ثمّة نقطتان مهمتان حكمتا على اتفاق أوسلو بالفشل قبل أن يجف الحبر الذي وُقع به؛ الأولى أنّه لم يتعامل مع جميع مكونات القضية الفلسطينية، إذ ركّز على إقامة حكم ذاتي انتقالي في الضفة الغربية، وأهمل الشتات والفلسطينيين في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، كما أنّه أجّل القضايا المهمة كلها إلى مفاوضات الحل النهائي، بعد أن قدّم اعترافًا مجانيًا بحق "إسرائيل" في الوجود، تاركًا كل شيء معلقًا، بل أنّه حتى لم يوقف الاستيطان أو يُفرج عن الأسرى أو ينجز انسحابًا إسرائيليًا من المناطق الفلسطينية.
وعلى العكس من ذلك، رُبط كل شيء بالإدارة الإسرائيلية في ما يتعلّق الأمن والاقتصاد بتفصيلاتهما الكبيرة والصغيرة، وفُسح المجال أمام الدول العربية الأخرى للتطبيع مع العدو، والتنصل من التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية. والنقطة الثانية هي أنّ توقيع هذا الاتفاق، ورهن جميع القضايا الرئيسة فيه بالمستقبل، إنّما ينمّ عن عدم إدراك حقيقي لماهية المشروع الصهيوني في فلسطين.
لقد تبلور اتجاهان في الحركة الصهيونية، عُبّر عنهما بعد إعلان قيام إسرائيل، وذلك حين احتجّ بعض الصهيونيين على ديفيد بن غوريون لأنّه لم يسمح للهاغانا بالتقدّم لاحتلال فلسطين كلها والوصول إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، وهو ما سنُطلق عليه الاتجاه التوراتي. أمّا الاتجاه الآخر فهو الذي مثّله من يمكن اعتبارهم الآباء الأوائل لإسرائيل من بن غوريون، وصولًا إلى يتسحاق رابين الذي قتله أحد المتطرفين اليهود المتأثرين بالاتجاه التوراتي. وهذا الاتجاه الثاني يربط توسّع الدولة الصهيونية بازدياد نسبة اليهود إلى عدد السكان الإجمالي، وقد حذّر بن غوريون في ردّه على منتقديه من أنّ اختلال هذه النسبة تجعل من المجتمع الإسرائيلي مكانًا لممارسة جميع أشكال التمييز العنصري. أي إنّ قدرة الدولة على التوسع مرتبطة بزيادة عدد المهاجرين إليها.
في الأعوام الأخيرة تغيّرت المعادلة داخل المجتمع الصهيوني الذي ازداد انحرافًا نحو اليمين الصهيوني التوراتي، وأصبحت عملية التوسع الصهيوني مرتبطة بمزاعم الحقوق التاريخية والدينية. لذا، نلاحظ موجة من القوانين العنصرية التي يجري تقديمها في الكنيست وتتعلق بيهودية الدولة، أو ما يسمونه الدولة القومية التي ستحكمها قوانين خاصة باليهود وأخرى خاصة بالعرب، إذ لن تنطبق على العربي صفة مواطن في الدولة، بل سيُعتبر مقيمًا فيها، وإن قام بما يعتبره العدو مخالفات أمنية، مثل التظاهر والرشق بالحجارة، فإنّ هذا يُعتبر مبررًا كافيًا لإبعاده وطرده. وقد أُقرّ مؤخرًا قانون خاص بذلك ينطبق على أهل القدس، وثمّة مشاريع متعددة تتحدث عن سيناريوهات ضم الضفة الغربية وتقسيم العرب وفق درجات مختلفة، بحسب ولائهم للدولة العبرية.
لقد انتهى حل الدولتين ومات ودفنته المستعمرات وربع قرن من المفاوضات. كما أنّ حل الدولة الواحدة، ككيان ديمقراطي تتعايش فيه جميع الأديان، مرهون بتفكيك البنية الصهيونية للدولة العبرية، لكنّه ما زال حلًا بعيد المنال. وإن كان يجب الحذر من الذين يظنون أنّهم بتلويحهم بفكرة حل الدولة الواحدة يخيفون الخصم فيلجأ إلى حل الدولتين، على اعتباره أهون الشرور، أو أولئك الذين يستخدمون الفكرة ذاتها للتقليل من مخاطر الاستيطان وضم الأراضي، على اعتبار أنّ الجميع سيكون في دولة واحدة. إنّ شرط تحقيق الدولة الواحدة، كدولة ديمقراطية، في فلسطين هو الخلاص النهائي من الصهيونية.
الحل المطروح من وجهة نظر صهيونية هو حل الدولة الواحدة بنظامين؛ نظام عنصري للعرب وآخر لليهود، هو حل الدولة القومية اليهودية التي يعيش فيها العرب في ظل كانتونات، هو نظام بقاء الاحتلال وتطبيق نظام الأبرتهايد والتمييز العنصري ومصادرة الأراضي وتكثيف الاستيطان وتهجير الفلسطينيين بالوسائل المختلفة.
المصدر: مجلة الدراسات الفلسطينية (8)