كانت وما زالت أولى الانتقادات التي تُوجه لفضائية الجزيرة القطرية، أنها تستضيف عسكريين إسرائيليين للحديث عن أوضاع تشهدها الساحة الفلسطينية، على اعتبار أن هذه الاستضافة هي مساحة حرة تقدمها الجزيرة للاحتلال لتبرير ما يفعله ضد الشعب الفلسطيني.
ومع اعتقادي الشخصي وإيماني بأن مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي لا يتوجب أن تتم في الأمور السياسية والاقتصادية فحسب، إنما الإعلامية أيضاً، فما زلتُ أرفض كل محاولات تشويه المفاهيم الواضحة، أن الاحتلال لا مكان له في شيء، لا على أرضنا، ولا في إعلامنا وحضورنا، فإني أجزم أن اجراء مقابلات مع أي فرد ضمن منظومة الاحتلال "عسكرياً أو سياسياً" هي بالمحصلة ضربة لنا.
ولكن أبو الأسود الدؤلي أصاب كبد الحقيقة عندما قال في إحدى قصائده الشعرية "لا تنه عن خلق وتأتي بمثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم"، عار اذا رفضت أمراً ما، ثم فعلته مبرراً لنفسك تبريرات ما أنزل الله بها من سلطان، ولا قَبِل بها شعب يعيش تحت احتلال، فالذين كانوا يعيبون على الجزيرة استضافة عناصر من جيش الاحتلال أو قيادته العسكرية، فعلوا عارها إذ استضافوا رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود أولمرت.
ظهور أولمرت على تلفزيون "فلسطين" الرسمي التابع لمكتب الرئيس محمود عباس بشكل مباشر، يوم الجمعة الماضي، لم يكن حدثاً عارضاً، إنما كان مقصوداً، الرجل الذي وصف الرئيس محمود عباس برجل السلام في الشرق الأوسط، بعد أن التقاه في العاصمة الفرنسية باريس، عبّر عبر شاشة تلفزيون فلسطين عن سروره بلقائه بالرئيس عباس.
وقال أولمرت خلال المقابلة "الرئيس عباس أولاً وأخيراً هو رئيس الشعب الفلسطيني، وهو قائد سياسي عظيم، والشخص الأكثر أهمية للتطورات المستقبلية والعلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو الرجل الوحيد الذي يريد السلام ويحارب الإرهاب".
هذا الحضور "الدوني" الذي أثار حفظية الفلسطينيين، غاب كلياً عن مفاهيم وأخلاقيات الإعلام الفلسطيني، الذي ما زال يدفع ثمن تأصيله وتثبيته للرواية الفلسطينية، خاصة في ظل الهجمة التي يتعرض له اعلامنا الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي، والمتمثلة في اعتقالات تطال الصحفيين والصحفيات، وإغلاق فضائيات بشكل كامل، وتجريم العمل معها أو في سلك الصحافة التي من شأنها أن تفضح الاحتلال وممارساته ضد الفلسطينيين، فهل كان تكريم "تلفزيون فلسطين" للدولة التي يحمل اسمها أن يستضيف أحد أكبر قتلة مجرمي الاحتلال أولمرت.
وللتاريخ، فإن أولمرت كان خلف الإجرام الإسرائيلي على غزة عام 2008، والذي خلّف فيه أكثر من 3 آلاف شهيد والاف الجرحى، أولمرت الذي ضاعف الاستيطان في عهده لعشرات المرات، والذي سجل أبشع المواقف الإجرامية سياسياً وعسكرياً ضد الشعب الفلسطيني، لا يختلف في ذلك عن سابقه أريئيل شارون، المنظومة العسكرية الواحدة التي تقوم عليها دولة الاحتلال، فكيف استسهل تلفزيون "فلسطين" -مع التشكيك المطلق بالمسمى والهدف بعد اليوم- أن يستضيف أولمرت؟، ولا ننسى ما قعلته جريدة "القدس" -المشكك باسمها- منذ استضافتها لوزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان قبل نحو عام، والذي وصفته بوزير الدفاع الإسرائيلي حينها.