رام الله-خاص قُدس الإخبارية: اعتاد الشهيد محمد الريماوي قبيل أسبوعٍ من استشهاده، على الاستيقاظ متأخرا من النوم، والتوجه نحو غرفة والديه، ليجد والدته تستلقي على سريرها، فيُلقي عليها التحية ويسارع لتقبيل يديها ورأسها وقدميها، فتضع يديها على رأسه وتقول له:"حتى رجليّ يما"، فيرد: نعم، فالجنة تحت أقدام الأمهات.
محمد زغلول الريماوي (24 عاما) شاب طويل القامة، ذو بشرة سمراء، محب للأطفال، يصنع الفرح ويرسم البسمة على شفاه الجميع، بار بوالديه، يمازح أفراد عائلته ولا يكتم عنهم سرا، على عكس شخصيته في الخارج، إذ كان يتصف بأنه قليل الكلام وخجول، لكن إذا طلبه أحد يلبيه.
كان يهوى فك وتركيب القطع والخردوات، وكان بمثابة الساعد الأيمن لوالده في عمله بالحدادة، ويعمل في كل مرة تتوفر له فرصة عمل، لكنّ الشيء الوحيد الذي كان يرفضه محمد بشكل قاطع، هو العمل في المستوطنات الإسرائيلية وفي الخط الأخضر مع متعهد إسرائيلي، أو حتى شراء منتجاتهم، فيقول:"هم أعداؤنا بقتلونا وبرتكبوا المجازر، لو بموت من الجوع ما بشتغل عندهم".
رصاصة وأمنية
لم يكن محمد بعيدا عما يجري في بلدته بيت ريما شمال غرب رام الله، ففي كل مرة كانت قوات الاحتلال تقتحم البلدة، يهب الشبان للدفاع عنها والتصدي لهم، ليكن هو من بينهم، وقبل نحو عام ونصف وخلال المواجهات المندلعة عند مدخل النبي صالح، أصيب محمد برصاصة في ساقه.
رصاصة كانت يتمنى لو أنها أصابت رأسه مباشرة ليتحقق حلمه بالشهادة، ويعود لمنزله مضرجا بدمائه تستقبله عائلته شهيدا، ويتزين منزل والده بصوره التي خُطّ عليها "الشهيد البطل الذي روى بدمائه أرض الوطن"، صورة كان يرسمها في خياله عند استشهاده، يصفها لشقيقاته اللواتي كن يستمعن له دون أخذ كلامه على محمل الجد.
"ادعيلي يما استشهد، بدي ارفع راسك" فتقول والدته" بهذه الجملة كان الشهيد الريماوي يخاطب والدته بشكلٍ دائم، في الوقت التي كانت ترد فيه عليه بالقول: "يما هو كل واحد بطلبها بنولها"، مستشعرة في الوقت ذاته أمنيته بالشهادة.
وتضيف لـ "قدس الإخبارية": "كان يقبّل رأسي ويدي دائما، وبين الفترة والأخرى كان يضع لي أغنية "يا وليدي راح" ويطلب مني أن أستمع لها ويوصيني بأن أضعها عقب استشهاده.
كان صديقا لشقيقاته يصنع لهن القهوة، ويعد طبق بيض شهي، يُطلعهن على كل جديد في حياته، يلاعب أبناءهن، يمازح الجميع وعندما كن يتذمرن، كان يقول لهم:" بكرة بتتمنوا تقعدوا معي، كل هالأيام رح تكون ذكريات".
تراجع محمد عن فكرة الزواج التي كان يخطط لها، وكان انتماؤه وحبه لفلسطين سببا كافيا ليتراجع عن خطوته تلك، فكان يقول:"أنا ما بدي اتزوج، أنا بدي الوطن يما".
تهديد وجريمة
قبل نحو شهرين كان محمد يتلقى اتصالات من ضابط جيش الاحتلال في المنطقة "ذياب"، طالبه بمراجعته في مركز تحقيق "عوفر"، إلا أن محمد كان يرفض رغم الاتصالات المتكررة التي تبعها تهديدات له، وفي أخر عشرة أيام، بات يسهر خارج المنزل ويعود بعد الفجر، وذلك وفق تقديرات بأنه لن يتم اقتحام البلدة صباحا ومداهمة منزلهم.
فجر الثلاثاء، الثامن عشر من الشهر الجاري، قرابة الخامسة والنصف صباحا عاد محمد إلى منزلهم، وفي غرفته التي لها مدخل منفصل عن منزلهم، القى محمد بجسده على سريره وأغمض عينيه، لم يكد يغط في نومه، حتى توقفت شاحنة بيضاء قرب منزلهم.
عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحا، ترجل ما يقارب 40 جنديا من القوات الخاصة الإسرائيلية، توجهوا نحو غرفة نوم محمد وأحاطوا بالمنزل، وما أن فجروا الباب حتى قفزوا على محمد في سريره، في تلك اللحظات كانت خالدة شقيقة محمد تستعد للصلاة، توجهت سريعا نحو الغرفة، لتجد محمد بين أيدي الجنود يمسكون بجسده ويضربونه بقوة بالحائط.
سريعا، توجهت خالدة تصرخ لتوقظ والديها، وما أن وصل ثلاثتهم الغرفة حتى شاهدوا محمد ملقى على الأرض ويحيط به جنود الاحتلال، ومن بين أجساد الجنود لمحت خالدة جسد شقيقها وهو ينتفض من شدة الضرب، حاولوا الاقتراب، لكن الجنود صرخوا بهم ودفعوهم. أحد الجنود راح يضرب وجه محمد في محاولة لإيقاظه، لكنه لم يحرك ساكنا.
بدأت والدة محمد بالصراخ على الجنود "شو عملتوا في ابني"، دفعها أحد الجنود وأمرها بأن تجلب هويته، لم يكتف جنود الاحتلال بالإعتداء عليه، بل تم تقييد يديه وألقاه أحد الجنود على كتفه واعتقلوه عاريا، في حين حاول والدا محمد وشقيقه بشير الحاق بهم، إلا أنهم هددوهم بالسلاح، لينسحبوا سريعا من المكان بعد عشر دقائق فقط، وبعد نحو ساعتين تلقت العائلة خبر استشهاد نجلها.
وبلدة بيت ريما من المناطق التي يستهدفها الاحتلال بشكل متواصل، وتشهد شوارعها مواجهات عنيفة عند اقتحامها من قبل جيش الاحتلال، حيث حرضت صفحات إسرائيلية عبر موقع "فيسبوك" جيش الاحتلال على قتل المتظاهرين.