أريحا - خاص قدس الإخبارية: الثالث من آذار، وجد الشاب رائد وليد الغروف (22عاماً) من مدينة أريحاً مقتولاً في ساحة فندق الميلينيوم في رام الله، وقد تعرض لعدة طعنات في جسده تؤكد تعرضه لعملية قتل، تبعها إلقائه من أحد طوابق الفندق.
جريمة قتل الغروف وقعت أثناء ما كان يشهد الفندق اجتماعاً لأعضاء مركزية فتح، أي أن الفندق كان تحت وضع أمني خاص يتطلب إشغال كل كاميرات المراقبة، إلا إدارة الفندق ادعت تعطل الكاميرات في ذلك اليوم، وخاصة الكاميرا التي تغطي مسرح الجريمة، فيما اكتشف لاحقاً أن تعطيل هذه الكاميرا كان مفتعلاً.
وجود محاولات عدة سعت لإخفاء الجريمة والتستر عليها، أثار اهتمام الرأي العام الفلسطيني، وخاصة أنه تم نشر خبر انتحار رائد والترويج له، ثم تبعها استمرار النيابة العامة برفض الكشف عن تفاصيل الجريمة وخاصة لمحامي العائلة، تحت حجة "عدم اكتمال مجريات التحقيق"، ما دفع العائلة وأهالي مدينة أريحا للخروج في مسيرات تطالب بمحاسبة منفذي الجريمة، والكشف عن مجريات التحقيق.
العائلة تطالب بكشف الملف
عائلة الغروف نشرت بياناً لها في 13 شباط، جاء فيه، "النائب العام يخفي مجريات التحقيق في جريمة قتل ابننا المغدور وأن النائب العام الفلسطيني يتعمد إخفاء مجريات التحقيق ويرفض إطلاعهم على حيثيات الملف والنقاط التي وصلت إليها التحقيقات ويرفض أيضا السماح لوكيل العائله القانوني الأستاذ محمد الهريني بالاطلاع على مجريات التحقيق".
وعبرت العائلة عبر بيانها عن حقها، "بمعرفة السبب والدافع الحقيقي خلف هذه الجريمة النكراء والتي كثرت الشائعات حول السبب الحقيقي"، مستنكرة رفض النائب العام إطلاع محامي العائلة محمد الهريمي على مجريات التحقيق، بذريعة عدم استكمالها، وهو ما وصفته العائلة ببيانها بـ "ذريعة واهية".
وأكدت العائلة في بيانها على أن استمرار إخفاء التحقيقات بملف مقتل الشاب رائد الغروف سيشكل شرارة غضب عند العائلة، كما أنه يهدد السلم والاستقرار الأهلي، مطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتدخل العاجل والإطلاع على أسباب رفض النائب العام طلب المحامي بتصوير ملف القضية.
إلا أنه وفور انتشار البيان على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت عائلة الغروف تتعرض لضغوطات مختلفة من قبل مسؤوليين في السلطة والأجهزة الأمنية الفلسطينية، طالبتها خلالها بسحب البيان فوراً وإقناعها أن عدم الكشف عن مجريات التحقيق هدفه مؤقت حتى تستكمل كل الإجراءات، وهو ما رضخت له العائلة المكلومة وقامت بسحب البيان، فيما أكدت مصادر لـ قدس الإخبارية أن بعض الحسابات التي نشرت البيان على فيسبوك تعرضت للاختراق وأزيل منها البيان.
النائب العام يخالف القانون
يخول قانون الإجراءات الجزائية المدعي بحقوق المدني أن يطلب على نفقته صوراً من أوراق التحقيق أو مستنداته، إلا أن ما سمح به القانون الفلسطيني يرفضه النائب الفلسطيني العام، المحامي محمد الهريمي يقول لـ قدس الإخبارية أنه لا يوجد في القانون ما يبرر للنائب العام رفض طلب العائلة بالإطلاع على مجريات التحقيق، مؤكداً على أن النائب العام لا يملك صلاحيات إعطاء وكيل المدعي بالحق المدني صورة عن أوراق التحقيق أو الإطلاع على مجريات التحقيق.
وتابع المحامي الهريمي، "أي ذريعة تساق لحساسية لقضية أو عدم اكتمال التحقيقات، فهي ذريعة بدون سند قانوني"، موضحاً أن النيابة الفلسطينية باشرت التحقيق بجريمة قتل الغروف ضمن تغييب واضح للعائلة ومحاميها عن كل التفاصيل التي تدور ضمن التحقيقات.
