اليوم الخميس الثامن والعشرين من يونيو/ تموز 2018، هو الذكرى الثانية عشر لتدمير محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة، من قبل طائرات حربية إسرائيلية على إثر أسر الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، في العام 2006.
الطقس صيفي يشبه ذلك اليوم، الجو ملبد بالغيوم التي تبشر بيوم مشبع بالرطوبة وارتفاع درجات الحرارة، وبداية مأساة جديدة أضيفت إلى مآسي غزة.
قطعت الكهرباء لأيام متتالية، إلى أن عادت على شكل جدول الثماني الساعات -الان جدول الأربع ساعات وأقل- ثماني ساعات وصل وثماني ساعات قطع كهرباء، ومنذ ذلك اليوم وهناك من يتحكم بحياة الغزيين ولا يزال يتفنن في وضع جداول أيامهم وحياتهم من دون أن يعرف أحد عنها شيئاً.
وأصبحت الكهرباء عنوان للحصار والإنقسام والاسترزاق وأزمة الأزمات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي سيطرت لاحقا على قطاع غزة التي اعتبرت شركة الكهرباء رمزاً من رموزها السيادية عن علم وربما عن جهل.
تعمقت أزمة الكهرباء ومن يدفع ولا يدفع بدل ثمن الكهرباء إلى أن تفتقت قريحة السلطة الفلسطينية باتخاذ قراراً عبقريا باقتطاع 170 شيكل من رواتب موظفيها لصالح شركة الكهرباء، والقرار لم يستثني أحد سواء الملتزمين بالدفع وغير الملتزمين بذريعة أن الموظفين لا يدفعون ما عليهم من مستحقات.
أزمة الكهرباء تمثل أزمة الأزمات في قطاع غزة من حرية الحركة والبطالة والفقر والعلاج وقائمة طويلة من الحرمان فهي نتيجة من نتائج الحصار والإنقسام وعنوان للسيادة لطرفي الانقسام وكأن لهم سيادة وهي رمز لأزمة الفلسطينيين في قطاع غزة وتمثل لهم الإحساس بالقهر والظلم، ولو خُير الناس بين حلها وبين القضايا الوطنية الجوهرية سيكون الخيار هو عودة الكهرباء.
المفارقة أن السلطة الفلسطينية بعد 11 عاما من الإنقسام عادت لفرض عقوبات جماعية على قطاع غزة في وقت جاء الحديث عن صفقة القرن لإيجاد حل لتصفية لقضية الفلسطينية، وما قامت به لاحقا من طرح أزمة غزة الانسانية والبحث عن حلول لتحسين وضع الناس فيها، ولم تبحث في رفع الحصار وانفتاح غزة على العالم كحق للناس بحرية الحرية والسفر والتجارة والعمل.
الولايات المتحدة واسرائيل تبحثان في حل ازمة غزة، واي كانت الذريعة فكل ذلك لا يعفي السلطة من خطيئتها واستمرارها في تنفيذ سياسات وإجراءات جربتها سابقاً وفشلت في تطويع حماس وأثرت على حياة الناس وتقويض صمودهم.
الطرفان يتحملان المسؤولية وفشلا ذريعاً ومخزياً في حل أزمة الكهرباء، فكيف سينجحوا في إنهاء الإنقسام، وازمات غزة ومواجهة صفقة القرن والسياسات الإسرائيلية؟ المفارقة الثانية أن حلول إسرائيل وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول غزة، تشبه تصريحات بعض المسؤولين الفلسطينيين، الذين يرفضوا حل أزمات غزة وقال بعض منهم، شعبنا لن يسمح باستثمار الأوضاع الإنسانية في غزة وجاهزون للجوع لكن لا يمكن مقابل حل أوضاعنا الإنسانية التنازل عن القدس وحقوقنا الأساسية.
المعطيات المتوفرة لنا عن الموقف السياسي هو رفض صفقة القرن شعاراتي والموقف الميداني هو تدشين هاشتاك، وقمع المتظاهرين لرفع العقوبات عن غزة، واتهامهم بالخيانة وانهم اصحاب أجندات خارجية وولم يناضل أي منهم ضد الإحتلال.
ليست مأساة غزة انها محاصرة ومهددة بالقصف بالصواريخ، فمأسي غزة وأزماتها كبيرة وحقيقية والمطالبة، بها ليست ترف وتتجلى في الحرمان من الحق في الحياة والبطالة والسفر والتعليم والعمل والكهرباء والماء والكرامة، حياة الناس ضنك، وتفرض العقوبات من بَعضُنَا نكاية ببعضنا، والناس تموت من الفاقة والعوز والإخفاق والاحباط والانتحار والهجرة.
كل ذلك وصفة لاستثمار الاحتلال وأمريكا الأوضاع الإنسانية في غزة، استثمروا أنتم في غزة والناس وعدم الإكتفاء بمعارضة ورفض أي خطوات وقدموا مبادرات وطنية جديدة وجدية، وأعيدوا الانسجام الداخلي، وإنهاء الانقسام والتراجع عن العقوبات واعادة الرواتب والكهرباء إلى غزة، فقضايانا وفي مقدمتها القدس يعرف الشعب الفلسطيني كيف يدافع عنها، أما الرواتب والكهرباء وباقي الحقوق، فهي إنجازات يمكن تحقيقها، وليست معجزة إلاهية.