عندما توجَّه الطفل يوسف الشوامرة مع أصدقائه لالتقاط العكوب في صباح الخامس والعشرين من آذار عام 2014، لم يكن يدرك أن أشواك العكوب وجذورها وبُعدها عن مركز قريته دير العسل الفوقا ستودي بما تبقى من سِنِي عمره القصيرة.
كانت الوحدة الراجلة من جنود الفرقة الـ 77 قد أعدّت كميناً مُحكماً للأطفال الذين يبحثون عن العكُّوب. أربعُ رصاصاتٍ أطلقها الجنود عقب اختراق الأطفال الثلاثة للسياج الشائك، أدّى ما استقر من رذاذها في جسد يوسف إلى استشهاده، واعتقال من تبقى من أصدقائه المندهشين بفاجعة فقدان رفيقهم برصاص الأعداء.
في البحث عن العكوب، سقط يوسف شهيداً، وفي البحث عن سرّ استمرارية الهبة الشعبية في عامها الرابع، يرتقي العكوب ليكون مجازاً يساهم في فهم مكوّنٍ جوهريٍّ من مكوّنات الهبة الشعبية التي تتجلى في أشكالٍ متنوعةٍ من أعمال المقاومة؛ منها ما ارتبط بعملياتٍ نوعيةٍ ومتتابعةٍ فشلت أنظمة الأمن الصهيونية في استباقها ومنعها.
إنّ العكوب من أوائل النبات الذي يعقُب المطر، والعكوب يعقب بعضه البعض عاماً بعد عامٍ، وتُنقّب أشواكه. له زهرةٌ بنفسجيةٌ تتوسّط جسده، وينبت العكوب على صفائح التلال، حيث تُبنى القلاع الحمراء. بموازاة ذلك، أنْ تعقُبَ الشهيد يعني أن تتناوب أنت وهو على البطولة، يسبقك هو فتعقبه أنت، ولا يهمّ من منّا أدرك عمق باطن الأرض أولاً، لأن لا شهيدَ دون عقيبِه، ولا عكوبَ دون جذوره الممتدّة نحو باطن الأرض، والذي يُعتبَر عقابنا السرمدي على من يأتي البلاد غازياً.
إذاً، فالعكوب هو البحث المستمر عن عمق الروابط الإنسانية في ظلّ هشاشة المشاع الاجتماعي الأوسع؛ عن الصداقة والحب، والإخلاص والإيثار، وضعضعة آفة الأنا والتخلص منها. كذلك عن الشهادة والصداقة، والشهيد الصديق والشهيد الأخ والشهيد ابن العم والخال والشهيد النموذج، وعن الجماعة وتبلوُر قيمها في حواضن الصداقة والمحبة والإخاء.
الصداقة تربة الثورة
الصداقة تُبنى كما أيٌّ من العلاقات، والبناء ينبع من ذلك الإحساس الباطني بأن أيّاً منّا لا يمكنه في النهاية أن يستقلّ؛ أن ينسلخ بالمعنى الكلي عن الحاجة الملحّة للاتصال والارتباط مع الآخر، ففي ذلك الاتصال أو اللقاء تتحدد الأنا، ويتم عبر هذا اللقاء تثبيت سرديّتنا حول أنفسنا، أو نبذُها وتفكيكها في ظلّ اندفاعنا نحو غِمار الانكشاف والبوح للصديق.
ولهذا، يكمن سرّ الصداقة في عملية اللقاء، وهي عمليةٌ لا يمكن لها أن تقتصر على الصدفة؛ فكلّ لقاءٍ يُعزّز إمكانية انفتاح الأنا على الآخر. بتعابير أخرى، يشكّل اللقاء بداية سيرورةٍ لا يمكن لها أن تقف عند أول لقاءٍ، فعندها يمكن التحدث عن المعارف؛ أي من نعترف بوجودهم ونملك انطباعاتٍ بدائيةً عنهم.