وأكد الهريمي على أنه تقدم بطلب للحصول على صورة عن الملف التحقيقي أو الإطلاع عليه إلا أنه تم رفض الطلب، مضيفاً، "العائلة لا يوجد لديها أي تفاصيل، فهي ليست بصورة الواقعة، ولا نعلم إلى أين وصلت مجريات التحقيق لدى النيابة العامة".
وبين أن قانون الإجراءات الجزائية يعطي الحق لمحامي العائلة بالإطلاع على كافة التحقيقات، نافياً وجود نص قانوني يخول النائب العام رفض أو عدم إجابة طلب التصوير والإطلاع على الملف، "العلاقة التي تحكم المحامي والنيابة هو قانون الإجراءات الجزائية، لا يوجد لدينا أي تكهنات وتوقعات حول سبب التستر على الملف.. ولكن ما نؤكده أن النائب العام يخالف بقرار قانون الإجراءات الجزائية المعمول به رقم (3) لسنة 2001، وهو رفض غير مبرر ولا يستند إلى قانون أو مصوغ شرعي".
وتداولت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أسماءً وصوراً لثلاثة شبان وصفوا أنهم متهمين بجريمة قتل الشاب رائد الغروف، فيما توجهت عائلات المتهمين الثلاثة إلى عائلة الغروف حيث جرى ما يعرف ضمن العرف العشائري والاجتماعي بـ "العطوة"، إذ تم الاتفاق لتأجيلها مدة عام حتى استكمل التحقيقات، حسبما ما أكدته العائلة لـ قدس الإخبارية.
إلا أن المحامي الهريمي يؤكد على أن لا يوجد معلومات أكيدة ودقيقة حول المتهمين بجريمة القتل، "لا نعلم عدد الأشخاص المتهمين وشركائهم وهويتهم وخلفية الجريمة، ما وصلنا هو ما تم تداوله في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي.. نحن لم نتلقى أي شيء حول ذلك من النائب العام حتى هذه اللحظة، وهو أمر مستغرب ومستهجن".
وشدد الهريمي على أنه من حقوق المشتكين أن يعرفوا النقطة التي وصلت إليها إجراءات التحقيق، مشيراً إلى أن العائلة أبلغته أنه تم الطلب منهم بسحب البيان الذي نشروه وطالبوا خلاله بالإطلاع على ملف التحقيق.
الإجراءات القانونية لم تكتمل والعطوة تبدأ إجراءاتها
من جانبه، أكد وليد الغروف والد الشاب المقتول رائد لـ قدس الإخبارية أنه بعد ثلاثة أيام من تقدم محامي العائلة بطلب للإطلاع على مجريات التحقيق، ردت النيابة العامة بالرفض بحجة أن إجراءات التحقيق لم تستكمل بعد، "غضبنا عندما علمنا برفض النيابة العامة إطلاعنا على مجريات التحقيق فأنزلنا بيان طالبنا خلاله بحقنا، إلا أنه تم التواصل معنا وإبلاغنا أن ذلك يؤثر على مجريات القضية، فقمنا بتوقيف البيان، بانتظار ما ستكشفه لنا الأيام القادمة".
وقال الغروف إنه حسب ما وصل العائلة من معلومات جديدة أن المتهم الثالث قد اعترف رسمياً أمام المحققين بارتكابه الجريمة، مؤكداً على أن المعلومات التي تصل العائلة تصلها من خلال قنواتها الخاصة ومعارفها وليس من خلال مصادر رسمية.
وأكد الغروف على أن العائلة لا تعلم حتى الآن الأسباب وراء قتل ابنها، "سمعنا أن المحققين غير مقتنعين بالأسباب التي ساقها مرتكبي الجريمة أمامهم.. حتى الآن لم تصلنا أي معلومات واضحة حول أسباب الجريمة ومنفذيها وكل ما يتعلق بها"، لافتاً إلى أن المتهمين الثلاثة جاءت عائلاتهم وباشرت بإجراءات العطوة،
وعن العطوة، فأكد الغروف أن العطوة تمت لمدة عام إذ تضمنت ما يسمى "فراش عطوة" بـ 250 ألف دينار، إضافة لتوابع أخرى ستفرض على كل خطوة قام بها المتهمين بالتقل خلال تنفيذهم الجريمة، مؤكداً على أنه حسب كلام وجهاء العطوة فسيتم الاعتماد على ما سيصدر من إجراءات التحقيق والاعتماد عليها لاستكمال العطوة العام المقبل أو تأجيلها لعام آخر.
