شبكة قدس الإخبارية

الشهيد إبراهيم الأعرج... الرشاش في مواجهة الطائرات

سائد نجم

بيت لحم- خاص قُدس الإخبارية: كان برد آذار يكسو مخيم عايدة شمال بيت لحم في يومه الثامن عام 2002، عندما اعتلت طائرات الاحتلال الإسرائيلي قبة سماء المدينة بحثاً عن القيادي إبراهيم الأعرج (37 عاماً)، الذي خرج من بين زقاق المخيم في تلك الليلة ممتشقاً رشاشه، يتأمل "كيف تشتبك الأرض مع السماء".

سرعان ما انتشر خبر اجتياح مدينة بيت لحم في ذلك الحين تزامناً مع أحداث الانتفاضة الثانية، ليتأهب الأعرج ورفاقه المسلحون داخل المخيم في جولةٍ بين الزقاق، وصولاً لشارعٍ اعتلتهم فيه طائرةٌ عسكرية. تيقظ خلالها القيادي الأعرج لـِ "ليزر" قناصٍ صُوِّبَ نحوه من الطائرة، ليباغتها بحركة سريعة ويبادرها بالاشتباك.

وبحسب الروايات المتناقلة من رفاقه، تقول ابنته رنا الأعرج لـ"قدس الإخبارية"، إن المخيم ضخب في الساعة الثالثة فجراً حينها على وقع الرصاص المنسكب من الطائرة صوب والدها، وسقط مصاباً في أحد أطرافه يتنقل ويعرج من شارع إلى آخر مُكملاً اشتباكه، إلى أن انهمرت عليه أكثر من 20 رصاصة من العيار الثقيل غلبت جسده المُصاب.

وتكمل رنا، يقول رفاق أبي إنهم صُعِقوا على مُصاب قائدهم وأخذوا يصرخون "أصيب الرفيق أبو علي الأعرج"، وكلما اقترب أحد رفاقه لسحبه أطلقت الطائرة المستفردة به رصاصاتها نحوهم لتفرّقهم، وكلما حاول أحد منهم المجازفة لإنقاذه صرخ بهم الأعرج بأنين ألا يقتربوا فيصاب أحدهم بأذى، وبقي ينزف.

بعد السادسة من صباح اليوم التالي، توضح زوجته اُم علي لـ"قدس الإخبارية" عندما أيقظها "كابوس" أرّقها بينما كانت نائمة هي وأطفالها الخمسة في تلك الليلة العصيبة التي لم يبِت فيها "أبو علي"، واندفعت مفزوعة على خبر إصابة زوجها، إلى منزل شقيقه القريب تسأل عن حاله، فقال ابن شقيقه بأسى "عمي إبراهيم"... ثمّ صمت وحرف عنها ناظريه، لترد عليه بحنق "ماله أبو علي؟"، لينفجر هو بالبكاء، وتعلم هي جوابها بدون كلام.

تكاملية العمل النضالي

كان "أبو علي" الذي نزح من قرية الولجة القديمة إلى المخيم يبحث عن التكاملية في حياته اليومية، تقول ابنته روان، إن عمله العسكري والسياسي لم يزعزع اهتمامه بمنزله، فكان فيّاض الحنان، يلبي كل متطلبات العائلة.

وتصف ابنته روان بالقول، "لقد كان يشجعني على القراءة والدراسة لأن العلم والفكر بنظره هما وسيلة الفلسطيني للحفاظ على هويته وطريقه للوصول إلى حقه، مضيفةً "أنه كان يحثني على الغناء أيضًا، كنت لا أشعر بالأمان سوى معه، كان مبتسمًا ومحبوبًا من قبل الجميع، رحيم القلب، ضحى من أجل فلسطين الحبيبة".

وتؤكد شقيقتها رنا، أن انخراط والدها في العمل العسكري بالانتقال من النشاط السياسي في قيادة الجبهة الشعبية في بيت لحم، جاء بعد اغتيال المؤسس للحركة أبو علي مصطفى.

تكاملية الأعرج في العمل النضالي لم تقتصر على ذلك فحسب، بحسب ابنته رنا، فإن وجود الشهيد "أبو علي" في مركز قيادي لم يمنعه عن مشاركة رفاقه ميدانياً في التفاصيل، فكان عضواً فاعلاً في إصلاح وإعداد الأسلحة لجميع الفصائل، كما أنه توأم ذلك النشاط بالانشغال على الجانب الثقافي، فأسس مركز غسان كنفاني الثقافي في مخيم الدهيشة، كما وقام بإنشاء فرقتي الدبكة والأغاني الوطنية.

لم يسلم الأعرج في بداية شبابه من التنكيل به خلال تواجده في الأردن، فمكث في السجون الأردنية حين كان عمره (19 عاماً) كمّاً من الأشهر، وفقاً لما أرّخ موقع الجبهة الشعبية عن التاريخ الشهيد الأعرج، فيما اعتقل على أيدي الاحتلال الإسرائيلي أكثر من ستة أشهر إدارياً.