نشر مركز بيغن السادات للأبحاث الاستراتيجية، تحليلا مطولا قمت بترجمته للتو حول الاستراتيجية الصحيحة للتعامل مع حماس هل هي تقديم تنازلات محدودة أم الدخول في جولة قتال؟
وذكر أستاذ الدراسات السياسية والشرق الأوسط في الجامعة العبرية "هيليل فريش"، في تحليله أنه من الأفضل لإسرائيل أن تطيل أمد المفاوضات لأطول فترة ممكنة، وأن تتنازل إلى أقل قدر ممكن، وتنتظر حتى دخول العقوبات ضد إيران بشكل كامل.
عندها يجب على إسرائيل أن تستعد للجولة الكبرى القادمة - ليس من اجل إلحاق الهزيمة بحماس، بل من اجل ترويضها وإبقاء الفلسطينيين منقسمين.
وأشار الكاتب إلى أن سياسيون بارزون في إسرائيل، من ضمنهم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شاركوا، في نقاش حاد مع وزيرة التعليم نفتالي بينت حول كيفية الرد على حماس.
وأوضح أن نتنياهو وليبرمان يريدان التوصل إلى تفاهمات مع حماس لاستعادة الهدوء النسبي الذي ساد ما يقرب من أربع سنوات بعد حرب 2014، وأنهم مستعدون لتقديم تنازلات إنسانية ، وربما يرضخون لإطلاق سراح سجناء أمنيين متشددين من أجل استعادة الهدوء، بشكل مؤقت. وعلى النقيض من ذلك، فإن بينيت يعارض بشدة تقديم تلك التنازلات ويسعى لجولة رابعة من المواجهة من شأنها أن تضعف قدرات حماس إلى حد كبير.
وقال هيليل من الصعب تقييم مزايا النقاش بسبب حكمة كلا النهجين لأسباب سياسية وعسكرية، والسؤال ، هو أي من هذه الاستراتيجيات سيكون أفضل لإسرائيل في هذا الوقت بالذات.
وأشار أن لدى نتنياهو وليبرمان مبرر قوي في الدعوة إلى ضبط النفس و تقديم بعض التنازلات لحماس. ويرون أن مخاطر إسرائيل الاستراتيجية من حيث التسلسل الهرمي، تبدأ من التهديد الأهم وهو برنامج إيران النووي، وبعد ذلك مباشرة، هي محاولات إيران إقامة بنية تحتية عسكرية دائمة في سوريا، والتي تشمل وجود ميليشيا عسكرية كبيرة مؤيدة لإيران على جبهة الجولان. وأضاف في ظل وجود الأمريكيين مع هذا المسعى، كما أوضحت التصريحات التي أدلى بها جون بولتون، كبير المستشارين الأمنيين للرئيس ترامب، في رحلته الأخيرة إلى إسرائيل، فإن هؤلاء القادة يرون أنه لا ينبغي لأي أمر أن يقلل من التركيز على إيران أو تجديد العقوبات ضدها
وأشار أنه، وفقاً لنتنياهو وليبرمان، فإن قرار حماس بتسخين جبهة غزة في أواخر مارس / آذار قد بدأ من قبل إيران وتخذ لتحويل التركيز بعيداً عن إيران إلى الفلسطينيين، مثل هذا التغيير في التركيز، كما تأمل إيران، سيشجع الدول الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا على اتخاذ إجراءات مضادة ضد العقوبات الأمريكية على إيران.
وقال هيليل كان من الأهمية بمكان الحفاظ على التركيز على إيران لان هؤلاء القادة مستعدون لدفع ثمن تغيير ميزان التهديد لصالح حماس وتقديم بعض التنازلات لحماس، والافتراض هو أن ميزان القوى بين إسرائيل وحماس يجعل استعادة الوضع إلى ما كان سائداً قبل مارس 2018 ممكناً بعد فرض العقوبات ضد إيران بشكل كامل.
