شبكة قدس الإخبارية

81 يومـًا دون عُلاها

مريم شواهنة

نابلس- خاص قُدس الإخبارية: كان يوماً عادياً، خرجت فيه متجهة لجامعتها، يومٌ سعيد ومليئ بالبهجة، إذ كانت البسمة تملئ محياها، هذا ما قالته آخر من رأينها من زميلاتها، لكن خبراً واحداً تكفل بقلب الأمور رأساً على عقب. تلقت اتصالاً وهي تجلس معهن في إحدى أروقة الجامعة، فإذا هو اتصالٌ من عمها، يخبرها بأنه تلقى استدعاء من المخابرات الصهيونية يطلب منه إحضارها معه والمجيء لمركز تحقيق حوارة على الفور، أخبرت إحدى صديقاتها قبل أن تنصرف "هذا آخر شي كنت أتوقع إنه يصير!".

جرت هذه الأحداث يوم الأحد 11 آذار 2018، حيث وصلت الطالبة في كلية الإعلام في جامعة النجاح الوطنية، علا محمد مرشود، (21 عاماً)، هي وعمها إلى مركز تحقيق حوارة، وبعد انتظار، عاد عمها وحده مرغماً بعد أن أخرجه الجنود من المركز بالقوة حين رفض المغادرة دون ابنة أخيه، بعدما أخبروه أن الضابط ليس موجوداً اليوم ليقابل علا، وبناء على هذا فإنها ستمكث الليلة في مركز حوارة، ولكن ما تبين لاحقاً أنه تم نقل علا بعد ساعتين لمركز تحقيق "بتاح تكفا" لتبدأ قصة جديدة في سطور حياة علا بلغت حتى هذه اللحظة 81 يوماً،  قضت منها 17 يوماً في التحقيق وبضع أيام في سجن "الشارون"، فيما هي الآن تقضي الشهر هذا في سجن "الدامون".

غيابها عن البيت

"غيابها عن البيت ترك فراغًا كبيرا"، تصف شروق مرشود غياب شيقيقتها علا عن المنزل، "يعني ما بعمل جزء من أجزاء يومي إلا وعلا حاضرة فيه، بفقد حديثها، وقعدتها وحتى نومها بالبيت بنفقده"، أما والدة علا، أسماء جابر فكانت غير متواجدة في البلاد لحظة اعتقال علا وتروي لحظة تلقيها الخبر وهي في السعودية، "كان تلقي خبر اعتقال علا صعباً جداً، لسنا معتادين على هذا الحال، وما فاقم الأسى أننا بعيدون عنها لا نستطيع إليها سبيلاً كنا بين نارين أنا ووالدها علا في السجن وفي الوقت ذاته لا نستطيع الوصول للبلاد فلدينا ظروف قاهرة تحول بيننا وبين السفر لفلسطين، لم أستطع أن أكون بجانبها أو أخفف عنها.. لم أكن أتخيل يوماً أن يتم اعتقال علا! قدمنا لتصريح زيارة ولكنه يستغرق 40 يوماً ليصدر!".

شقيق علا الأصغر، إياس مرشود، (11 عاماً)، "عرفت من ماما إنه اعتقلت علا، زعلت كثير، بعدها صرت كل يوم أدخل حسابها ع تويتر اتفرج عليه وأشوف شو كانت تكتب وأعيط، يا رب تطلع علا سريع وأشوفها لأنه البيت دونها مش حلو أبداً".

المحكمة الأولى!

"كانت المحكمة الأولى لعلا أصعب شيء بمر فيه بحياتي كلها، مش لإنه خايفين من اليهود، في تلك اللحظة كان الأصعب رؤيتها مقيدة اليدين والقدمين لأول مرة"، تحدثنا شروق عن زيارتها الأولى لمحكمة إسرائيلية، "يعني أشوفها هيك بعد أن أُخذت منا فجأة، رغم أني رأيتها متماسكة وهمتها عالية إلا أن كل هذا شيئاً لم يسبق لي أن شهدته في حياتي، الانتظار الطويل، وإجراءات المحكمة!"

