، فهذه الوثيقة كلامها واضح وجميل ولكنه بحاجة لترجمات إلى أفعال على أرض الواقع، من تسول له نفسه بيع عرضه ووطنه وضميره للاحتلال سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يعتبر "خارجا عن الصف الوطني" و"خائنا لله ولرسوله"، ولا مكان له في صفوف الشعب الفلسطيني، وتعلن العائلات المقدسية براءتها منه، ولا حق له على مقدسي، ولا يدفن في مقابرنا، ولا يصلى عليه في مساجدنا ولا عزاء فيه".
كذلك اعتبرت الوثيقة أن البقاء في القدس واجب مقدس، ومن يفرط في أي جزء منها فقد فرط في عقيدته، وتعهد القائمون عليها بالتصدي لمحاولات الاحتلال الممنهجة لتفريغ البلدة القديمة من أهلها والضغط على الأهالي لتسريب بيوتهم.
كل من لا يلتزم بمضمون ما ذكر في البنود أعلاه يتحمل وحده كامل المسؤولية في حال التسريب للعقار، وتخلي العائلة ومجلسها المسؤولية التامة عن ذلك، ويعرض نفسه للعقوبات من العائلة بالمقاطعة الاجتماعية وقد تصل إلى البراءة التامة منه ومن يتعاون معه.
مواصلة عمليات بيع وتسريب العقارات والأراضي من قبل سماسرة وتجار وحواضن لهم من محامين ورجال أعمال ومهندسين ومتعاونين معهم من قبل مؤسسات رسمية، يدفع بالسؤال إلى متى يستمر التستر على من يمارسون هذه الأعمال القذرة، والتعامل معهم على أساس بأن ما حدث أو قاموا به لا يستدعي المحاسبة والمساءلة والمقاطعة الاجتماعية والدينية؟ وما هو دور القوى ولجان الدفاع عن الأراضي والعقارات في القرى التي يجري تسريب العقارات فيها؟ وما هو دور المحافظة والوزارة والسلطة والمنظمة والأجهزة الأمنية؟ التمادي في عمليات التسريب والبيع للعقارات والممتلكات والأراضي، يعني محاسبة ومساءلة وردع وعدم تستر ومنح غطاء للبائعين والمسربين، فلا بد من وضع النقاط على الحرف في هذه القضايا الحساسة والخطيرة.