في الكثير من الأحيان، يُفضي اللقاء إلى تشكّل مجموعةٍ من التصورات عن الآخر، ولكن إذا ما توقفت اللقاءات، لا يمكن للصداقة أن تنبُت، فتقف حدود العلاقة عند تلك التصورات، إذ إنّ الصداقة بحاجةٍ إلى سيلٍ من اللقاءات واقتسام الزمن حتى يُجسّد كل لقاءٍ شذرةً حين نراها بكليّتها، تصبح صورةً مستمرةً حول اقتسامٍ واعٍ للحياة.
وبالرغم من اعترافنا المسبق بأنّنا نحتاج لبعضنا البعض، إلا أنّنا في خطابنا اليومي المُعاش نربط ما بين الحرية والاستقلالية، ونخلُط في الكثير من الأحيان ما بين القوة والتخلص من المشاعر؛ أي أننا نخلُط ما بين القدرة على مَنْطَقة المشاعر وإخضاعها لعقلانيةٍ تمكنّنا من التأقلم مع الرعب الذي يصاحب تشكّل علاقات حبٍّ قويةٍ، وما بين مفهومنا عن قوة الشخصية.
وما الحب إلا ثورةٌ صغيرةٌ في كيان الفرد، تنقل صاحبها من حالةٍ إلى أخرى، وتضعه أمام رعب الفقدان، أو رعب إعطاءِ أو كسب ثقةٍ يمكن لها أن تنهار في وجه تقلّب الزمن وعبثه أحياناً. لذلك، نجد الكثيرين اليوم ممن يحتفون بعدم وقوعهم في براثن الصداقات القوية أو العلاقات الإنسانية ذات القدرة على إحداث التحوّل في الذوات، وممن يجد في سيولة علاقته الاجتماعية بنيةً تحتيةً لحرّيته من الآخر، وبالتالي حرّيته من التورّط في الأزمات الناتجة عن الحب والصداقة.
ولربما ليست تلك السيولة إلا تعبيراً عن طبيعية البُنى الاجتماعية التي تمّت إعادة هيكلتها في ظل هيمنة الشخصية النيوليبرالية على إنتاج المشاعر والرغبات، بل في تعريف معنى ومضمون السعادة كمسعىً دائمٍ مرتبطٍ بالقوة الشرائية للفرد.
في هذا السياق، يتنبّأ أحد الكتّاب، مُعلقاً على طبيعة الصداقة في سياق تغلغل النيوليبرالية واستحداثها نموذج الفردانية النيوليبرالية بالقول: "تُجسّد الحيوانات الأليفة الآلية (Robotic pets) وشبكات التواصل الاجتماعي النهايةَ الحتميةَ لمنطق المجتمع العازم على صياغة أيديولوجية التنمية الاجتماعية/الفردانية، وما يتبعُها من مفاهيم كريادة الأعمال المُستندة إلى الفرد وقدراته، أو إلى العلاقات السطحية."(1)
ثمّة خصوصيةٌ للصداقة؛ فهي الرابط الأهمّ بعد العائلة، وأحيانا قبل العائلة، وهو الرابط الذي نختاره وننتقيه؛ أي أنه يخضع لإرادتنا. لهذا، كان علينا بادئاً ذي بدءٍ بطرح سؤالٍ يدخل في صُلب بحثنا هنا عن سرّ استمرارية الهبّة في ظلّ غياب وتهميش التنظيمات: ما علاقة الصداقة والحبّ والروابط الإنسانية بالثورة؟ ما ندّعيه هنا أن الصداقة بطابعها سياسيةٌ، وأن الألفة هي أساسٌ أقوى للثورة من الهوية.
ولكن قبل أن نغوص في ذلك، علينا التأكيد أنّ للمشاعر دوراً سياسياً؛ إن كان في تمظهراتها - جنازة الشهداء مثالاً- أو أحياناً في الحب المتولّد من كيان الصداقات ذاته؛ أي في قدرة الأصدقاء على خلق روابط الثقة ودحض التشكّك، إذ إنّ الروابط الإنسانية، ومنها الرفقة والصداقة والقرابة تكاد تكون بأهمية الهوية والأيديولوجيا في السعي الكلي نحو الثورة والتغيير.
