غزة - خاص قدس الإخبارية: لم تتوقع الصحافية مريم أبو دقة من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أن تنقل نبأ استشهاد شقيقها يوماً ما وهو الذي ارتقى إثر قصف مدفعي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت كانت تقوم بتغطية توافد الآلاف من الفلسطينيين إلى السياج الحدودي، للمشاركة في الجمعة السابعة عشر ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى.
"كالعادة خرجت لأغطي فعاليات مسيرة العودة الكبرى لوسائل الإعلام التي أعمل بها فأنا أمزج ما بين التصوير والمراسلة الميدانية" بهذه الجملة بدأت أبو دقة حديثها لـ "قدس الإخبارية" عن عملها خلال فترة أحداث مسيرات العودة وتغطيتها للأحداث على الحدود الشرقية.
وتقول أبو دقة إنها "توجهت للحدود الشرقية لبلدة خزاعة، تاركة خلفها قلب أمي الذي ما ينفك عن تسارع دقاته، كيف لا وهي الأم التي تودّع في كل جمعة أربعة من أبنائها وشقيقة لهم، أثناء تلبيتهم لنداء الوطن"، مشيرةً إلى أن أمها تتهافت على أسماء وصور الشهداء حينما تسمع خبرًا يوحي باستشهاد أحدهم راجية من الله أن لا يندرج اسمًا لأحد فلذات كبدها ضمن قوائم الشهداء أو الجرحى.
حوراً قصيراً
وأردفت أبو دقة: "صباح الجمعة استيقظت باكرًا وارتديت ملابسي وتناولت معداتي الصحفية متوجهة إلى الحدود الشرقية لبلدة خزاعة، حينها دار حوارًا بيني وبين أخي الشهيد محمد فحواه: (يا مريم.. الكاميرا توثق الأحداث من بعيد فالتزمي حدودك، فرددت عليه: أخي الرب واحد والنهاية واحدة فلتكن فداء للوطن وذهبنا لطريقنا وسط ابتسامة عريضة).
وأضافت: "في كل جمعة حينما تشتد الأحداث أكون على الهواء مباشرة لتوثيقها، والآن حان الوقت لأقوم بواجبي فاتصلت بزميلي في غرفة الأخبار محدثة إياه والجماهير: بأن قصفًا مدفعيًا عنيفًا استهدف نقطة رصد تابعة للمقاومة الفلسطينية شرق خزاعة وهناك أشلاء وجرحى في صفوف المدنيين"، متابعة: "حينها أغلقت الخط باحثة عن تفاصيل الشهداء والجرحى".
واستطردت أبو دقة وعلامات الغضب على وجهها تعبر عما بداخلها: "حينها تقدّمت نحو منطقة الاستهداف محدثة زميلة لي بأن قلبي غير مطمئن فوجدت أشلاء متقطعة ودماء على الأرض نتيجة القصف العنيف، وللوهلة الأولى لم أتعرف على أحد وليتني لم أتعرّف فللوجع حدود وحينها اجتزتها أثناء معايشتي لشعور أن تكوني شقيقة أو أم أو زوجة لشهيد، فأخي هو أحد الشهداء الذين تقطّعت أجسادهم !!".
"انهرت وقتها وتركت الكاميرا واتصلت بزميلي لأؤكد له أن أخي هو الشهيد.. لم أتوقع في يوم ما أن أنقل نبأ استشهاد من كان يعني لي الحياة"، جملة قالتها صاحبة الإرادة والعزيمة وسط شلال منهمر من الدموع، ملحقة إياها بحمد لله وحسب بأنه هو الوكيل.
وتابعت أبو دقة لـ "قدس الإخبارية" وقد استنفذت كل طاقاتها نتيجة حالة البكاء الجياشة: " كنت خائفة على أخي الذي يعمل في الميدان ضمن طاقم الدفاع المدني، ففي لحظة من اللحظات أطلق جنود الاحتلال وابلًا من الرصاص صوب المتظاهرين السلميين شرق خزاعة فأقدم أخي مسرعًا نحوهم ليقوم بمهامه الموكلة إليه وانطلق معه قلبي مسرعًا راجيًا من الله بألا يصيبه أي مكروه لكن مشيئة الله كانت بأن يستشهد أخي الذي كان مجرد مشاركًا سلميًا في فعاليات مسيرة العودة".
أما في موطن حديثها عن والدها قالت: " إن صحة أبي متدهورة فقبل برهة من الزمن أجريت له عملية زراعة كلى لذلك عملت جاهدًا كي أخفف عن كاهله فالمصاب جللًا وليس بالهين خاصة على رجل طاعنًا بالسن"، مؤكدةً أن ذلك لن يُثنيها عن مواصلة الطريق بل ستعود للميدان وبكل قوة.
وأشارت أبو دقة إلى أن أخاها الشهيد: "تمكن من اجتياز الثانوية العامة وعمل بعدها مع أحد التجار في توزيع قرطاسية المدرسة للمكاتب إلى حين أن مكنه الله من الاستقرار في العمل وأصبح تاجرًا يدير أعماله لوحده راجيًا من الله بأن ينعم بحياة أفضل من التي كان يعيشها والاستقرار هو وزوجته وأبناءه تحت سقف يحتضن أحلامهم".
وذكرت: " من شدة حرص أخي على مشاركتنا كل طقوس حياتنا حتى وفي أدق تفاصيلها هو من اختار لي الكاميرا التي أعمل بها" مشيرةً إلى أن ذلك يعتبر حافزًا قويًا لاستكمال الطريق وستوهب عملها فداء لروحه.
وتابعت: " في كل صباح ومساء كان يمازحنا ويدخل السرور والبهجة على نفوسنا، كيف لا وهو يعتبر الرجل الكوميدي في البيت، ولم يكتف الأمر به إلى هذا الحدّ، بل كان يوفر لنا كل ما نلزم ونحتاج دون أن نطلب منه ذلك".
وأكدت الصحفية مريم، على أنه ترك بصمة في نفوس كل أبناء العائلة فكلًا منهم له موقف معين مع أخي الشهيد، مشددةً على أنهم سيفتقدونه في كل لحظة من اللحظات، خاصة في مواسم الأعياد فكان هو من يجمعهم لتبادل التهاني والزيارات التي تقوي أواصر الترابط بينهم.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت الجمعة عن استشهاد أربعة وإصابة 210 آخرين بجراح مختلفة، جراء قمع الاحتلال لمسيرة العودة السلمية واستهدافه لعدة مناطق شرق القطاع، بزعم الرد على قنص ضابط في "سلاح المدرعات" من قبل المقاومة الفلسطينية.