خذيني إذا جئتكِ يوماً إلى حضنك، وغطّي قلبي بحنانك، وشدّي وثاق قلبي المتعب برحيلك، خذيني إذا ما وقفتُ أمام عينيكِ أبحث عنكِ في يوم قال لي العالم إن اسمه "يوم الأم" ولم أجدكِ فيه.
قولي لي بربك يا أمي، كيف أحتفل بهذا اليوم وأنتِ تحت التراب وأنا لا أراكِ إلا صورة ورسمة؟!، قولي لي بربك يا أمي لماذا غاب عني قلبكِ وبخلت عليّ الدنيا أن نكون سوياً لمثل هذا اليوم؟.
هي الأقدار أجل، ولكنه الحقد الأسود الذي يُعمي قلوب وأبصار المحتلين أيضاً، هو الاحتلال البغيض الذي سرقكِ مني وسرق أمهات أطفال آخرين ما بين شهيدات وجريحات، هو الاحتلال الذي بخلّ علينا أن نكون سوياً لمثل هذا اليوم ولغيره، هو الاحتلال الذي لا يراعي قلوبنا ولا جوعنا لحنان الأم، ألا لعنة الله على الاحتلال يا أمي؟...
كثيراً ما نمرّ على صور الشهداء، نبكيهم، وعلى بكاء من يبكونهم، ولكن بربكم أجيبوني ماذا يشعر الطفل ابن الشهيدة عندما يقف أمام صورة أمه جماداً، لا تستطيع أن تحتضنه كما يُخيّل لكل طفل يقف أمام أمه، كما تفعل كل الأمهات تجاه أطفالهن؟ بربكم أجيبوني هل عدلاً أن يقف الطفل أحمد دوابشة مقابل صورة والدته في يوم الأم ولا تُلقي عليه محبتها وتأخذه بقلبها وتطبع على جبينه قُبلة الحنان؟ بربكم أعدل أن يأتي يوم الأم والطفل أحمد دوابشة لا يجد أمه يقدم لها هديتها ويقول لها "كل عام وأنتِ بقربي"؟، أعدل أن يسرق المستوطنون معاني يوم الأم للطفل أحمد بسرقته لوالدته ووالده وشقيقه الطفل علي بحريق حاقد، ألمّ بمنزلهم في دوما بنابلس في الواحد والثلاثين من تموز صيف 2016؟.
قتلني الفراق يا أمي، جمّدتني قسوة الدينا وجعلتني كهلاً رغم طفولتي، قتلني يوم الأم الذي كان من المفترض أن يُحييني بقربك، ولكنكِ رحلتِ فكيف أحيا دونكِ، ما جرى سلبني عائلتي وشعورا جميلا كان يجب أن أتشاركه معكم في كل يوم، بات الصباح كئباً والليل طويلاً والفجر لا بزوغ له والأم لا عيد لها مذ رحلتي يا أمي، باتت القرية ضيّقة بي والشخوص حولي يشبوهن بعضهم ولا يشبهونكِ في شيء.
أمي، عِديني اذا جئتكِ يوماً أن تلملميني في حضنك وفي أهداب عينيكِ، وأن توقفي بعثرتي في هذه الحياة، مبعثر أنا دونكِ، اجمعيني بحضنكِ.