جنين- قُدس الإخبارية: من بلدة برقين غرب جنين، انطلق الاستشهادي "جهاد حمادة" في مثل هذا اليوم الرابع من شهر آب 2002 (قبل 16 عامًا)؛ لتنفيذ عمليته في قلب كيان الاحتلال، رداً على اغتيال قائد كتائب القسام في فلسطين صلاح شحادة، ومرافقه زاهر نصار وأكثر من 15 مدنياً جلّهم من النساء والأطفال، بغارةٍ إسرائيلية على حي الدرج وسط مدينة غزّة.
ثأرًا وحبًا، هبّ "جهاد" منتقمًا لدماء الشهيد شحادة، الذي لم يمضِ على استشهاده في حينه سوى بضعة أيام، ليجعل من جسده بركاناً يحرق قلوب محتله، وليترك من خلفه، قادة وضباط أجهزة الأمن الاحتلال مصدومين من هول الانفجار الذي خلّف 14 إسرائيليًا قتيلاً وأكثر من 50 جريحاً نصفهم أصيبوا بجروح بالغة الخطورة.
تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية خبر العملية، في مدينة صفد "أقصى شمال فلسطين المحتلة عام 1948"، وصدحت مآذن فلسطين بأصوات التكبيرات، بعدما بثّت مشاهد حطام الحافلة المبعثرة وأشلاء القتلى، وسط تخبط كبير لقادة الاحتلال وأمنهم.

ففي العاشر من شهر أغسطس لعام 1978، وُلد "جهاد خالد عبد القادر حمادة" لأسرة فلسطينية تقطن بلدة "الرصيفة" الأردنية –والتي تُعتبر تجمعاً كبيراً للفلسطينيين المهجّرين من أرضهم عام 1967- حيث نما شهيدنا وترعرع وسط أسرة غرست به حب وطنه.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى ازداد شغف جهاد بالانتقام من محتله، فقرر العودة إلى مسقط رأسه بحجة العمل كما الآخرين بينما كان يخفي في صدره هدفه الأسمى وهو الانضمام إلى صفوف المقاومين، ليتمكن من خلالها بتنفيذ أسمى ما تمناه.
ويؤكد أقرباء جهاد أنه كان مغرماً بالجهاد و"له من اسمه نصيب"، فمنذ أن كان صغير السن طلب من والديه عام 1991 إرساله إلى العراق ليشارك ضمن قوافل المتطوعين في التصدي للقوات الأمريكية التي جيشت الجيوش لشنّ حرب على العراق عرفت في ذلك الوقت باسم "عاصفة الصحراء".

أيامه الأخيرة في برقين
"بلال" شقيق الشهيد، يتحدث عن الأيام الأخيرة التي سبقت انطلاقه لتنفيذ عمليته الفدائية، حيث يؤكد على أن جهاد لم تظهر عليه أي علامة تدل على نيته فعل ما فعل، وقد كانت له بعض الممارسات الغريبة التي لم نفهم معناها إلاّ بعد أن ظهر اسم جهاد بعد عشرين يوماً من العملية كمنفذ لها في أعقاب تستر "كتائب القسام" على اسمه كما جاء في بيانها.
ويشير بلال إلى أن شقيقه طلب ليلة مغادرة البيت لينام ليلته الأخيرة قرب والدته، حيث غادر الفدائي جهاد بلدته برقين في صبيحة يوم الخميس الاول من آب 2002، وقال لهم إنه ذاهب للعمل، وقد لبس أجمل ثيابه وتطيب بأجمل العطور حتى اعتقد بعض إخوانه أنه ذاهب لطلب عروس، فقال لهم ممازحاً "إني ذاهب لأخطب أجمل عروس".
ويؤكد أصدقاء الشهيد وأهالي بلدته أن جهاد كان رفيق الشهيد شادي الطوباسي منفذ عملية مطعم "ماتسة" في حيفا في آذار عام 2002 والتي لقي فيها 16 إسرائيليًا، مصرعهم وأصيب غيرهم العشرات.
وبحسب معلومات لكتائب القسام، فان "الشهيد جهاد" كان من المفترض أن يكون هو منفذ عملية حيفا إلاّ أن إصرار شادي الكبير على جهاد كي يؤثره بعملية حيفا جعلته ينزل عند طلبه، لكونه ليس مطارداً مثل شادي، ولأن لا أحد كان يشك أو يتوقع في يوم من الأيام أن يكون الشهيد جهاد مقاومًا، خاصة وأنه يقضي معظم وقته في عمله في قرية البعينة في فلسطين المحتلة عام 1948.
وحتى حينما كانت قوات الاحتلال يعتقلونه كانوا يعاملونه كما باقي العمال الذين يلقون القبض عليهم دون تصاريح، وقد اعتقل في إحدى المرات في مدينة صفد وكان أمامه إما أن يُرحَّل إلى الأردن لكونه لا يحمل هوية فلسطينية أو أن يدفع غرامة قدرها 30 ألف شيقل فقام بدفع المبلغ حتى لا يخرج من فلسطين.. إلا شهيداً.

الاستشهاد
لم يكن يتوقع جنود الاحتلال الذين تكدس بهم الباص رقم (361) صبيحة يوم الأحد 4/8/2002 أن يكون ذلك الشاب الأشقر الشعر الذي لبس "شورت" رمادياً وشالاً أبيض وهو يحمل حقيبته السوداء على ظهره، غير سائح أمريكي كما ظهر وهو يصعد إلى الحافلة الخضراء من منطقة البعنة وكما ظهر من جواز السفر الذي وجد بين الأشلاء، وقلة قليلة كانت تدرك أن السائح هو "الفدائي حمادة".
وصعد "جهاد" إلى الباص ثم أخرج من جيب شورته بضعة شواقل ليقدمها أجرة للسائق قبل أن يتقدم نحو كرسي فارغ في وسط الباص وجلس منتظراً اللحظة المناسبة ليرسم بدمه أجمل صورة من التضحية في مدينة "صفد" التي لم يصلها استشهادي من قبل.
وعند مفترق "ميرون" وبعد أن أشارت عقارب الساعة إلي الثامنة والدقيقة الخامسة والثلاثين سمعت صفد صوتاً لم تسمعه من قبل، حيث دوى صوت انفجار عنيف هزّ جنبات المدينة لتتطاير أشلاء أكثر من 14 إسرائيليًا و52 جريحًا نصفهم وصفت إصاباتهم بالخطيرة، وارتقى شهيدًا.


