حالة الاحتقان والكراهية التي تسود هذه الأيام في الضفة، أشد وطأة من تلك التي سادت في قطاع غزة قبل تاريخ 7/6/2007، حيث اندلعت الأحداث الدموية في قطاع غزة بين حماس والأجهزة الأمنية وارتكبت فيها جرائم حرب وما نجم عنها من استيلاء حماس بالقوة على القطاع.
كانت التوصية الأولى التي أصدرتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في تقرير أصدرته بعد أقل من أسبوع على انتهاء الأحداث ضرورة تشكيل لجنة تقصي حقائق في الأسباب التي أدت إلى تقصير الأجهزة الأمنية الفلسطينية في واجبها في حماية الحقوق والحريات أثناء النزاع الدموي الذي ساد في قطاع غزة.
وأوصت أيضاً بضرورة محاسبة من ارتكبوا جرائم بحق أرواح وممتلكات الناس خلال فترة النزاع وفي الفترة التي تلتها. كان من وجهة نظري هاتين التوصيتين أبرز ما خرجت بها الهيئة في تلك الفترة في تقرير تقصي الحقائق الذي أجرته في تلك الفترة وقد يكون من أبرز الوثائق التي صدرت وتعلقت بتلك الفترة الدامية، كونه لا يمكن لئم الجراح دون استخلاص العبر وتحديد الأسباب التي أدت إلى هذا النزاع الدموي والذي سبقه حالة من الاحتقان والكراهية والتعدي على الحريات، ودون محاسبة ومحاكمة كل من شارك بارتكاب جريمة بحق أي فلسطيني أو أصدر أمراً بارتكاب جريمة، حيث رصد التقرير جرائم حرب وقعت، وضحايا نتيجة تلك الجرائم من كلا الطرفين.
طرفا الانقسام هما من أهم أبرز توصتين، والتقت مصالحهما السياسية بالقفز عن هاتين التوصيتين حين وقعا اتفاقات للمصالحة، متجاهلين توصيتي أخذ العبر ومحاسبة المجرمين، ووقعا اتفاقات المصالحة متناسين هذه العذابات وهذه الآلام، والتي دون علاجها لا يمكن للمصالحة أن تنجح.
ما يؤلمني بعد مئات جلسات الحوار بين الطرفين، والتي كانت لا تتعدى إدارة أزمة وإدارة مصالحهما، تخرج هنا وهناك أصوات تسأل هل نسيت مؤسسات المجتتمع والمدني والحراك الذي ينادي برفع العقوبات عن غزة الدماء التي سالت في غزة، ويتذكر فقط العقوبات المفروضة على غزة.
هل نسيتم الانقسام وتريدون معالجة النتيجة، كأن الانقسام سبب وليس نتيجة تم التحذير منها مرارا وتكرارا، للتأكد من ذلك يكفي أن نعود إلى التقرير السنوي للهيئة في عام 2006 وكيف حذر من أجواء التحريض ونشر ثقافة الكراهية التي قادت إلى ما حصل في قطاع غزة.
أقول للتاريخ والحقيقة إن المجتمع المدني لم ينسى ذلك، ومن نسيه فقط قادة الحوار وموقعي اتفاقات المصالحة من كلا الطرفين، والدليل أن اتفاقاتهم لم تعالج أي نقطة فيما مضى وهربت كل بنود اتفاقات المصالحة إلى الأمام.. وقلنا لعل التسامح فيما مضى أفضل من البقاء أسرى الماضي.
هذا الوطن الذي تتصاعد فيه يومياً ثقافة الكراهية كلنا شركاء فيه، أطراف الانقسام وغير أطراف الانقسام، هذا الوطن ليس ملكاً لأحد دون غيره، ومن حقي وحق الجميع أن يعود الوطن للجميع، فنحن لسنا زائرين ولا رعايا في مزارع أحد، ونرفض أن تبقى ثقافة الكراهية سيدة الموقف.
رفع العقوبات لا يشكل حلاً لأزمة القطاع، ولا يشكل حلاً لأزمة الضفة، السلطات المغتصبة والسلطات المتناهية مددها يجب أن تجدد من خلال صندوق الاقتراع، وهذا أفضل المداخل لإنهاء الاقتسام، لكن علينا أن نسبق ذلك بثقافة التسامح المبنية على محاسبة المجرم، فكما وصف قبل يوم واحد من أحداث أمس اعتداء أفراد أمن على قاضي بأنه جريمة واتخذ اجراءات كان من ضمنها إعفاء قائد منطقة من مهامه، أعتقد أن اتخاذ خطوات ممائلة بحق كل من اعتدوا على مدني يوم هو أول خطوات تبديل الكراهية إلى تسامح، فبغير هذا التسامح المبني على معاقبة الجاني لن يكون هناك يا سادة، شعب قادر على إفشال صفقة القرن، بل أقول إن استمرينا بنهجنا وبما نحن عليه نكون نحن من يصنع صفقة القرن.
تذكروا إننا مواطنون ولنا حق في هذا الوطن. وعلى من هم في موقع صنع القرار أن يبادروا لنزع الفتيل، لنا في الأردن وتونس تجربة ولسنا بحاجة إلى تجارب الآخرين.