بدأت حكاية فيلا هارون الرشيد عام 1926 في حي الطالبية في القدس، حينما أنهى المرحوم حنا ابراهيم بشارات بناء بيته هناك، فكان من أجمل البيوت وأفخمها بيت مكون من طابقين، تحيطه الحدائق والورود والأشجار، كان يذكر بأيام السلطان هارون الرشيد، فاختار له اسم السلطان، وكتب الاسم في مدخل البيت وفي أطراف أخرى منه.
سكن المرحوم حنا بشارات وعائلته في بيته بسعادة ومحبة سنوات طويلة، وولدت زوجته اثنين من أبنائه في هذا البيت، فتراكمت الذكرات الجميلة وعشعشت في كل مكان من البيت، حتى ضاقت عليه الحالة الاقتصادية فأجر بيته للبريطانيين واستأجر بيت أصغر في منطقة مجاورة.
وفي النكبة جاءت العصابات الصهيونية فهجرت أهالي حي الطالبية، ومن ضمنها عائلة حنا بشارات فقام البريطانيون بتسليم مفاتيح البيت إلى العصابات الصهيونية التي استولت على البيت على أنه أملاك غائبين وقامت بتعليق علم "إسرائيل" في أعلى البيت.
ولما كانت فيلا هارون الرشيد من البيوت الفخمة والكبيرة فقد قسمته الحكومة الإسرائيلية إلى بيتين، في الطابق العلوي سكنت جولدا مئير أثناء توليها منصب وزير الخارجية، وفي الطابق السفلي سكن تسفي برنزون قاضي المحكمة العليا.
في سنوات الستينات قام داغ همرشيلد الامين العام للأمم المتحدة بزيارة جولدا مئير في البيت الذي تسكنه، وبما أنها كانت تنكر أن هناك شعب فلسطيني، ولا تريد أن ينتبه الضيف أنها تسكن في بيت فلسطيني فقد قامت بنحي كلمة " هارون الرشيد " في مدخل البيت.
وفي عام 1977 قام بروفسور جورج بشارات حفيد المرحوم حنا بشارات بزيارة إلى بيت جده، وبعد أن دق باب الطابق السفلي فتحت له امرأة مسنة الباب، يروي جورج ما حدث في ذلك اليوم:
"" في 1977 جئت للقدس وبيدي صورة الفيلا في الطالبية مع شروحات حول موقعها زودني بها جدي. كان الطقس حارا ومغبرا، كنت أتجول في الطالبية وأعاين البيوت بحثا عن " هارون الرشيد " وكانت المهمة غير سهلة فقد غيروا أسماء الشوارع وخلدوا بها شخصيات يهودية وصهيونية، الذكريات العائلية التي حافظت على الفيلا أنقذتني من الشعور بالاغتراب وفقدان الطريق الذي فرضه علينا الحاضر.
فيما اتكأت على جدار في الظل شاهدت بيتا مشابها لبيت والدي سارعت لاجتياز الشارع وما لبثت أن رأيت اللوحة الرخامية في واجهته تحمل بالعربية الاسم " هارون الرشيد " فجأة غمرتني مشاعر غضب حزن والأهم توتر ممزوج بالقلق.
تقدمت داخل الحديقة المفضية لمطلع الدرج الحجري الأمامي ووضعت كفة يدي عليه كما فعل والدي وجدي كلما صعدا وهبطا من البيت كل يوم قرعت الجرس وفتحت سيدة مسنة الباب، شرحت لها أن جدي بنى البيت وكشفت لها جواز السفر الأمريكي وسألت إن كان ممكنا القيام بزيارة قصيرة داخل البيت.
قالت:" عائلتك لم تسكن هنا أبدا " فهمت أن هذا التنكر جزء من عملية عقلنة وشرعنة الاستيلاء على أملاكنا- من الناحية الأخلاقية أسهل هضم مصادرة بيت تركه صاحبه الغني من التفكير بأنك أخذت ملك آخرين كان بيتا لعائلة.
في تلك اللحظة تعطلت الكلمات في فمي فلم أواجه من قبل مثل هذا الادعاء ما لبث أن حضرني الجواب وقول الحقيقة لكنني خشيت أن تمنعني من دخول الفيلا. شعرت بالغليان إزاء الحاجة بالتذلل كي تدخل منزل عائلتك أمام سيدة لا أعرفها ولا أعرف من أي بقعة في الدنيا هاجرت إلى هنا".
ويوضح الباحث أن زوج السيدة سرعان ما انضم لها وهو القاضي السابق في محكمة العدل العليا تسفي برنزون برنزون أتاح لي دخول الفيلا شريطة الاكتفاء بزيارة الصالون فقط بدعوى أنه لا حاجة لمشاهدة بقية أقسام البيت خاصة أنها خضعت وتخضع لتغييرات.
أصر الزوج وزوجته أن البيت كان بحالة رثة وبحاجة ماسة لترميمات استثمرا بها كثيرا لم أشكك بصحة هذا الزعم كان البيت باردا وقد حاولت تخيل سماع أصوات والدي موريس، إخوته وأخواته واستنشاق رائحة الطعام الذي طهته داخل المطبخ.
غادرت الفيلا بعد خمس دقائق فقط خرجت للشمس الحارقة ولم أشعر عداء خاصا حيال الزوجين المسنين اللذين يقيمان داخل بيت والدي.
من الصعب إدخال الضيوف، قيمة هامة بالثقافة الفلسطينية، حينما يستولي الضيف على البيت بشكل غير مشروع".