فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: خلافاً للمحتفلين في عيد الفصح المسيحي في بيت لحم، استيقظ دانيال أبو حمامة (26 عاماً) صباح يوم الثالث والعشرين من نيسان عام 2006، يُعِدّ نفسَه بالاستحمام وتنظيف السلاح، استعداداً للخروج في يوم تتجمع فيه العائلة.
"تلبية لطبيعة عمله كونه عنصر في القوات الخاصة"... بهذه الحُجة كان دانيال ينجح بكتمان سره في خروجه بأوقات متأخرة أو مناسبات محببة لديه، تقول والدته لـ "قدس الإخبارية".
انطلق دانيال من المنزل، ولم يغب عن ذهنه في ذلك اليوم استشهاد رفيقه جبر الأخرس قبل ذلك الأحد بأسبوعين بالضبط، والذي يصف والده "لقد تلقى الخبر بالبكاء والتأثر الشديد"، ليلتقي مع رفاقه أحمد مصلح وعرفات أبو شعيرة في مخيم الدهيشة للاجئين.
كانت وتيرة الانتفاضة الثانية قد انخفضت في ذلك العام، والقرار السياسي والتنظيمي ميّالٌ نحو التهدئة وإنهاء العمل العسكري، حين قرر دانيال ورفاقه في - ظل المخاوف - الاستمرار في المقاومة سرّاً، في وقتٍ بدأت فيه "إسرائيل" تنفرد بالمقاومين.
المكالمة التي أوقعتهم بالشرك
لم يمضِ على تحرك الشبان من منزل أحمد مصلح في المخيم سوى سبع دقائق، حين دوى صوت انفجار وإطلاق نار وانتشار أخبار عن عملية اغتيال واعتقال وقعت قرب مستشفى الأمراض العقلية قامت بها وحدة المستعربين "الإسرائيلية"، بحسب ما قاله حازم شقيق أحمد لـِ "قدس الإخبارية".
ويضيف حازم، "هرعت فور وصول الخبر، إلى مكان الحادثة حيث كانت قوات الاحتلال التي أسندت وحدتها الخاصة لا تزال متواجدة، ويتابع: "وجدت شقيقي متفجّر الرأس بثلاث طلقات، وجزء من دماغه متاطير على الأرض، فيما كانت دماء دانيال ولباسه على الأرض دونه، أما عرفات فكان مكبلا قرب المركبة العسكرية، قبل أن يتم نقله واعتقاله".يقول شاهد عيان -فضل عدم ذكر اسمه- لـِ "قدس الإخبارية": "إن دانيال حين سقط من المركبة ينزف هجم جنود الاحتلال يسحلونه على الأرض إلى مخزن يبعد 15 متراً عن المركبة، وأخذوا بخلع ملابسه عنه، لافتاً إلى أن جيران المخزن سمعوا حينها صوت إطلاق نارٍ في الداخل جعلهم يعتقدوا أن عملية استجواب ومن ثم إعدام قد تمت، قبل أن تأتي مركبة إسعاف تابعة للاحتلال وتحتجزه لمدة يومين دون رفيقه الذي استُشهد.
ويروي حازم أن العائلة حين تابعت مع المباحث العامة الفلسطينية اللحظات الأخيرة، تبيّن أن مكالمة تلقاها الشبان - لم يتم الكشف عن مصدرها - طلبت منهم تغيير مسار مركبتهم، ليمروا من مكان الكمين الذي استهدفهم.
من هندسة الطيران إلى حمل السلاح
"لم يعد للعيد أي طعم" والدة دانيال تصف بأسى كيف فقدت بهجة هذا اليوم من كل عام، والتي اعتادت على سماع صوته يملأ المنزل، وحنانه الفياض يصيبها، وتبجيل أصدقائه له أمامها عندما كان يحضر.
كان دانيال يطمح خلال سنواته الأولى في المدرسة أن يصبح مهندس طيران، يقول والده، لذلك تميز في دراسته وأنهى التوجيهي بمعدل جيد، ولكنه آثر أن ينشغل في صَنعة ويؤخر أمر الجامعة، مراعاة لوضع العائلة آن ذاك كون شقيقه جورج كان يدرس، وعمله لا يكفي لتغطية أقساطهما معاً.
مع بدء تصاعد وتيرة اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين في أواخر التسعينيات، التحق داينال بجهاز القوات الخاصة التابعة للسلطة الفلسطينية لداعي العمل - كما روى لوالده - لينخرط بعد ذلك خلال أحداث الانتفاضة في كتائب شهداء الأقصى، دون أن يُشعِر أهله حتى آخر لحظة بأن عمله كان يخرج عن سياق المهنة.
ويضيف والده "لم يُذكر أن داهم الاحتلال المنزل، ولم يحدث أن أدخل رفاقه إلى المنزل، ولكن تبين بعد استشهاده أن اقتراب المركبات العسكرية حول المنزل في بعض الأحيان، كان من أجل دانيال، الذي لم يكن يبدو عليه أكثر من تفاعله الشديد لحظة مشاهدته أخبار اعتداءات الاحتلال، واستشهاد الأطفال والنساء".
قيم قائمة
وتقول والدته: "إن دانيال كان ينام كثيراً خارج المنزل بحجة المناوبة والعمل، وإنها حين كانت تُلِح عليه بالسؤال عن غيابه في أوقات متأخرة، يجاوبها بحزم "إوعي تفكري بيوم من الأيام إني بعمل بإشي غلط، إزا بعمل إشي.. رح يرفع راسكم طول العمر".
وتكمل أن انتماء نجلها انعكس في رفقته، وتستذكر جوابه الغاضب والحازم عندما كان يسأله أحد حول كون رفقته أغلبها من المسلمين، "عدُوُّنا واحد يفتك بنا أجمعين، وأولئك رفقتي هم مني وأنا منهم، والنقاش حول الموضوع مرفوض".
من خلال العائلتين، فإن أمر طيبة الخُلق والسرية والكتمان في عملهم المقاوم، كان المشترك بين الشهيدين دانيال وأحمد، وسبب فجيعتهم كونهما لم يتركا تمهيداً كإشعارهما بأمر ملاحقتهما، فبقيت مقاومتهم سرّاً حتى استشهادهما.