شكلت الطرق الزراعية الوعرة في فلسطين ومنذ القدم البنية التحتية الأعظم التي تمكن الفلاحين من الوصول الى أراضيهم ومزارعهم، من خلال هذه الطرق تمكن الفلسطينيون من الحفاظ على جزء لا يتجزأ من أراضيهم التي بقيت بعد احتلال فلسطين وانتعاش الاستيطان في كافة قرى ومدن فلسطين ومن خلالها سيطروا ولو بشكل بسيط على ما تبقى من مصادر دخل لهم.
منذ احتلال أراضي فلسطين يمارس الاحتلال الإسرائيلي كافة الأشكال المتاحة والغير متاحة ضد سكان البلاد الأصليين، ولا يكف أبدا عن التفكير في طرق جديدة للتغلب عليهم والعمل على تركيعهم وتوجيعهم تارة، وضرب جذور ثقافتهم تارة أخرى، ولا يهم هذا الاحتلال الإحلالي أي قوانين دولية أو غير دولية تفيد بتقييد حركته الاستيطانية المستمرة، بل إلى جانب الاستيطان المفرط ما زال يفكر في طرق جديدة لضرب أي مقاومة أو تصدي جديد له، إذا لم يكف يوما عن اختراع أساليب جديدة بعد كل انتفاضة يخوضها الفلسطينيون ضده.
لطالما عمل الفلسطينيون على إيجاد طرق جديدة يمارسون خلالها النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه لطالما لعبت الجغرافيا الفلسطينية دورا مهما في حماية الثوار، وتأمين حياتهم، كما لعبت دورا مهما في التدريب والتخطيط لعملياتهم العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
حتى عندما قرر الفلسطينيون مقاومة الاحتلال من خلال التحالف مع الظهير العربي اختاروا أكثر المناطق وعورة وانطلقوا منها لضرب العدو.
في الوقت الحالي ما زالت المؤسسة العسكرية تفكر في كيفية القضاء على أخر نفس فلسطيني يقول رئيس الشاباك السابق يعقوب بيري في كتابه، مهنتي كرجل مخابرات، أن أوقات الهدوء مع الفلسطينيين هي أكثر الأوقات التي يستغلها الإسرائيليون للعمل على تجنيد البشر والحجر كل ذلك في سبيل التصدي لأي فعل فلسطيني مقاوم في المستقبل القريب أو البعيد، وبينما يستعد العقل الإسرائيلي لتجنيد كل شيء لمصلحته يجلس الفلسطينيون لا حيلة ولا قوة لهم ، ذلك نتاج اتفاقيات غير عادية و غير منصفة أفرزت لهم قوة أمنية تمنعهم من ممارسة أي فعل نضالي ضد الاحتلال، و جيشا من سماسرة الأراضي الجشعين وسلطات فلسطينية لا هم لقيادتها السياسية سوى تدفيع الفلسطينيين ثمن مقاومتهم للاحتلال بالدولار.
بالعودة للحديث عن الطرق الزراعية في زمن الانتفاضة فقد شكلت هذه الطرق درعا حصينا لأشبال المولوتوف و الحجارة في الانتفاضة الأولى، كما أنها شكلت منفذا وحيدا للهروب من قمع أجهزة أمن الاحتلال عند اقتحامها للقرى الفلسطينية في محاولة إصدار عقاب جماعي علي سكانها كما أن ظاهرة المطلوبين التي تفجرت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ثم في الانتفاضة الثانية كانت تستخدمها بشكل رئيسي للوصول الى مكان السكن الجديد داخل أشجار البلوط و الحجارة الكبيرة في محاولة للهروب من الاحتلال الذي يملك العتاد و العدة التكنولوجية.
كيف يستهدف الاحتلال القرى التي ما زالت تمارس الأفعال الثورية ضده وكيف يمهد الطريق لقواته البرية:
بعد القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كبرت مشاريع السماسرة، وكله بما يرضي إسرائيل، ويرضي رؤوسا فلسطينية مستفيدة بشكل رئيسي من استغلال الوضع الاقتصادي للفلاح الفلسطيني مهمتها الرئيسية تجريد الفلسطينيين من " الأرض " بهدف تغيير الجغرافيا التي شكلت الدرع الواقي للمقاومين الفلسطينيين،:
في قرية بيت ريما يلعب وسط القرية دورا مهما ، إذ ان وسط القرية هو المكان الذي يستخدمه الشبان لمواجهة الاحتلال نظرا لشكل المباني فيه، و صغر المسافة بين الأراضي الزراعية و بين الشارع الرئيسي، الذي يعد صغيرا مقارنة بجيبات الاحتلال، في العام 2015 فتحت طريق طويلة، تبدأ من منطقة بعيدة نسبيا عن وسط القرية و تنتهي بالخروج الى شارع فرعي يربط قرية كفرعين بقريتي دير غسانة و بيت ريما، استخدمها الاحتلال فيما بعد مرتين و ربما أكثر لتجنب المواجهة مع الشبان في بيت ريما، انه الاستعمار، يأتيك بمئة لبوس و لبوس، و هذه المرة أتى على شكل طريق زراعي.
وعن تغيير شكل القرى الفلسطينية من خلال السماح للسماسرة تارة وللدعم الأجنبي بموافقة السلطة المحلية "المجالس القرى أو البلديات" تارة أخرى بالعبث بجغرافيتها يقول أحد المصادر الذي يملك علاقات مع السلطة الفلسطينية:
أن السلطة تملك معلومات عن أن الطرق الزراعية التي تم فتحها بعد انتهاء الانتفاضة الثانية بالتحديد، هدفها الرئيسي هو الوصول الى أبعد نقطة جغرافية، خاصة في المناطق الوعرة التي قد يحتمي بها المقاومون الفلسطينيون.
هذا إشارة بسيطة لعمل الاحتلال المستمر على تطويع الجغرافيا لمصلحته، فإما أن نتمسك بما بقي لنا، أن نتصدى للسماسرة، وأن نعيد تنظيم صفوفنا التطوعية، لكي ننطلق لمقارعة الاحتلال، و إما أن نقدم في نهايتنا المؤجلة.