القدس المحتلة-خاص قُدس الإخبارية: قيل له: "إلنا في هاي الحارة بيوت لليهود"، فكان ردّه: "صح، وإحنا إلنا بيوت في القطمون كمان، رجعولنا اياها!". هكذا كان الحوار بين الحاج يعقوب مراغة "أبو فراس"، وأحد الصحفيين الإسرائيليين قبل حوالي خمس سنوات، في حي بطن الهوى - الحارة الوسطى، وسط بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك.
وفي نفس الشارع، على بُعد أمتار قليلة، افتتحت جمعيةُ "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية قبل حوالي أسبوعين، في الأول من آب الجاري، ما يسمى بـ"مركز تراث يهود اليمن". افتتح المركز في أحد منازل سلوان التي سيطرت عليها الجمعية من عائلة أبو ناب 2015، تدّعي الجمعية الاستيطانية أن هذا المنزل بالذات كان يشكّل الكنيس الذي يصلي فيه يهود اليمن، ممن سكنوا سلوان قديماً، ويسمّونه "بيت هدفاش"، أي "بيت العسل".
وبحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، سيبلغ استثمار وزارة شؤون القدس والشتات التابعة لحكومة الاحتلال، في هذا المركز 3 ملايين شيكل، واستثمار وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية مليون شيكل ونصف، يعني ما مجموعه 4 ملايين ونصف شيكل (مليون و250 ألف دولار تقريباً). وسيخدِم هذا المركزُ توثيقَ هجرةِ اليهود اليمنيين إلى فلسطين عام 1881، وهي ما يُطلق عليها صهيونياً "هجرة هتامار".
نظم الافتتاح جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، على رأسها "ماطي دان"، باستضافة شخصيات عامة ووزراء من حكومة الاحتلال، هم وزيرة الثقافة "ميري ريغيف"، وما يُسمى زير شؤون القدس بحكومة الاحتلال "زئيف إلكين"، و"موشيه ليئون" (والأخيران مرشحان لانتخابات بلدية الاحتلال في تشرين أول القادم)، بالإضافة إلى حاكم ولاية أركانساس الأمريكية سابقاً "مايك هارفي".
ويُعتبر هذا الحضور الرسمي الإسرائيلي الثاني في حارة بطن الهوى، ففي 24 آب 2017، شارك حوالي 300 مستوطن باحتفال لإدخال كتاب توراة جديد إلى عقار أبو ناب (ما يُسمى كنيس بيت العسل)، كان منهم وزير الزراعة في حكومة الاحتلال "أوري أريئيل"، وعضو الكنيست "موتي يوغيف" من حزب البيت اليهودي، والعضوان في المجلس البلدي لبلدية الاحتلال:"أرييه كينغ"، و"دوف كالمانوفيتش".
وقد افتتح المركز وسط إجراءات أمنيّة إسرائيلية مُشدّدة وفي ظروف مشابهة لمنع التجول، إذ أغلقت شرطة الاحتلال عدداً من شوارع سلوان لتأمين الافتتاح ومشاركة الوزراء فيه، وأبعدت الصحفيين الفلسطينيين وأجبرت الأهالي على التزام منازلهم في الحيّ. كما اعتقلت عدداً من النشطاء في البلدة إلى حين الانتهاء من مراسم افتتاح المركز، في الوقت الذي وقف "دانييل لوريا"، أحد المسؤولين في الجمعية، قائلاً: "نحن هنا، ونحن هنا لنبقى".
وقد حظي افتتاح هذا المركز باهتمام واسع في وسائل الإعلام المختلفة، كما كان له نصيب من بيانات الإدانة من مختلف الجهات: الحكومة الفلسطينية، الاتحاد الأوروبي، وغيرها.
قصة يهود اليمن في بطن الهوى
بدأ "تواجد" اليهود اليمنيين في سلوان، في حارة بطن الهوى تحديداً، في نهاية القرن التاسع عشر، وتحديداً في العام 1882، وكانوا قد لجأوا إليها بعد أن رفض استقبالهم المستوطنون الأوروبيون مشككين بيهوديتهم ومعتبرينهم "درجة ثانية"، بسبب اختلاف لغتهم، ولباسهم وصلواتهم كما كانوا الأكثر فقراً.
يقول الحاج أبو فراس مراغة: "يعتقد البعض أن بيوتهم كانت كبيرة لكنها في الحقيقة حجر وطين وشيد، حتى أنها تُعد على أصابع اليد". تقاطعه زوجته الحاجة أم فراس: "كانوا جيران حول بعض يفطروا ويشربوا القهوة مع بعض!".
