الخليل المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: يكاد ينفجر الزائر للمسجد الإبراهيمي، من قسوة الحسرة التي تنتابه، إثر مشاهدة جولات الرقص والغناء التي تملأ باحات أقدم مكان مقدّس في العالم، من قبل عصابات المستوطنين الأكثر تطرفًا وعنصرية، حيث تفوح رائحتهم المشوبة بالقتل والكراهية لتعم باحات المسجد في وقتٍ تتواصل فيه أجواء الصمت المطبق عربيًا وفلسطينًا وعالميًا.
مزقت قوات الاحتلال الإسرائيلي كافة الأعراف والمواثيق وألقت بها في أفران الصهر، وضربت بقرارات منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "اليونسكو"، التي أدرجت بلدة الخليل القديمة ومسجدها الإبراهيمي منتصف العام الماضي، ضمن الأماكن التراثية في العالم، عرض الحائط، مختزنة تلك القرارات في قاعاتها المغلقة دون أن ترى النور.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل يومين، عن افتتاح ما يسمى بوزير أمن الاحتلال "جلعاد أردان"، للمرة الأولى منذ قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي مركز شرطة في التجمع الاستيطاني في الخليل، زاعمًا أن المركز “سيعزز السيادة الإسرائيلية، ويخدم قرابة 30 ألف مستوطن يعيشون في الخليل ومستوطنة "كريات أربع".
[gallery type="slideshow" ids="151577,151578,151579,151580"]يؤكد خطيب المسجد الإبراهيمي حفظي أبو سنينة، أن هدف قوات الاحتلال الإسرائيلي من وراء إقامة مركز لشرطتهم داخل الإبراهيمي هو مواصلة تهويده، واستباحة أجزاء وأقسام الحرم بشكل كامل، والتضييق على المصلين وزوار الحرم، وتغيير معالم المنطقة وأسرلتها.
وأشار أبو سنينة في حديثه لـ"قُدس الإخبارية"، إلى أن البوابات الالكترونية والحواجز وكاميرات المراقبة الموضوعة على مداخل وباحات الحرم الإبراهيمي وفي داخل أقسامه، لا تقل خطورة عن إقامة مركز شرطة داخله، مناشداً كافة المنظمات المحلية والإسلامية بالتدخل الفوري والعاجل لإحباط مخططات تهويد الإبراهيمي ومحيطه.
وبحسب بيانات مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في الخليل، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع رفع الآذان من مآذن الإبراهيمي بمعدل 60 موعد صلاة في الشهر، وتغلقه عشر أيام في العام الواحد، وتسيطر على 60% منه، وتحظر الخروج والدخول على سكان المناطق المحيطة فيه يومياً من الساعة الرابعة حتى التاسعة مساءً.
من جهته، قال الناشط الإعلامي رائد أبو ارميلةن إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستفز الأهالي والمصلين بصورة مستمرة على الحواجز والبوابات الالكترونية المؤدية إلى الإبراهيمي بالتفتيش المهين واتباع سياسة الأرقام التي يتم بموجبها دخول الأهالي إلى بيوتهم في البلدة القديمة، بهدف تفريغها من أهلها لصالح مشاريع مستوطنيهم التهويدية.
ودعا أبو ارميلة عبر حديثه لـ"قُدس الإخبارية"، الأهالي بضرورة تكثيف زيارة المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة، كوتيرة زياراتهم لها خلال شهر رمضان، مطالبًا الحكومة الفلسطينية بالرد على قرار إقامة مركز شرطة للاحتلال الإسرائيلي بزيادة برامجها وتوسيع نطاق عملها وإعلان سلسلة أنشطة متنوعة في المناطق المغلقة كردٍ أولي على طريق إفشال مشاريع التهويد.
بعد وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المتطرف "باروخ غولدشتاين" (1994) أغلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرم الإبراهيمي لمدة تسعة أشهر، وأفضت "لجنة شمغار"، إلى تقسيم المسجد الإبراهيمي إلى قسمين، وتخصيصه لدخول المستوطنين، ويحوي القسم مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى "صحن الحرم".
[gallery type="slideshow" ids="151581,151582,151583,151584"]وشكلت مجزرة الحرم الإبراهيمي نقطة تحول في واقع الحرم، وفي حياة سكان المناطق المحيطة به، فأغلقت شارع الشهداء ونحو 1820 محل تجاري في محيطه، وتمنع على الأهالي بالمنطقة، إعمار بيوتهم أو البناء في أراضيهم التي قضمتها الحواجز ومعسكرات قواتها، وأصدرت بحقهم مئات قرارات المنع والرفض الزائفة، بموجب الحق الفلسطيني.
الفلسطيني خضر شبانة الذي يسكن في بيته الملاصق لحجارة الإبراهيمي ويحول بينه وبين المسجد، رقمٌ وخمس بوابات إلكترونية وثلاث حواجز، طالب الحكومة الفلسطينية بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، لوقف جرائم الاحتلال المتواصلة بحق المسجد الإبراهيمي والمناطق المحاذية له، وللحفاظ عليه من إرهاب الاحتلال ومستوطنيه.
وأضاف لـ"قُدس الإخبارية"، أن تنفيذ القرار يعني فرض الاحتلال مزيد من القيود والشروط على المصلين والسكان، وانتهاك لحرية العبادة، وطرد الراحة والسكينة من قلوب المصلين، خاصة وأن المتطرف الذي ارتكب مجزرة الإبراهيمي كان يعمل جنديًا في صفوف قوات الاحتلال قرب المسجد، وهو ما يدع مجالاً للشك بتكرار الاحتلال للمجازر والمذابح بحق المصلين.
يضم الحرم الإبراهيمي، وهو رابع مكان مقدس للمسلمين في العالم قبور الأنبياء إبراهيم واسحق ويعقوب (عليهم السلام)، وزوجاتهم سارة ورفقة ولائقة، وتؤكد روايات أن رفاة النبي يوسف (عليه السلام)، نقل من مدينة نابلس إلى الخليل ليكون إلى جانب آبائه، وأن أضرحة آدم وسام ونوح موجودة فيه.
من جانبه، نوّه مدير هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في جنوب الضفة الغربية المحتلة يونس عرار، إلى أن هيئته ستقوم بتقديم الاعتراضات القانونية على قرار قوات الاحتلال الإسرائيلي لما يسمى "محكمة العدل العليا الإسرائيلية"، بالتزامن مع التوجه إلى المؤسسات القانونية الدولية لمنع إقامة مركز للشرطة الإسرائيلية داخل الإبراهيمي.
يشير عرار في حديثه لـ"قُدس الإخبارية"، إلى أنه وبالإضافة إلى الخطوات القانونية التي ستتبناها الحكومة الفلسطينية من أجل إحباط إقامة مركز شرطة للاحتلال، فإن المقاومة الشعبية ستتصاعد في داخل الإبراهيمي ومحيطه، وليس مستبعداً أن يتم نقل التجربة المقدسية في تنفيذ الاعتصامات المفتوحة حتى إسقاط القرار وإزالة البوابات والحواجز المفروضة بلغة القوة على مداخل الإبراهيمي.
احتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل كغيرها من مدن الضفة، في حزيران من العام 1967، وبنت أربع مستوطنات لها في قلب بلدة الخليل القديمة، يسكنها نحو 400 مستوطن إسرائيلي يحرسهم نحو 1400 جندي احتلالي، وتسعى إلى تغيير الوقائع على الأرض وتحوير "الإبراهيمي" لجعله كنيسًا وليس مسجداً.