رام الله – خاص قدس الإخبارية: بعد شهرين من دخولنا العام الجديد، أقرت الحكومة الفلسطينية الموازنة العامة لعام 2018 دون الرجوع للمجلس التشريعي وبمعزل عن المجتمع المدني، فيما تواصل إخفاء تفاصيل الموازنة العامة عن الفلسطينيين الذين يغذون 80% من حجم الإنفاق العام.
تسرب الخبر إلى المجلس التشريعي ومؤسسات المجتمع المدني الذين استثنوا من الاطلاع على الموازنة والمشاركة بوضعها، بعد عرضها على رجال أعمال وبعض الشخصيات المقربة من وزارة المالية، في تنصل واضح من الحكومة الفلسطينية من التزاماتها في أجندة السياسات الوطنية 2017-2022، التي تتضمن: "تعزيز الشفافية، وحكومة أكثر انفتاحا على المواطن، وتمكين المواطنين من الحصول على المعلومات".
الحكومة تخالف القانون:
يعتبر إعداد الموازنة العامة من قبل الحكومة الفلسطينية اختراقًا للقانون رقم (7) لسنة 1998 بشأن تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية، والذي أقر بناء على قانون رقم (39) لسنة 1962، وتنص مادته الثالثة على أن تقدم الموازنة للمجلس التشريعي قبل شهرين من بداية العام المالي الجديد، لدراستها وإدلاء الرأي التفصيلي حولها، قبل أن يعيدها للمجس الوزاري بعد شهر.
وإعداد الموازنة مخالفة من الحكومة للمادة الرابعة والخامسة من ذات القانون أيضًا، وخاصة أن موازنة عام 2018 لم تنص على كيفية تمويل العجز أو استخدام فائض الموازنة، بواسطة تخفيض النفقات، أو زيادة الإيرادات، أو بواسطة اقتراض محلي أو خارجي.
إلا أن المجلس الوزاري ورغم احتجاجات المجتمع المدني والمجلس التشريعي، أعلن في جلسة اجتماعه الأسبوعي التي وافقت 27 شباط 2018، إقرار الموازنة العامة، متفقًا على إحالتها إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمصادقة عليها.
ما أهمية الموازنة العامة؟
المستشار القانوني لمؤسسة الحق المحامي عصام عابدين قال لـ قدس الإخبارية، إن الموازنة العامة هي الأداة المالية الأهم للرقابة على الأداء الحكومي، إذ تعكس الموازنة العامة خطط وبرامج الحكومة وأولوياتها لسنة مالية مقبلة، "أي موازنة يجب أن تكون مبنية على سياسات اقتصادية واجتماعية واضحة، لأنها أداة تترجم السياسات التي تتبعها الحكومة في هاذين الجانبين".
وبين عابدين أن موضوع الموازنة العامة لا يمكن فصله عن سيل "القرارات بقانون" التي تصدر مؤخراً بسرية تامة ودون نقاش مجتمعي في ظل غياب المجلس التشريعي، مؤكداً على أن الموازنة العامة تفتقر لمعايير الشفافية الدولية التي تطلبها.
وأضاف لـ قدس الإخبارية، "الموازنة العامة عُرضت على الوزراء وبعض ممثلي الكتل البرلمانية، ولم تعرض على عموم الفلسطينيين الذين يمولون الخزينة بنسبة تصل لأكثر من 80% من حجم الإنفاق الجاري في الموازنة.. الحكومة تصرف من جيب المواطن، إذاً من حقه الاطلاع على كل ما يتعلق بمشروع الموازنة قبل إقرارها".
وزراء الحكومة اطلعوا على الموازنة العامة خلال جلسة اجتماع عادية، لم تهدف لمناقشة الموازنة وسماع الملاحظات عليها، إذ يكشف عابدين أنه عندما عرضت الموازنة في القراءة الأولى في 12 كانون أول، لم يسمح للوزراء الاطلاع عليها، ثم عرضت في قراءة ثانية في السادس من كانون ثاني، وأقرت بقراءة ثالثة وحولت للرئيس الفلسطيني للمصادقة عليها في 27 شباط.
ملاحظات الفريق الأهلي:
الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، طالب في ورقة موقف قدمها حول الموازنة العامة لعام 2018، الحكومة الفلسطينية اعتماد السيناريو الثالث والذي يعبر عن الإرادة الجدية في تحقيق إنهاء الانقسام.