وفي هذا الزمن "السائل"، كما يطلق عليه الفيلسوف والاجتماعي زيجمونت باومان؛ أي في زمن انكسار السرديات الكبرى وتشظّيها تحت وطأة رأسماليةٍ تتمدّد وتتوسّع لتتغلل في عملية صناعة الذوات، بل تُصَبُّ في أعماق هيكلة المشاعر ذاتها، وفي ظلّ انهيار تلك السرديات الأيدولوجية الجاهزة- الإسلام هو الحل والقوالب الاشتراكية والشيوعية- أمام وطأة حركات الاحتجاج العربية، تصبح صِلات القرابة والصداقة والحب الحواضنَ الأهمَّ، ولربما الأكثر تأثيراً في القدرة على خلق البدايات الثورية، وأحياناً في قدرة حالات المقاومة على الاستمرار في ظلّ غياب البُنى التي تضمن استمرارها.
أحياناً، تعجز الأيديولوجيات والهويات الكبرى، على شاكلة الهويات الوطنية والدينية والقومية، عن أداء ذاك الدور، كونها في النهاية ليست أكثر من محاولةٍ لتكثيف الواقع من خلال تأطيره النظري/الخطابي. لكن بالمقابل، ما توفّره حواضن الصداقة يتيح إمكانيةً كبيرةً لنقل الأيديولوجيا/النظرية إلى حيّز التطبيق؛ أيّ أنّها تعمل كما يعمل المحرّك، بحيث تجد النظرية ما يدفع عجلاتها إلى الأمام، بمعنى القدرة على إدراجها في سيرورةٍ إجرائيةٍ إذا ما حاولنا مقاربتها بمقاربة جرامشي في فلسفته الإجرائية (Philosophy of Praxis).
ومن بين ما توفّره الروابط الإنسانية أيضاً، ومنها الصداقة، هو القدرة على استكشاف قوّة الجماعة، فهي بداية انكشاف الجماعة على بعضها البعض، والأنا على الآخر. وفي ظلّ عملية التعرّي/الانكشاف الاجتماعي، تستحيل علاقات الصداقة وعلاقات الحب، بمختلف تعابيرها ومعاييرها، صِلتَنا الأساسية، بل المركزية مع الجماعة.
بذلك، لا يمكن للحرية أن تكون انسلاخاً عن التعلق أو التمسّك بعلاقاتنا الإنسانية وفي عملية تجذيرها، بل لربما يكون ذاك الإحساس المرتبط بالصداقات والحب ودفاعنا المُستميت عمّن حولنا مُنطلقاً نحو الحرية؛ أي أن تكون الحرية ليست حريتنا من عُمق العلاقات تلك، بل حريّتنا بها ومن خلالها؛ فالصداقة تُتيح التخلّص من القلق الوجودي الذي يُصاحب الفرد في تعاطيه الدائم، وأحياناً اللامرئي مع حتمية الموت.
بهذا الصدد، يشير "إيرخ فروم"، في مقاربته حول القلق الوجودي الناجم عن حقيقة حتمية انتهاء الزمن، إلى أنّ التكيف مع هذه الحتمية لا يمكن أن يحصل دون روابط ذات أبعادٍ تنبع من الأعماق. وبالضرورة، تلك الروابط لا يمكن لها أن تتجلّى فقط في هوياتٍ سياسيةٍ كُبرى، أي أنها بحاجةٍ إلى نماذجَ حيّةٍ تنبع في الكثير من الأحيان من تشكّل الصداقات.
لربما تنبع مفارقة الهبة الشعبية في عامها الرابع من أنها تأتي في سياقٍ زمنيٍّ يتمّ التأكيد فيه على قدرات الفرد، ضمن مظلةٍ من المفاهيم سُمّيت خطأً بالتنمية الاجتماعية، والتي يُراد بها مكْننة إنتاجيّتنا، بحيث نصبح أدواتٍ أنجع في ظلّ هيمنة منطق السوق المُرتبط بمفهوم التنافسية على مضامين وجوهر العلاقات الإنسانية، بل في إعلاء التنافسية إلى العلاقة الوحيدة المُمكنة في ظل هيمنة منطق السوق.
