رام الله المحتلة - خاص قدس الإخبارية: يعد مجد (6 أعوام) على أصابعه الصغيرة، قبل أن يرفعها وقد ضم أصبعين، "زرت بابا ثلاث مرات، وأختي تولين زارته مرتين... بابا محكوم مؤبد يعني ما بطلع هسة"، في كل مرة كان يتمكن مجد من زيارة والده الأسير أمجد النجار برفقة أهالي الأسرى الآخرين، كان يرفع أصبعاً جديداً يضيفه على حصيلة المرات التي زار فيها والده، وتمكن خلالها من الجلوس بحضنه ومداعبته، وإخباره عن مشاكساته الجديدة في الروضة.
فيما تشير تولين (أربع سنوات) إلى الصورة الوحيدة التي جمعتها ووالدها قبل اعتقاله وقد كانت حينها تبلغ من عمرها عاماً ونصف العام فقط، ثم تشير إلى الصورة الثانية التي تجمع والدها مع شقيقها الأكبر مجد، وتعلق، "بابا قوي جداً حتى أنه يأكل الأسد".
صباح السابع من تموز 2015، داهمت قوات معززة من جيش الاحتلال منزل أمجد مصطفى حامد (40 عاماً) في بلدة سلواد شرق رام الله ضمن حملة مداهمات شملت عدة منازل في البلدة، ليحتجز روان وطفليها في غرفة، وأمجد في الغرفة الثانية حيث يخضعه للتحقيق، قبل أن تشير له قوات الاحتلال بتوديع عائلته فهو قيد الاعتقال الآن، لتكون آخر كلماته في المنزل لزوجته، "بخاطرك.. بنشوفكم على خير".
مساء 26حزيران 2015، أعلنت قوات الاحتلال الاستنفار وبدأت بالبحث عن منفذي عملية إطلاق نار فدائية نفذت بالقرب من مستوطنة "شفوت راحيل" والتي قتل فيها أحد المستوطنين وأصيب ثلاثة آخرين، قبل أن يتمكن المنفذون من الانسحاب بسلام، والعودة إلى منازلهم في بلدة سلواد شرق رام الله، حيث وصلت إليهم قوات الاحتلال بعد عشرة أيام من تنفيذهم العملية الفدائية، لتعتقل كل من: أمجد حامد، عبد الله حامد، فايز حامد، فيما اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية كل من أحمد الشبراوي ومعاذ حامد.
ويتهم الاحتلال أمجد أنه أحد منفذي عملية "شفوت راحيل"، تقول روان زوجة أمجد لـ قدس الإخبارية، "خلال الأيام العشرة التي تلت تنفيذ العملية، لم يشعرنا أمجد بأي شيء غير عادي، واصل حياته بكل هدوء، كان يذهب كعادته إلى العمل في كل صباح، وعندما يعود كان يرافقنا إلى زياراتنا العائلية".
57 يوماً أخضع الاحتلال أمجد للتحقيق المكثف في المسكوبية لتنتهي بتحويله إلى سجن عوفر، وقد وجه له الاحتلال تهمة تزويد المعلومات ونقل السلاح للخلية الفدائية، تعلق روان، "في 25 أيلول 2017 صدر حكم الاحتلال بحق أمجد بالسجن المؤبد إضافة لدفع غرامة مالية بقيمة 340 ألف شاقل"، مضيفة، "أملنا بربنا كبير، نحن متفائلين كثير ومعلقين أمالنا بصفقة تحرير قريبة للأسرى".
طيلة اعتقال أمجد، لم تتمكن زوجته روان من زيارته، فقد فرض الاحتلال ما يسميه "بالمنع الأمني" على معظم أفراد العائلة، وهو القرار الذي طال والدة أمجد المسنة أيضاً التي تعانيمن ضعفاً في حاسة النظر وأمراضاً مزمنة عدة، كما منعت أحد أشقائه المقيمين في الخارج من العودة إلى فلسطين، ووضعت اسم شقيقه أحمد النجار الذي تحرر في صفقة "وفاء الأحرار" وأبعد للخارج على لائحة المطلوبين، بعد أن اتهمته أنه "العقل المدبر" للعملية الفدائية.
