غزة – خاص قدس الإخبارية: لم يدر في مخيلة الممرضة العشرينية دعاء مصبح أن الطفل الذي طبع على صدره "مجهول الهوية رقم "1"، هو شقيقها ناصر مصبح "12 عامًا"، فانغماسها بالعمل كمتطوعة ضمن الطاقم الطبي قرب الحدود الشرقية لمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حال دون ذلك.
أنهت دعاء عملها وتواصلت مع والدتها كي تتفقد شقيقها، فما كان من أمها إلا وأن تقول: "أخوك ما روح يما وينو؟!"، فباشرت بالبحث هي وشقيقتها والطاقم وكل الشباب الثائر، علهم يجدوا الطفل في زاوية من زوايا المخيم الذي غرق بالدماء نتيجة جرم الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته خاصة في ذلك اليوم.
وتقول دعاء لـ "قدس الإخبارية": "ونحن نقوم بالبحث عنه فجأة حضر زميلي وقام بعرض صورة على الجوال وهنا كانت الصدمة فصاحب الصورة هو ذاك الطفل البريء الذي سيفتقده مخيم العودة الذي كان حاضرًا فيه منذ بداية الفعاليات على الحدود الشرقية للقطاع في 30 مارس من العام الجاري".
وأنهى ناصر حفظ كتاب الله "القرآن الكريم" قبل أن يتم عامه الحادي عشر، حيث أصبح داعية يلقي الدروس الدينية في المدرسة والشارع والمسجد، بأسلوب مشوق ويجذب المستمعين بالرغم من صغر سنه.
بدوره، يقول أحد أصدقاء الشهيد وهو زميله في الدراسة": " ودعنا اليوم جسد زميلنا وحبيبنا لكن روحه ستبقى بينا وهو ما زال عايش فينا وسنعلق صوره على جدران المدرسة وفي الشارع وفي كل مكان".
ويتابع لـ "قدس الإخبارية": "ناصر كان مميزًا مع الكل، وفي كل حصة كان يقرأ قرآن وكان يقلد صوت عبد الباسط عبد الصمد، ودائما يشجعنا على الصلاة".
في حين ظهر الطفل الشهيد في مقطع فيديو قصير وهو يرتدي الزي الشرعي وقال فيه: "نحن بحاجة للبسمة، بسمة الرحمة للوالدين بسمة الشفقة للأطفال بسمة الوفاء للأصدقاء، بسمة الإجلال للعالم".
وتساءل الطفل صديق الشهيد قائلًا: "أين حقوق الإنسان عن محاسبة الاحتلال الذي يقتل الأطفال نحن أطفال لم نرى يوماً جميلاً في حياتنا ومن حقنا العيش كباقي أطفال العالم بحرية وسلام".
أما زملاء الشهيد في الدراسة، فقد وضعوا إكليلا من الزهور على مقعده الدراسي كي يشعروا بوجوده ووفاء لروحه، وقد بدأوا يومهم الدراسي بقراءة القرآن هبة لروح زميلهم الشهيد الذي لن يعود إلى مقعده من جديد.
في حين أثنى معلميه على التزامه بالأخلاق الحميدة ومواظبته على الدراسة بحيث كان يبادر من تلقاء نفسه في الكثير من التفاصيل المتعلقة بالدراسة والحصص المدرسية اليومية.
ممرض متطوع
بدورها، تقول ألاء مصطفى "متطوعة في الهلال الأحمر إن ناصر كان دائمًا متواجدًا في الميدان، ويساعد الطاقم الطبي وينقل له المعدات اللازمة لمعالجة المصابين في المسيرات وكان بمثابة الشاب البالغ العاقل.
وتضيف مصطفى خلال حديثها لـ "قدس الإخبارية": "قبل ما يستشهد بربع ساعة حضر لي وقال هل أنتِ بحاجة لأي شي ثم فتح حقيبته وأعطاني الكحول والكمامات، وبعدها انطلق بسرعة وليته لم يذهب
واستدركت حديثها بالقول: "لم أكن أعلم أنها تلك هي اللحظات الأخيرة التي ستجمعني فيه فبعد دقائق معدودة جاء نبأ استشهاده حينها أدركت معنى أن تقتل الطفولة دون أي ذنب سوى أنها خلقت بفلسطين وتواجه الاحتلال الذي لا يميز بين طفل أو شاب أو حتى شيخ".
وأسفر قمع الاحتلال الإسرائيلي للمتظاهرين قرب السياج الحدودي لقطاع غزة بطريقة همجية وتنتهك كافة القوانين والمواثيق الدولية، عن استشهاد 193 مواطنًا وإصابة نحو 20 الفًا آخرين.