غزّة- خاص قُدس الإخبارية: زفّوه بالورد وشيعوه على أصوات زغاريد الأحبة وسط هتافاتٍ تُعاهدُه على إكمال الطريق. هكذا كان مشهد تشييع جثمان الشهيد المسعف عبد الله صبري القططي (21 عامًا) ليوارى الثرى - ظهر السبت - في مقبرة تل السلطان بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وارتقى القططي شهيدًا في الجمعة الـ20 من مسيرات العودة، إثر إصابته بعيار ناري متفجر قرب القلب، أثناء عمله كمسعف ضمن فريق تطوعي قرب الشريط الحدودي لمدينة رفح، حيث تمركز قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي الوحشية.
حنان القططي والدة الشهيد تقول: "من حد ما انولد وهو بيحب الوطن والخير لشعبه، وكان دايمًا يقول يما راح استشهد بيوم من الأيام". وتضيف، "ايييه يا ابني وهيو أجى اليوم اللي اشوفك محمول فيه على أكتاف أصحابك وبيزفوك للجنة".
وأضافت الخمسينية خلال حديثها لـ"قدس الإخبارية"، أن الاحتلال سرق من البيت فرحته، وترك فيه جرحًا عميقًا لا يلتئم من شدة عمقه، واصفة فلذة كبدها بـ"الحنون الطيب وصاحب البسمة العريضة، وصاحب الإرادة القوية والعزيمة الجبارة".
وطالبت المجتمع الدولي -وعيناها تقطران دمعًا من شدة حزنها على فراق نجلها الذي ودعها قبل خروجه لطريقه التطوعي- بمحاكمة جيش الاحتلال الإسرائيلي على وحشيته تجاه شعبنا الفلسطيني لأجل ردعه عن ممارسة أفعاله عديمة الإنسانية.
أسامة القططي، عمّ الشهيد يقول: "عبد الله من أكثر الشخصيات المقربة لي، وكان دائمًا مجمعًا لأبناء العائلة ولا ينفك عن تلبية كل خدماتها، وكل المناسبات تشهد له بذلك"، مؤكدًا أن ابن شقيقه مثل كل الشباب الفلسطيني يأملون الاستقرار في بيئة خالية من ظلم الاحتلال.
والشهيد عبد الله له خمس أخوات، وأخ واحد أُصيب هو الآخر قبل حوالي شهر ونصف، أثناء مشاركته في مسيرة العودة. يضيف أسامة أنه وأشقاءه (أعمام الشهيد) كانوا قد عانوا أيضًا قبل ذلك من بطش الاحتلال، خاصة قبل الانسحاب من قطاع غزة، "إلا أن ذلك لن يؤثر على درجة حبهم للوطن وانتمائهم له" كما يقول.
أُصيب عبد الله عندما كان يجري باتجاه أحد الجرحى لإسعافه من إصابته بعد إطلاق نار كثيف من دبابة إسرائيلية، وفق ما أفادت به صابرين قشطة (29 عامًا) مديرة الفريق التطوعي الذي ينتمي إليه الشهيد. وتضيف، "كنا نعمل جاهدين على أن نكون بالقرب من المشاركين في الفعاليات السلمية لتقديم ما يلزم من خدمات طبية، وعبد الله كان بين الحين والآخر ينبههم لأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر إلا أنه في هذه المرة كان الأجدر به أن ينبه نفسه ويحافظ عليها".
وتابعت، "لكن حقيقة الأمر، أن غدر الاحتلال يحيل دون ذلك"، مبينة أنه تقرر إطلاق اسم "عبد الله نبض الحياة" على الفريق التطوعي الذي يعملون فيه بدلًا من "فريق نبض الحياة".
المسعف أحمد البوجي (21 عامًا) أحد زملاء عبد الله، يعمل في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الأوروبي، يقول: "ربنا ألهمني أنزل للأسفل لأجد زميلي عبد الله مضرجًا بالدماء، وحينها من غير وعي قدمت له الإسعافات الأولية وقمت بعمل إنعاش قلب رئوي ليستعيد وعيه ويتمكن من العيش، لكن وللأسف ما كان باستطاعتنا ذلك فالطلق جاء في أكثر منطقة حساسة في جسد الإنسان وهو القلب".
واستذكر البوجي - خلال حديثه لـ "قدس الإخبارية" - موقفًا حدث مع عبد الله قائلًا: "في الأمس القريب نظمنا فعالية للأطفال بهدف رسم البسمة على وجوههم، وعبد الله كان من ضمن المبدعين في ذلك". واستذكر أيضًا "في العادة يوم الجمعة نعمل على شكل مجموعات، إلا أنه هذه المرة أراد أن يكون هو القائد وأصر على ذلك، كأن لديه إحساس بأن شيئًا ما سيحدث"، وهو ما تُشير إليه منشوراته في حسابه الشخصي على موقع "فيس بوك" أيضًا.
وأضاف أن الشهيد كُرّم لعطائه وعمله الدؤوب في الميدان، حتى أنه كان يتابع المصابين في بيوتهم، مؤكدًا أن عبد الله اغتيل بدم بارد، فما كان سوى مسعف يحمل أدواته الصحية ولا يشكل أي خطرًا على الاحتلال.
[gallery type="slideshow" ids="156151,156150,156149,156148,156147,156146,156145,156144,156143"]وكانت وزارة الصحة قالت إن قوات الاحتلال ركزت - خلال الجمعة الأخيرة من مسيرات العودة - على استهداف الطواقم الطبية رغم وضوح شاراتها المعروفة دوليًا، وقد كانت نتيجة ذلك استشهاد عبد الله القططي، وإصابة 5 مسعفين آخرين بجروح مختلفة، هذا إضافة لإطلاق النار صوب سيارات الإسعاف وتعريض حياة طواقمها الطبية للخطر المباشر.
وأكدت وزارة الصحة في بيان صحفي أن استهداف الطواقم الطبية والصحفيين يستدعي من المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية والحقوقية العمل الفوري على وقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وفقًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة.
يذكر أنه منذ اندلاع مسيرات العودة بتاريخ 30 آذار الماضي، قتل جيش الاحتلال 167 فلسطينيًا، بينهم ثلاثة مسعفين، وأصيب نحو 18 ألفًا بجروح مختلفة واختناقًا بالغاز، بينهم 370 مسعفًا، كما تضررت نحو 70 سيارة إسعاف.