منسقة الفريق الأهلي لميس فراج قالت لـ قدس الإخبارية، إن أهم التحفظات في الورقة التي أعدها الفريق، هي عدم التقيد بالمواعيد القانونية ومناقشة مشروع قانون الموازنة العامة والذي كان يجب أن يكون في شهر تشرين ثاني 2017.
ويعني عدم التزام الحكومة بتقديم الموازنة العامة في الموعد المحدد أن جميع أوجه الصرف اعتبارا من الأول من كانون ثاني 2018 غير دستورية، أي أن الحكومة لا يحق لها إنفاق أي شاقل، حسبما يؤكده عابدين.
وبينت فراج أن الفريق الأهلي عبر عن تأييده لسيناريو الموازنة الموحدة، والتي تعني إنهاء الانقسام، مشيرة إلى أن الفريق طالب خلال ورقته بكشف الحكومة عن أولويات الإنفاق وخاصة الذي يجري في قطاع غزة، في ظل عدم وجود تفاصيل حول ذلك في الموازنة المعروضة، "الأرقام التي وردت لا تعكس حقيقة ما سيكون على الواقع".
وأكدت على أن الحكومة الفلسطينية استدعت بعض ممثلي الكتل البرلمانية وعرضت عليهم الموازنة العامة، "سياسة الأجندات الوطنية واستراتيجية إدارة المال العام تنص على الشفافية وإشراك المجتمع المدني، وهو الأمر الذي لم نلمسه في إعداد الموازنة العامة.. الإعلام تداول عن الحكومة أخباراً جاء بها إشراك المجتمع المدني في إعداد الموازنة العامة إلا أن هذا لم يجر".
فيما أكد عابدين وهو أحد أعضاء الفريق الأهلي، أن وزير المالية سبق أن وعد الفريق مرتين سابقتين بإشراكه والمجتمع المدني في الاطلاع على الموازنة العامة، مرة كانت في مطلع 2017، فيما كانت المرة الثانية في شهر تشرين أول 2017.
وقال، "وزير المالية نكث بوعوده ولم يطلعنا على الموازنة العامة التي تم إقرارها كما أقرت في السنوات الماضية.. وهو ما يؤكد خطورة استمرار غياب المجلس التشريعي وخاصة أنه الأساس في الرقابة على الأداء الحكومية"، مؤكداً على أن الحكومة تتهرب من نشر الكثير من التقارير الدورية والوثائق التي يجب أن تنشر حسب القانون.
وعن السيناريوهات التي قدمتها الحكومة في الموازنة العامة، يوجد سيناريو موازنة الأساس فجوة تمويلية بلغت (1,737) مليون شاقل، وتضمن سيناريو الموازنة الإضافية "للمحافظات الجنوبية" عجزا قدره (1,954) مليون شاقل، وتضمن سيناريو الموازنة الموحدة فجوة تمويلية قدرها (3,692) مليون شاقل، بعد التمويل الخارجي بشقيه (دعم الموازنة والتمويل التطويري) وهي الفجوة التمويلية الأكبر في تاريخ الموازنات العامة، كل هذا في ظل عجز مزمن وتراكمي في الموازنة العامة، وضعف في الاقتصاد الفلسطيني.
وشرح عابدين خلال حديثه لمراسلة قدس الإخبارية، أن أي موازنة تكون عبارة عن خطاب تحليلي تفصيلي يوضح السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ستبنى عليها الموازنة، من خلال جداول تفصيلية بالنفقات والإرادات مع البرامج والدين الداخلي والخارجي، "ما قدمته الحكومة هو بعض أوراق عرضت في بوربوينت.. هذه ليست موازنة ولا يمكن أن نطلق عليها موازنة عامة، هي مجرد مؤشرات مالية تم أخذها من دائرة الإحصاء المركزي".
وبين أن السيناريوهات الثلاث التي قدمتها الحكومة في الموازنة العامة، تشمل جدول رقمي واحد دون وجود أي تفصيلات وتوضيحات، إذ يبين السيناريو الأول والذي أطلق عليه "الأساس" على أن استمرار الوضع على ما هو عليه في غزة سيسبب عجزًا جاريًا مقداره 4.5 مليار شاقل، فيما شمل السيناريو الثاني الذي أطلق عليه "إضافي" ضم 20 ألف موظف من قطاع غزة على الموازنة، دون وجود توضيحات حول الموظفين ووفق أي معايير سيتم إضافتهم.