وأشار الكاتب إلى أن، بينيت يقدم حجة معقولة ضد الموافقة على استغلال حماس لبيئة إسرائيل الجغرافية المعقدة، وفيما يتعلق بـ "بينيت"، فإن التركيز على إيران مضمون من قبل الرئيس ترمب بعد قراره التراجع عن الاتفاق حول برنامج إيران النووي وسلوكها العدواني تجاه جيرانها. وان دعم الكونغرس الأمريكي والإطار القانوني الذي تعمل ضمنه هذه العقوبات، لا يمكن أن تتجاهل أزمات أخرى، مثل جولة قتال رابعة بين إسرائيل وغزة.
وأضاف وبناءً على هذه الافتراضات ، يجادل بينيت بأن شراء فترات الهدوء من خلال التنازلات يأتي بتكلفة كبيرة ، خاصة إذا كان هذا يعني زيادة في الواردات إلى غزة، الأمر الذي من شأنه أن يمنح حماس القدرة على تحسين قدراتها العسكرية، وأن أي شكل من أشكال وقف إطلاق النار ، أيا كان، يعطي حماس الوقت للتدريب والاستعداد للجولة المقبلة وهذا يعني قوة نيران أكبر وأكثر فتكا.
وذكر بينيت أن حماس تستخدم وقتها بحكمة لزيادة قدراتها، فعلى سبيل المثال ، خلال 22 يومًا من عملية الرصاص المصبوب في شتاء 2008-2009، أطلقت حماس، إلى جانب آخرين، 925 صاروخًا أصابا إسرائيل، وزاد هذا إلى 3،852 في حرب 2014 - وهو ما يمثل زيادة بنسبة 200٪ تقريبًا ، وإذا أخذنا في الاعتبار فترة القتال التي طال أمدها بكثير في عام 2014 مقارنةً بالسنوات الست السابقة (55 يومًا مقارنة بـ 24 يومًا).
كما كانت الإصابات أعلى من ذلك بكثير: 72 مقابل 13 وفاة إسرائيلي، وتعزى الزيادة بشكل أساسي إلى الهجمات الفعالة من الأنفاق داخل غزة وزيادة استخدام قذائف المورتر ضد القوات الإسرائيلية الموجودة داخل المناطق المحاذية لغزة.
وأكد على الرغم من أن إسرائيل طورت تكنولوجيا للتعامل مع هاتين المشكلتين، فقد أثبتت حماس أنها عدو مبتكر قد يخرج بمفاجآت أخرى في الجولة القادمة، وكلما اعطيت فرصة للهدوء، كلما زاد احتمال أنها سوف تفعل ذلك.
وقال هيليل إن النظر إلى الكيفية التي أمنت بها إسرائيل عملية الردع على جبهة غزة يفضي إلى دعم تفكير بينيت، لقد كانت "التفاهمات" بين إسرائيل وحماس قصيرة الأجل ، فترجمت "الهدوء" عام 2005، الذي تم تسويته كتفاهم غير رسمي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، أدى إلى زيادة بنسبة 345٪ في هجمات الصواريخ والمورتر في ذلك العام مقارنة بعام 2004، وبعد جولة 2012، فإن "التفاهمات" التي تمت بوساطة مرسي، لم تستمر أكثر من عام إلى أن بدأ القصف المميت من إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون من جديد.
وأضاف من وجهة نظر حماس، كان أكبر تحرك إنساني هو الإفراج عن أكثر من 1000 معتقل في عام 2011 مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد، وهذا لم يمنع جولة ثانية في أكتوبر 2012.
وختم بالقول أن الخيار الأفضل، إذن هو أن تقوم إسرائيل بإطالة أمد المفاوضات لأطول فترة ممكنة، والتنازل قدر المستطاع ، والانتظار حتى تدخل العقوبات ضد إيران بشكل كامل - ومن ثم الاستعداد للجولة الكبرى المقبلة، وليس هزيمة حماس، ولكن لترويضها والحفاظ على تقسيم الفلسطينيين.