وحتى اليوم، عُقدت تسع محاكم لعلا، يوم 21/3/2018، كان من المقرر أن تعقد محكمة لعلا في محكمة سالم الصهيونية، وفجر اليوم ذاته، اقتحمت قوات الاحتلال منزل علا  الكائن في رفيديا في نابلس، وعاثوا فيه خراباً وتدميراً، " يومها قلبوا البيت رأساً على عقب، واحضروا علا معهم وكانت مقيدة اليدين وقد ألبسوها خوذة وواقي رصاص، وكانت تشدها مجندة من الجنزير اللي كان مربوط بالكلبشات اللي بايديها" تروي لنا شروق لحظة اقتحام المنزل وتضيف، "ما زعلنا لأنهم خربوا البيت ولا إنهم اجوا أصلاً كنا مستنين جيتّهم، بس يومها تحديداً خفنا كثير على علا لما شفناهم هيك، يعني هي كانت وحيدة بين جيشهم وعتادهم وحقدهم، ولكن الحمد لله ربنا تولاها بحفظه ورعايته".

"كان صعباً جداً تلقي الخبر من بعيد كما ذكرت لكِ، حين أسمع أنه تم اقتحام البيت وأبنائي فيه، وأن يروا أختهم بهذا الوضع، ولكن الحمد لله ربنا بينزل المصيبة وبينزل الثبات معها، ونحن كغيرنا من أبناء هذا الشعب، وعلا كأي فتاة فلسطينية ويقع عليها ما يقع على الجميع، ربنا يثبتها ويجمعنا فيها قريباً"، تقول أسماء جابر، والدة علا.

علا .. من اسمها لها نصيب

ما أن يذكر اسم علا، حتى تنهال التعليقات المادحة والشاكرة بطاقتها وهمتها المتوقدة وعزمها الذي لا يخبو لتحقيق ما تريد، "علا إنسانة طموحة جداً، وتتعب كثيراً لتحقيق ما تريد، وكل من يعرف علا يدرك هذا، إنسانة ذات رؤية"، تحدثنا عن أختها علا، شروق مرشود.

أما أحمد مرشود، شقيق علا فيقول، "علا إنسانة تحب الحياة، راقية، وتعرف هدفها وتسعى إليه بشغف، تطمح لأن تكون إعلامية تقدم جديداً لأمتها، وإلى جانب هذا تحب الورود، وكانت تقول دائماً سأفتتح محلاً لبيع الورد".

ابتسامة علا التي لم تكن تفارق محياها، كانت تخبر عن أمل عارم يملأ أضلعها.. وحلم واعد يسكن في أعماق قلبها،  فحلمها زهرٌ لا يذبل حين توارى الشمس عنه، ولهذا كتبت علا في إحدى رسائلها من السجن، "أنا بخير والحمد لله وما تخافوا ولا تقلقوا علي، أنا حالياً بعيش تجربة جديدة، ورح أحاول استفيد منها قد ما أقدر"، لم تكن تحتوي الرسائل تلك طمأنات وحسب، بل إن علا لم تنسى تفاصيل حياة أحبائها، فكانت ترسل المباركات عبر رسائلها وتستفسر عن أحوال من تعرفهم.

الفصل الأخير في الجامعة

كان من المتوقع تخرج علا مع نهاية الفصل الدراسي هذا، تخبرنا والدتها، "أكثر شيء استصعبته أن علا لن تتخرج هذا الفصل، مع إنه لم يتبق لها إلا ساعات تدريب وباعتبار أن علا طيلة حياتها الجامعية وهي تتدرب، وهي فتاة نشيطة تسعى لتطوير ذاتها دائماً، ومع هذا يبدو أن الجامعة لا تريد أن تحتسب لها هذا، ورغم ظرفها التي هي فيه لا تريد أن تتعاون معها، كل الرسائل التي تصل من علا تذكر فيها "شو صار بالتدريب؟ حكيتوا مع الجامعة؟ حيحسبوا الفصل وإلا لأ؟.. الجامعة تقول هناك قانون جامعة.. ولا أدري لماذا تصر الجامعة على موقفها غير المتعاون ولا تتعاطف مع هذه الحالات!"