ستوكهولم - قدس الإخبارية: أكدت مؤسسة سكاي لاين الدولية السلطة الفلسطينية أن الآونة الأخيرة شهدت تصاعداً في حدة استدعاءات الصحافيين والنشطاء الفلسطينيين من قبل الأجهزة الأمنية.
وقالت المؤسسة الحقوقية السويدية التي تهتم بحقوق حرية النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن غالبية الشهادات التي حصلت عليها كانت بسبب النشاط السياسي أو العمل الصحافي وكانت عبارة عن محاولات ترهيب بطرق العنف الكلامي، أو النقاش السياسي لمحاولة إقناع هؤلاء الذين تم استدعاؤهم من قبل أقسام ما يطلق عليه الأمن السياسي في كل من جهازي الأمن الوقائي والمخابرات الفلسطينية.
وأفادت المؤسسة أن جهاز الأمن الوقائي في مدينة نابلس شمالي الضفة المحتلة أقدم يوم 18 من تموز/ يوليو الجاري على اعتقال الناشط والمهندس إبراهيم مصري، حيث تم اتهامه بذم السلطة، وذلك بسبب قيامه بإعادة نشر مواد تنتقد السلطة الفلسطينية وقياداتها، بعد يوم واحد من الاعتداء عليه من قبل عناصر أمنية بلباس مدني في مسيرة بمدينة رام الله تطالب برفع العقوبات عن قطاع غزة في تاريخ 16 حزيران/ يونيو 2018.
ووفقا للمعلومات التي استطاعت مؤسسة سكاي لاين الدولية جمعها، فإن المهندس إبراهيم يحاكم وفقا لقانون الجرائم الالكتروني المثير للجدل في الأراضي الفلسطينية، وقد يصل الحكم الصادر بحقه عامين وغرامة مالية تصل إلى 15 ألف دينار أردني أي ما يعادل 22 ألف دولار أمريكي.
واعتبرت المؤسسة محاكمة المهندس مصري ضرباً بعرض الحائط للقوانين الدولية العادلة التي تحمي حق حرية التعبير عن الرأي، لا سيما وقد انضمت السلطة الفلسطينية لعدد من الاتفاقيات الدولية التي تحمي الحق في التعبير، وعدم التعرض للاعتقال التعسفي، وضمانات المحاكمة العادلة، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وشددت سكاي لاين على موقفها السابق من قانون الجرائم الالكتروني، أنه يمثل تكميماً كاملاً للأفواه، بحيث تستطيع السلطة توجيه التهمة إلى أي شخص يقوم بانتقادها سواء من عامة الأشخاص أو من الصحافيين والحقوقيين المدافعين عن حقوق الإنسان.
استدعاءات الصحفيين وتحذيرهم
وفي السياق، وثقت المؤسسة الحقوقية مجموعة من الشهادات من الصحافيين والنشطاء، التي تثبت محاولات السلطة تخويف وتحذير الصحفيين بطرق لينة وخشنة عن التعبير عن آرائهم إزاء مجموعة من القضايا، منها العقوبات المفروضة من قبل السلطة على قطاع غزة، أو صحة الرئيس محمود عباس، أو العمل الصحافي الميداني.الصحفي حذيفة أبو جاموس، من بلدة أبو ديس شرقي القدس، تعرض للاعتقال في تاريخ 22 تموز/ يوليو من قبل المخابرات الفلسطينية، وتم اتهامه بـ “قدح مقامات عليا”، ووفق المعلومات التي وثقتها سكاي لاين، وتعرض للحبس الانفرادي.
وذكرت المؤسسة أنها استطاعت قبيل اعتقاله الحصول على شهادته بخصوص استدعاء سابق بداية شهر تموز من قبل الأمن الوقائي الفلسطيني حيث إنه تم استدعاؤه هاتفيا في 28 حزيران الماضي من قبل متصل قال له إنه ضابط في الأمن الوقائي.وأضاف أبو جاموس :”أخبرني المتصل أن أحضر يوم الثلاثاء 2 تموز إلى مقر الأمن الوقائي في البالوع برام الله، وفعلا ذهبت إلى هناك، وتم تحويلي فورا إلى قسم الأمن السياسي”، متابعاً: "التحقيق تركز على منشوراتي في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” وعلى طبيعة عملي في المواقع الإخبارية الفلسطينية".
وقال أبو جاموس: “أجبتهم نعم، أنا أعمل في الشبكة، وأقوم بتزويدهم بالأخبار والصور، ومن ثم تحول النقاش حول شبكة قدس ومن المسؤول عنها وعن سياساتها”.