فتبعاً لهذا المنطق، علينا مثلاً التحلّي بضبط الوقت، والحِفاظ على وتيرةٍ عاليةٍ من الإنتاجية، وتمكين أنفسنا في ظلّ عجلة السوق اللامتناهية، والبحث عن مصالحنا، والتحدّث بصيغة ما نكسبه وما نخسره؛ أي في منطقٍ عقلانيٍّ منفعيٍّ يصل حدّ تسليع المُتعة والسعادة.
لذلك، تتحوّل الصداقة ضمن سيرورة علاقات الإنتاج هذه إلى ما تؤدّيه من منفعةٍ ماديةٍ عينيةٍ ومُحدّدةٍ، وتتمحور في ظلّ إعادة الهيكلة النيوليبرالية إلى تشكّل ذواتٍ لا ترى في الصداقة إلا سُبُلاً لغايةٍ؛ أي إلى غايةٍ منفعيةٍ- ماديةٍ صرفة. بالمقابل، قد تُجسّد طبيعة العلاقات الاجتماعية المُنطوية تحت مظلة الصداقة نقلةً في هياكل الشعور ذاتها، أي في مدى وعُمق الترابط ما بين الأنا والآخر، وفي قدرة تلك الروابط على خلق تحوّلٍ نوعيٍّ وثوريٍّ في الذوات.
وإذا ما أخذنا شكل ومضمون العلاقة المُستِندة إلى قيمة "التنافس" التي تتغلغل بحكم تعمّق الشبكات الإنتاجية المُرتبطة بالرأسمالية، فنحن أمام مضمونٍ سطحيٍّ، ولربّما مضادٍّ لمفهوم الصداقة الذي خطّه فواز طرابلسي حين قال: "ما يجعل الصداقة أدباً: النخوة والدماثة والوفاء والاهتمام الحقيقي بالآخر والتواطؤ العميق معه".(2)
يحمل هذا التواطؤ العميق، في بنائه الداخليّ، القدرة على فتح أفقٍ لتشكّل وعيٍ مُضادٍّ قادرٍ على تخطّي العديد من العقبات، ويبني إمكانيات المُقبل. وكأنّ القُرب من الصديق يُمكّن عملية انتقالنا من وحشة وغربة وعنف البُنى الاجتماعية والاقتصادية إلى حواضن الأُلفة والتآخي والحب. كما يحمل هذا القرب، في طياته، القدرةَ على انبعاث التحرّر من خلال عملية الالتحام التي تجسّدها الصداقات العميقة؛ تلك الصداقات التي تنبش مواضع ضعفنا وتُعرّينا، بل تضعنا أمام محكّ المواجهة أو التراجع.
على وقع ذلك، تشكَّل الصداقةُ التربةَ الخصبةَ التي ينبع منها التعاقب، والتعاضد، والتحدي، والصمود، وهي الصانعة للثقة، ليست فقط بين الأصدقاء، لكن الثقة بمعناها الاجتماعي الأوسع؛ أي هي المؤسسة الاجتماعية التي تسمح بصعود تكتّلاتٍ اجتماعيةٍ مُتقاطعةٍ ومُتداخلةٍ طّبقياً واجتماعياً، وتمتلك في طيّاتها عناصر انصهار تلك التكتلات في سيرورة العمل السياسي والاجتماعي. ولأن الصديق مرآةٌ تنعكس من خلاله صورتنا، فما بالك إن كان الصديق أو القريب هو الشهيد أيضاً! أيّ هو أسمى صور الإيثار بصراع الشهيد على الزمن في معركته الأخيرة، فالشهيد- خاصةً الشهيد المقاتل- يقطع الزمن الاستعماري المُريح، ويضعُنا أمام قابلية تضحيته التي تصبح أيضاً قابليةَ تضحيتنا.
في أن تعقُب الشهيد
كانت ولا تزال الصداقة والأخوة والقرابة الرابطَ الإنسانيَّ الذي جمع القادة، والساسة، ومن يجمعنا اليوم في سياق هبّتنا الشعبية هُم الشهداء. الصداقة نتاجٌ طبيعيٌّ لأيّة حالةٍ ثوريةٍ، وهي أيضاً قوةٌ تُنتج الثورة. لينين وستالين أصدقاء، وفيديل كاسترو وتشي جيفارا أصدقاء، وعرفات وأبو جهاد وأبو إياد أصدقاء، وحسن نصر الله وعماد مُغنية أصدقاء، والحكيم جورج حبش ووديع حداد أصدقاء، فبدايات التجارب الثورية هي تلك التي جمعت ما بين أفرادٍ استثنائيين في أزمنةٍ استثنائيةٍ.