وبما يتعلق بالروايات التي تداولتها المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي حول علاقة تجمع رائد مع الشبان الثلاثة، فأكد الغروف لـ قدس الإخبارية على إنه لم يجمع رائد بالشبان الثلاثة أي علاقة وخاصة أنهم الأربعة يعملون ضمن مناوبات وأماكن مختلفة في الفندق ولا يتجمعون معاً.
ولفت إلى أن أحد منفذي جريمة القتل وقع بينه وبين رائد خلاف بسيط حول العمل يتعلق بنظافة المكان، مبيناً أن إدارة الفندق طردت هذا العامل بناء على تراكم الملاحظات عليه وافتعاله الكثير من المشاكل مع العمال في الفندق، "السؤال الذي يدور طوال الوقت في رأسنا كيف دخل هذا الشخص إلى الفندق مجدداً، رغم وجود قرار من إدارة الفندق بعد السماح له بالدخول إليه.. هذا على تحقيقات السلطة كشفه".
ماذا احتوت كاميرات المراقبة وملف التشريح؟
فندق الميلينيوم الذي يعتبر من أكبر الفنادق في مدينة رام الله تحفظ على الكشف على كاميرات المراقبة التي تغطي كل جزء فيه، تحت حجة أنها كانت معطلة في ذلك اليوم، على الرغم أن الفندق كان يشهد في ذات الوقت اجتماع لأعضاء مركزية حركة فتح، أي أنه يشهد وضعاً أمنياً خاصة.
يعلق وليد الغروف، "أبلغنا على أن الكاميرا التي تغطي مكان الجريمة، وخاصة المكان الذي تم إلقاء رائد منه كانت معطلة، وقد أحضروا خبير كاميرات قام بفحص هذه الكاميرا ليكتشف أن الخلل في الكاميرا هو خلل متعمد ومفتعل.. هذا ما فهمناه حتى الآن"، مؤكداً على أن الفندق لم يكشف عن تسجلات الكاميرات ولم يطلع العائلة عليها.
وأكد الغروف على أنه تم نشر خبر انتحار نجله رائد، ولكن بعد 30 ساعة من إجراءات التحقيق تم التأكد على أن رائد تم قتله، مشيراً إلى أنه خلال هذه الفترة حاول أحد المتهمين بالفرار من فلسطين وقد ألقي القبض عليه على الحدود الفلسطينية الأردنية.
جثمان الغروف أخضع للتشريح في مشرحة جامعة أبو ديس إلا أن ملف تشريحه لم تطلع عليه العائلة حتى الآن ضمن ملفات التحقيق التي يتحفظ عليها النائب العام، كما أكد والد الشاب المغدور لـ قدس الإخبارية، إضافة لتحفظ النيابة العامة على هاتف رائد وأوراقه الرسمية التي يحملها والأموال التي كانت بحوزته، وقال، "رائد تعرض لعدة طعنات في ظهره، ومن قام بتغسل جثمانه تعهد على تقديم إفادته أمام القضاء وأمام العطوة".
النيابة العامة والأجهزة الأمنية الفلسطينية لم تصدر تصريحات رسمية واضحة تتضمن معلومات حول جريمة القتل حتى الآن، سوى ما جاء فور اكتشاف الجريمة، إذ أصدرت النيابة العامة بياناً أكدت فيها على أن تعليمات النائب العام أحمد براك تدعو "لضرورة التعاطي مع الوقائع وفق القوانين الناظمة للشأن، وأن النيابة العامة لن تتوانى عن ملاحقة الجرائم المرتكبة في ظل سيادة القانون الحاضن الطبيعي لدولة المؤسسات بإطار الجهود المشتركة للمؤسسة الأمنية الفلسطينية، التي تميزت بكفاءة الأداء ومهنية العطاء".
إلا أن استمرار إخفاء ملف التحقيق، لم يعيد يثير أسئلة حول الجريمة ذاتها وأسبابها ودوافعها ومنفذيها، ولكن بات يطرح اليوم تساؤلات أخرى حول أسباب التحفظ على ملف التحقيق؟ وهل لهذه الجريمة دوافع سياسية أو أمنية؟