يستطرد الحاج مراغة، "نحن لا ننكر وجود يهود اليمن في فترة ما ببلدة سلوان، لكن هذه البيوت ليست ملكهم، وإن كانت كذلك في حينها، فإنهم أعادوا بيعها للسلاونة بعد خروجهم منها، ولدينا أوراق تثبت ذلك".
وبحسب مقال نشره عالم الآثار الإسرائيلي "يوناتان مزراحي" من منظمة "عميك شافيه"، فإن أول من قدم المساعدة ليهود اليمن كانوا مبشرين مسيحيين في منطقة الشيخ جراح. أثار ذلك الأمر بعض الكهنة اليهود، فسارع شخص باسم "فروكمين" إلى تأسيس جمعية تهتم بإسكان اليهود، وكان ذلك في قرية سلوان.
أما خلال ثورة البراق، 1929، فقد حمت عائلات سلوان اليهود في القرية ولم يصب أي منهم بأذى، ولم يخرجوا منها إلا بعد أن قامت سلطات الاستعمار البريطاني بإخراجهم إلى البلدة القديمة، ولكنهم عادوا بعد فترة زمنية قصيرة للسكن في سلوان. وبحسب "مزراحي"، فإنهم أرسلوا كتاب شكر موقع بأسمائهم لإحدى العائلات التي ساهمت بشكل كبير في حمايتهم والدفاع عنهم.
يقول "مزراحي" في مقاله بأن اليهود عاشوا في سلوان تقريبًا من العام 1884، وبقوا هناك إلى 1936. ويتفق ذلك مع روايات أهالي سلوان بأن اليهود لم يخرجوا إلا خلال عام 1936 عندما احتدت الأوضاع السياسة في ظل إضراب الستة شهور.
الاستيطان في بطن الهوى
وبادعاء استعادة الأراضي التي بُنيت فوقها البيوت التي آوت يهود اليمن أواخر القرن التاسع عشر، أرسلت جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية منذ العام 2013 أوامر إخلاء بحقّ 85 عائلة فلسطينية في حيّ بطن الهوى، يصل عدد أبنائها إلى أكثر من 300 شخص، بحسب زهير الرجبي، رئيس لجنة حيّ بطن الهوى.
وتقوم هذه البيوت التي رفعت ضدّها دعاوي الإخلاء على أرض تصل مساحتها إلى 5 دونمات و200 متر، تدّعي "عطيرت كوهنيم" أنها هي الأرض التي وجدت عليها "حارة اليمن" سابقاً. وتدّعي الجمعية الاستيطانية أن هذه الأرض كانت وقفاً على الحاخام "موشيه بنبيشتي"، وأن وظيفة القيّم على الوقف انتقلت منه إليها.
وعلى الرغم من أنّ الفلسطينيين لا ينكرون وجود يهود اليمن في تلك الحارة قديماً، إلا أنهم يرفضون الادعاء الذي تحمله الجمعية الاستيطانية، ويستند هذا الرفض الفلسطيني على أن قطعة الأرض التي يجري الحديث عنها هي حسب التصنيف العثماني للأراضي "أراضٍ ميرية"، يحظر القانون العثماني وقفها، وبالتالي يشككون في صحة الادعاء الاستيطاني بأن الأراضي كانت وقفاً لإحدى الشخصيات اليهودية. إضافة إلى ذلك، فقد قدّم محامو العائلات الفلسطينية اعتراضهم على الطريقة التي انتقلت فيها مسؤولية القيّم على هذا الوقف إلى الجمعية ذاتها.
وكانت آخر جلسة محكمة عقدت للنظر في هذه القضية في حزيران الماضي، وطلبت فيها المحكمة العليا الإسرائيلية النيابة العامة بتقديم توضيحات مفصلة حول كيفية نقل ملكية قطعة أرض في بلدة سلوان ومساحتها خمسة دونمات و200 متر مربع لجمعية "عطيرت كوهنيم".
يذكر أن جهود النشاط الاستيطاني في سلوان تتوّزع على جمعيتين استيطانيتين هما، جمعية "إلعاد" التي تعني (نحو مدينة داوود)، والتي تنشط بشكل رئيس في حيّ وادي حلوة، وتدير مركز الزوار الاستيطاني المسمّى "عير دافييد" أو "مدينة داوود.
والجمعية الثانية هي جمعية "عطيرت كوهنيم"، التي تنشط في الحارة الوسطى، والتي تدير البؤرة الاستيطانية الأضخم في سلوان "بيت يوناتان"، بالإضافة إلى محاولتها السيطرة على بيوت أخرى في الحارة بدعوى أنها مبنية فوق "أراضي يهود اليمن".