بناءً على ما تقدّم، كيف لنا أن نعيَ أحمد نصر جرار إن لم ندرك تضحية أحمد إسماعيل جرار؟ كيف لنا أن نفقه استعدادية أبناء العم من عائلة الجبارين لخوض اشتباكٍ إن لم نعِ تلك الروابط التي جمعتهم؟ فهم أبناء العائلة وأبناء الحي وأبناء الاشتباك والشهادة على أبواب الأقصى. ولو رجعنا في الزمن قليلاً، لأدركنا أنّ من أشعل الهبة الشعبية لم يكن إلا الشهيد ضياء تلاحمة، فهو الحدث الذي دفع برفيقه الشهيد مهند الحلبي للدوس على عِداد عُمره مُسرِعاً مقتنياً أبسط الأدوات والكثير من الإرادة، ومُتسلحاً باليقين وبجغرافيا طريق الواد المُؤدّية مرةً أخرى إلى الأقصى. المفارقات كثيرةٌ هنا؛ جيلٌ تربّى بعيداً عن الأقصى يصبو إليه، وجيلٌ تربّى بعيداً عن التنظيمات أو بقربٍ يعتريه الحذر، لتضحي نقطة الارتكاز والمحرّك للعمليات المُتتابعة هي تلك الروابط الإنسانية التي تشكّلت في رحمٍ اجتماعيٍّ أوسع ما زال يحتفي ويُقدّس نماذج البطولة والتضحية.
إنّ قدرة تلك الروابط على ضعضعة الفرد وتجذير قيمة الجماعة هي ما يجعلها خطيرةً. بتعابير أخرى، يخلِّف القربُ من النموذج نماذجَ مُتلاحقةً ومُتعاقبةً، تارةً بعد سنواتٍ، وطوراً بعد أيامٍ. وفي بعض الحالات الأخرى، يختار الأصدقاء موتهم جماعةً، كما اختار عادل عنكوش وأسامة عطا وبراء صالح أبناء دير أبو مشعل قَدَرهم في معركةٍ دمويةٍ على مشارف باب العامود.
بذلك، يصبح الدافع المباشر هو ذاك المركَّب ما بين الثأر للوطن والثأر للصديق، لتكون النتيجة سيلاً من شهداءَ يعقُبون بعضهم البعض، ينبُتون فُرادى وجماعةً، ويصرخون صرخة "الله أكبر" من مسافة الصفر.
ما تؤكّده هذه المقاربة، إن صحّ التعبير، هو ضيق التعاطي مع الهبة الشعبية من باب أنها تفتقر للتنظيمات، وتحمل بصمةً فرديةً، فما يجمع الشهداء هو قربهم من الشهداء، وما يُجمِع عليه من يُعادي استمرار الهبة هو قتل النماذج وتعاقبها.
نعم.. الصداقة والروابط الإنسانية العميقة هي تربة الثورة، بل إذا ما أردنا أن نضعها في سياق الفلسفي، لربّما تشكّل قدرتنا على تعميق أوصال الصداقة وتعميمها، أي توفير إمكانيات خلق روابط اجتماعية توفر حواضن الاحترام، والنجاة الجماعية المادية والإخاء، مُنطلقاً نحو تأجيج التمرد والعصيان، وتوفير البنية التحتية اللازمة لصعود الأمل، أو تعاظم إمكانية حدوث ذلك التواطؤ العميق، وما أحوجنا للتواطؤ!
المصدر: باب الواد
...............
الهوامش
1) Anonymous, “Robot Seals as Counter-Insurgency: Friendship and Power from Aristotle to Tiqqun,” Human Strike, August 27, 2013. https://humanstrike.wordpress.com/2013/08/27/robot-seals-as-counter-insu....
2) جرار، ماهر. (شتاء ٢٠١٥) الصداقة والآخر:الفن والشجن والمساواة. مجلة بدايات: https://www.bidayatmag.com/node/545