تعلق روان، "طيلة الفترة التي مضت لم أزر أمجد، وعندما كنت أبعث له الملابس كنت أختار القياس الأكبر، فأنا لم أعد أعرف مقاسه.. أما تولين ومجد فعندما كنا نتمكن من إرسالهم مع أهالي الأسرى الآخرين كنا نفعل ذلك وقد تمكنوا من زيارته ثلاث مرات فقط"، وتبين أن الاحتلال حرمها من حضور جلسة المحاكمة الأخيرة لزوجها، والتي لم يتمكن أحد من العائلة من التواجد فيها ومساندة أمجد.
إلا أن روان تمكنت من زيارة زوجها مؤخراً في سجن ريمون وقد منحت تصريحاً استثنائياً لمرتين فقط، وقد لا يتم منحه لها مجدداً، "كان ذلك مفاجأة كبيرة لأمجد الذي كان ينتظر قدوم تولين ومجد فقط.. أما أنا فلم أتمكن من تمالك نفسي فور رؤيته، فبدأت الزيارة وانتهت وأنا أبكي... سعدت برؤيته واطمأننت عليه".
أمجد الذي يحمل شهادة في الترجمة وعلم النفس من الولايات الأمريكية، كان يعمل في ديوان قاضي القضاة في مدينة رام الله، أما الآن فهو استاذاً داخل السجن يعلم الأسرى اللغة الانجليزية، فيما التحق حديثاً بالجامعة ليكمل دراسته، "يطلب مني أمجد كتب لتعليم اللغة الانجليزية باستمرار، وقد أحضرنا بعض من الكتب من الخارج وبعضها أوصينا علينا من أمريكا إلا أن إدارة سجون الاحتلال ترفض السماح لنا بإدخالها، حتى لا يستفيد منها الأسرى".
اعتقال أمجد ألقى على روان مسؤولية مضاعفة ليس فقط بالعناية بطفليها بل أيضاً بوالدة أمجد التي تضاعفت حالتها الصحية سوءاً منذ اعتقال ابنها وصدور الحكم المؤبد بحقه، "كان أمجد هو من يتحمل مسؤولية والدته، وكان يرافقها دائماً في زيارتها إلى الأطباء، أما الآن فأصبح هذا من مسؤوليتي أنا".
ومن بين المسؤوليات التي تلقى على روان، مسؤولية التحضير للعيد الذي ما عادت تشعر به منذ اعتقال زوجها، "كنت معتادة على مساعدة أمجد لي في كل شيء بالعيد.. عدم دخوله علينا يوم العيد صعب للغاية، ولكني أحاول ألا يشعر أطفالي بذلك"، مضيفة، "هو بعيد عنا، ولكن روحه حولنا طوال الوقت، ونذكره في كل موقف يمر معنا".
في كل عيد كان أمجد يرافق عائلته في "زفة العيد" وهي إحدى الطقوس التي يقوم بها أهالي بلدة سلواد في ليلة العيد، إذ يخرجون في موكب من السيارات يجوبون أحياء البلدة احتفالاً بقدوم العيد، تعلق روان، "اليوم اضطر أنا للخروج والمشاركة في زفة العيد حتى لا أحرم أطفالي من هذه الأجواء".
فيما تحاول روان جاهدة أن تجد إجابات مستمرة على أسئلة أطفالها الذين لا يعتادون على غياب والدهم، وينتظرون عودته باستمرار، "في إحدى المرات أوصى أمجد صديق له أن يحضر عصفوراً لمجد وتولين، وعندما أخبرناهم أن هذا العصفور من بابا، اعتقدوا أنه خرج من السجن وأحضره لهم وحتى اليوم غير قادرين على استيعاب أن صديق والدهم هو من أحضر العصفور، وأن والدهم لا يستطيع الخروج من السجن".