شبكة قدس الإخبارية

على حدود غزّة... للمقاومة أشكالٌ أخرى

دعاء شاهين

غزة- خاص قُدس الإخبارية: لم تعد الحدود الشرقيَّة لقطاع غزة، مناطق موحشة تجوبها آليَّات الاحتلال الاسرائيلي كالسابق، فاليوم انقلبت الموازين وأصبحت ملكيَة تلك الحدود تحت قبضة الفلسطينيين الذين خرجوا من شمال القطاع حتى جنوبه، زاحفين نحوها وصولًاا للسيّاج الفاصل مع أراضيهم المحتلة عام الـ48، مؤكدين على حقهم في العودة لها.

بتاريخ 30 آذار الماضي، الذي يتوافق مع الذكرى الثانية  والأربعين لـ"يوم الأرض" خرجت الحشود الفلسطينيّة ضمن مسيرة العودة الكبرى، فانتشرت خمسة مخيّمات على طول الحدود الشرقيّة مع القطاع سميت "بمخيمات العودة" ما بين السماء والأرض، فرض عليها نمطًا حياتيًا جديدًا، بمحاذاة أراضيهم التي يتشوقون للرجوع اليها.

صورٌ قد تبدو متناقضة شهدتها ساحة المسيرة الكبرى أمام مرمى نار قناص الاحتلال الاسرائيلي، فالأجواء بدت ساخنة، على الأرض "جرحى، شهداء طالما روادهم حلم العودة، شباب تمردوا على الاحتلال وتصدوا له بصدورهم، أبواق سيارات الاسعاف الذي اختلط بصوت الباعة المتجولين" فيما على الجانب الآخر مئات الخيام  التي توافد عليها أصحابها الذين هجروا من قرى ومدن متعددة حملت أسمائهم.

في المساء بعد "استراحة المحارب" تعلو أصوات أهازيج الأغاني الوطنيّة، مجموعات التراث البدوي والتي تسمى بـ"الدحية"، في أسلوب نضالي جديد ابتدعه الفلسطينيين، رغم أنف الاحتلال الاسرائيلي الذي لم يتوقف عن إطلاق النار بشكلٍ عشوائي ومباشر.

وأمام تلك المشاهد برز دورة المرأة الفلسطينية الحاضر بقوّة، في ساحة المسيرة الكبرى بمنطقة الشجاعيّة شرق القطاع تحديدًا، فتكثفت الأيدي وتعاونت لتطبيق فكرة طهى أطباق السماقيّة التي امتزجت نكهتها برائحة البلاد، وتوزيعها على الجماهير المحتشدة، وذلك على غرار ما تقوم به المرابطات في باحات المسجد الأقصى من توزيع الأكلات الشعبيَّة على المرابطين هنالك، فرغم اختلاف البقعة الجغرافية إلّا أنّ الفكرة واحدة.

جاءت فكرة السماقية ضمن  مبادرتي "فكر بغيرك"، "ومثابرون للعطاء"  التي قادها قرابة 200 فتاة و300 شاب تطوعوا  في تقديمها على خط النار.

[gallery type="slideshow" ids="145412,145413,145414"]

وتعرف السماقيَّة على أنها أكلة شعبيَّة مشهورة في غزة، تقدم عادة في جميع المناسبات المهمة وخاصة في اليوم الأول من أيَّام العيد، وسبب تسمية الطبق بالسماقية لإحتوائه على السماق، إضافة إلى "اللحم والسلق، والحمص الحَب، والطحينة والزيت".

وعن سبب اختيار السماقيّة على الحدود وضّح الشاب العشريني توفيق الجليس ضمن الفريق القائم على الفكرة؛ لتعزيز روح العمل التطوعي، والتبرع لمساعدة عائلات التخييم خصوصًا أنهم لم يذهبوا لمنازلهم طيلة أيام مسيرة العودة الكبرى.

وبيّن توفيق أنهم اختاروا السماقيّة تحديدًا؛ لأنها أكلة يشتهر بها أهالي القطاع الأصليين وليس اللاجئين، فأرادوا توحيد جميع الفلسطينيين للمناداة بحق العودة فهو للجميع، وإثباتًا للوحدة الوطنيَّة، وقام الفتيّة بتجميع الأموال لشراء مكونات إعداد السماقيَّة، عبر تبرعات قدمت لهم من الناس البسطاء.

ودون اكتراثٍ للرصاص الحي ورغم إصابتها بالغاز المسيل للدموع الذي يطلقه جنود الاحتلال الاسرائيلي من خلف التلال على الحدود الشرقيّة، شاركت الفتاة دعاء أبو حطب بإعداد أطباق السماقية التي أشرفت علي طهيها بنفسها، معتمدة على الطريقة البدائية في ذلك، مستخدمة الحطب، موقد النار، الأواني القديمة إحياءً للتراث الفلسطيني، أمام إحدى الخيمات المقامة.

تقول أبو حطب، "شاركت في إعداد وجبة أكلة السماقية ضمن مسيرة العودة للتأكيد على حقي بالعودة الى أرض أجدادي الذي طالما راهن الاحتلال الاسرائيلي على نسياننا لها".

وتضيف لـ"قُدس الإخبارية"، منذ الصباح الباكر اجتهدت في تجميع كافة متطلبات أكلة السماقية وأشعر بالفخر لأني أقوم بهذا العمل الوطني للجماهير التي جاءت تطالب بحقها، ومن خلالها نعزز صمود المشاركين المرابطين على الحدود، خاصة المصابين الذين تعرضوا  للتصويب عليهم بالقناص بشكل مباشر.

وعلى مقربة من خيمة توزيع السماقية يُحي مجموعة من الشبان مراسم الاحتفال باقتراب موعد زواج صديقهم الذي يشاركهم العودة، فهم يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا، وعلى ألحان زريف الطول ضربوا الأرض بأقدامهم وتناولوا أكلة السماقيّة الشعبيّة.

الشاب يوسف أبو سفيان (22 عامًا) جاء ليشارك بمسيرة العودة الكبرى مع رفقائه، وهو الذي فقد والده في الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، وتعرضت شقيقته للإصابة بالغاز المسيل للدموع، قال، "سنواصل دربنا في الحياة وسيبقى الأمل المتجذر فينا طيلة حياتنا، وجئتُ إلى هنا لأجسد مدى أحقيّتي بأرضي، أمام مرأى عين الاحتلال الاسرائيلي الرافض لفكرة وجودنا".

وأضاف، لـ"قُدس الإخبارية" "جميع الفعاليّات المقامة ضمن مسيرة العودة فتحت باب التنافس والتعاون بين الفلسطينيِّين وأظهرت مدى قوة الطاقات الشبابية، التي مازالت تتصدى لنيران الاحتلال بشكل سلمي، معبرًا عن إعجابه "بفعالية السماقيًّة التي أعدتها نساء وطنه، معربًا عن امتنانه لهنًّ، خاصة أنه لأول مرة يتناولها، فطريقة إعدادها تحتاج لجهد كبير".

وبحسب المنظمين لمسيرة العودة الكبرى، فانها ستبقى حتى ذكرى النكبة في منتصف مايو/ أيار المقبل كتطبيق فعلي لقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة في 11 ديسمبر /كانون أول لعام 1848، والذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيٍّين في العودة لديارهم.