ووفقا لأبو جاموس، تم الطلب منه التوقيع على تعهد مكتوب بعدم تجاوز القوانين الفلسطينية وعدم التحريض، لكنه رفض التوقيع لأن العبارات التي تضمنها التعهد كانت فضفاضة، وأضاف: “وفق المنصوص عليه في هذا التعهد يمكن اعتبار أي شيء أكتبه على صفحاتي الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي تحريضا ومن الممكن أن يعرضني للخطر”.
واستدرك الصحافي قائلا: “وقّعت على ورقة بأنني لن أقوم بخرق القانون الفلسطيني، ولكن بنفس الوقت رفضت التوقيع على موضوع التحريض، أو على موضوع قانون الجرائم الالكتروني الذي عليه الكثير من المشاكل”.
أما الناشط حسين شجاعية، والذي يعمل في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في مدينة رام الله، فقال في شهادته إنه تلقى اتصالا هاتفيا من شخص عرّف نفسه بأنه من جهاز الأمن الوقائي، وطلب منه الحضور يوم الثلاثاء الموافق 26 حزيران إلى مقر الأمن الوقائي في منطقة البالوع بالبيرة شمال مدينة رام الله.
وأوضح شجاعية، بأن مجمل التحقيق معه كان حول بالشبكات الإخبارية والحراك لرفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة، موضحاً أن الأمن الوقائي قام بنقله لمقر آخر لاستكمال التحقيق معه، وهو المقر الرئيسي للجهاز الأمني في بيتونيا جنوب رام الله.
وتابع: “لقد تم التحقيق معي هناك بعدد أكثر من المحققين، في البالوع كان يحقق معي محقق واحد، أما في بيتونيا فكانوا أربعة محققين”، مشيراُ إلى أن المحققين قاموا في نهاية الاستدعاء بإعطائه ورقة للتوقيع عليها تتضمن تعهدا بأن لا ينتهك القانون، وقام بالتوقيع عليها.
وفي شهادة أخرى للصحفي عامر أبو عرفة، الذي يعمل مراسلا لشبكة شهاب الإخبارية، قال إنه خلال شهر واحد تم استدعاؤه ثلاث مرات.
وأضاف أبو عامر في شهادته: "الاستدعاء الأول كان في شهر رمضان (مايو 2018) من قبل جهاز الأمن الوقائي في الخليل، حيث تركز التحقيق على طبيعة عمله في وكالة شهاب، وكيفية الحصول على الراتب، وكيفية إرسال للأخبار، ومن يعمل معه بالوكالة".
ويكمل الصحفي أبو عرفة أنه وقبل عيد الفطر في منتصف يونيو 2018، تم توجيه استدعاء جديد له مع صحافيَّين آخرَين، هما أمجد شاور، ومصعب شاور من الخليل، وذلك لمقابلة المحققين في المقر الرئيسي للأمن الوقائي في بيتونيا بمدينة رام الله، منوهاً إلى أن نقابة الصحافيين تدخلت، وقالت للصحافيين “إنه تم إلغاء الاستدعاء، ولكننا تفاجأنا بأنه تم تأجيله وليس إلغاؤه”.
ويكمل عامر شهادته قائلا: “بعد العيد بأيام، تم الاتصال بنا مجددا من رام الله، وقيل لنا بأنه علينا مراجعة الجهاز، وبأن ما حدث كان فقط تأجيل المقابلة ليوم الاثنين”، موضحا أن طبيعة التحقيق كان عن العمل في وكالة شهاب والعاملين فيها بالضفة ومصادر تمويل الشبكة، إضافة إلى أسئلة عن المسيرات المطالبة برفع العقوبات على غزة.
وقال عامر إنه طُلب منه عدم الوقوف مع الحراك لأنه يحمل أجندة أجنبية، وطلبوا منه أيضا التوقيع على ورقة “التزام بالقانون وخاصة قانون الجرائم الالكتروني المعدل وأن لا أعود لما أسموه التحريض”.
وأضاف: “رفضت التوقيع على التعهد الذي تضمن الجملة الأخيرة، لأنني فيها وكأنني أقر بأنني مارست التحريض. وفعلا تم حذفها، ووقّعت على الالتزام بالقانون وقانون الجرائم الإلكتروني المعدل”.
من جهته قال الصحافي مصعب شاور، وهو من مدينة الخليل، إنه تعرض للاستدعاء مع زميله عامر أبو عرفة إلى مدينة رام الله، لمقابلة الأمن الوقائي في بيتونيا.
وذكر شاور في شهادته أن التحقيق معه استمر تقريبا لساعتين ونصف، حيث تركز التحقيق حول منشورات قديمة له على موقع فيسبوك، حيث تم اتهامه بأنها تحريض على الأجهزة الأمنية، وقيامه بنشر أخبار عن صحة الرئيس الفلسطيني عندما كان متواجدا في المستشفى، حيث تم توقيعه على تعهد بعدم التحريض على السلطة والأجهزة الأمنية بأي شكل من الأشكال وإلا سيحاسب وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية.
نشطاء التنظيمات
من جهة أخرى، وثق المركز الحقوقي شهادة الناشط في حزب الشعب غسان عطاونة، الذي قال في شهادته إنه تسلم استدعائين في منزله، الأول كان من جهاز الأمن الوقائي والثاني من المخابرات الفلسطينية في 8 تموز 2018.
وقال عطاونة إن التحقيق لدى جهاز الأمن الوقائي تركز على حراك رفع العقوبات عن غزة، ومواقفه السياسية ومنشوراته على الفيسبوك، وامتدت المقابلة لأربع ساعات مع 4 محققين، منوهاً إلى أنه تم الطلب منه التوقيع على تعهد بعدم المشاركة في الحراك وإيقاف النشاط فيه، إضافة إلى التوقيع على ورقة أخرى كتب فيها: “عدم التحريض على السلطة والأجهزة الأمنية”.
وأفاد عطاونة أنه رفض التوقيع على هذا التعهد، وقال أيضا بأن المحققين حاولوا الضغط عليه من خلال تهديده بالاحتجاز إذا لم يوقع، ولكنه رفض ذلك قائلا “أنا تحت القانون، إذا كان هناك ما يُدينني فأنا جاهز لذلك”.
وأضاف عطاونة :”وفق الدستور والقانون، أي استدعاء أو إحضار أو اعتقال أو أي شئ من شأنه تقييد الحركة، يجب أن يكون صادراً عن جهة قضائية، إما قاضي أو النيابة”.
وأفاد عطاونة أيضا أن المخابرات الفلسطينية استدعته في اليوم التالي، أي في 9 تموز 2018، ولم يكن ينوي الذهاب للمقابلة التي كان من المفترض أن تكون الساعة 9 صباحا، متابعاً: "اتصل شخص من المخابرات الفلسطينية على هاتفي الساعة 12 في يوم 9 تموز وأخبرني بضرورة الحضور لمقر الجهاز، ولكنني قلت لهم لقد كنت في مقابلة لدى جهاز الأمن الوقائي في ذات القضية، وليس لدي ما أضيفه”.
احترام القانون الدولي
بدورها، طالبت الناطقة باسم المؤسسة السويدية “سيدا سيدر” السلطة الفلسطينية باحترام القانون الدولي الذي يستند على حرية الرأي والتعبير، والتي يتعارض تقييدها مع المواثيق الدولية.
وأضافت سيدر أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 نص في المادة (19) منه على أن “لكل إنسان حق في اعتناق الآراء دون مضايقة، والحق في حرية التعبير" كما نصت المادة (9) منه على “لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون”.
وتابعت: "السلطة الوطنية الفلسطينية ملزمة بموجب هذه الاتفاقيات وبموجب العرف الدولي على عدم ممارسة أي انتهاكات من شأنها الانتقاص من حقوق الأفراد، وعليها التزام بتقديم تقارير للجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن العهد لمراقبة مدى التزامها بتطبيق ما نص عليه، وفق ما نصت عليه المادة (40) من العهد”.
وأشارت سيدر إلى أن ممارسات السلطة تخالف القانون الأساسي الفلسطيني نفسه، والذي حظر الاعتقال لأسباب سياسية وحمى الحريات العامة ومنها الحق في التعبير، حيث نصت المادة (32) منه على أن “كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر”.
وأكدت سيدر أن القانون الأساسي نص كذلك على حق الشخص في التعبير عن رأيه في حدود القانون، حيث نصت المادة (19) منه على أنه “لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون”.
ونوهت سيدر إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية الذي أقرته السلطة الفلسطينية يخالف نصوص القانون الأساسي ومبادئ الحريات العامة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تضمن حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، مشيرة إلى اعتقال عشرات الصحفيين والنشطاء على خلفية هذا القانون منذ إقراره.