ويتساءل عابدين، "نقطة ضم الموظفين وردت في سطر واحد بدون توضيحات ولا تفصيلات ودون الاهتمام بأن اللجنة القانونية والإدارية المشرفة على حل هذه المسألة لم تنه عملها ومهامها بعد".
أما عن السيناريو الثالث والذي ينص على الوحدة بين الضفة المحتلة وقطاع غزة، ورد فيه أن العجز ينتقل من 4.5 مليار شاقل إلى 6.5 مليار شاقل، يعلق عابدين، "لا يوجد شيء اسمه السيناريوهات في الموازنة العامة، يفترض أن يكون هناك سيناريو واحد لموازنة موحدة للوطن، وهو الذي يمكن أن نتصوره وأن يكون تفصيليا".
رماد في العيون!
وأكد عابدين على أن وجود سيناريوهات ثلاث في الموازنة العامة هو ليس إلا "رماد في العيون" على حد تعبيره، وخاصة أن الموازنة لم تتعامل بجدية مع الوضع قطاع غزة، "الموازنة العامة لم تذكر شيئًا عن سعي الحكومة لرفع العقوبات المالية التي فرضتها على قطاع غزة.. لدينا خشية من انفجار الوضع الإنساني في غزة وحينها الحكومة ستبدأ بالتبرير بما وردته في الموازنة العامة".
وبما يتعلق بردم الفجوة التمويلية التي وردت في الموازنة العامة دون أي تفاصيل، بين عابدين أن السيناريو الأول قال إن ردم الفجوة التمويلية سيتم من خلال الضرائب وتعديل قانون ضريبة الدخل للمرة السادسة، ما يعني فرض شرائح ضريبية جديدة.
ما ورد في السيناريو الثاني تفعيل الضرائب على الأرباح وتفعيل رسوم إضافية تأتي من خلال قانون المالكين والمستأجرين الذي ما زال المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية تعترض عليه وتطالب بتعديله، وخاصة أن الحكومة تسعى من خلال هذا القانون استفاء رسوم على كل أجر إيجار وتحويله للخزينة، يعلق عابدين، "تركيز الحكومة في ردم الفجوة التمويلية سيكون بالاعتماد على جيب الفلسطيني.. رغم أن الفرد لن يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك، فهو يمول حاليا 80% ولا يستطيع أن يمول أكثر من ذلك، وعلى الحكومة أن تبحث عن مصادر أخرى".
وعما ورد عن القدس في الموازنة العامة، أوضح عابدين أن عرض البوربوينت للموازنة العامة التي قدمتها الحكومة في اجتماعات مجلسها الوزاري، أكد على أن القدس في خطر إلا أنه لم يضع أي مخصصات مالية محددة وجديدة، خلافا لقانون العاصمة لعام 2002 والذي ينص على أن القدس يجب أن يكون لها موازنة خاصة في محل تطوير.
لا توجهات لدعم الفقراء ووزارة الصحة
من جهة أخرى، شجع الفريق الأهلي تبني سياسة الضغط على الاحتلال لمنع التسرب المالي، مطالباً مجدداً بإعادة النظر في نفقات السلطة بتبني خطة شاملة تتلاءم وطبيعة مرحلة ما بعد قرارات المجلس المركزي التي تتبنى سياسة المقاومة الشعبية ومتطلباتها.
وبين الفريق في ورقته أن البيانات المتوفرة حول الموازنة العامة 2018، لأي توجهات لزيادة دعم العائلات الفقيرة، كما لم تتضمن المبادئ الرئيسية للموازنة العامة تفاصيل عن دعم العائلات الفقيرة، معبراً عن تخوفاته من زيادة الحكومة مخصصات برنامج التمكين لوزارة التنمية الاجتماعية على حساب برنامج المساعدات النقدية للأسر الفقيرة.
وبين الفريق الأهلي أن مقترح الموازنة عبر عن توجه الحكومة تخفيض فاتورة العلاج بالخارج، إلا أن هذا التخفيض يجب ألا ينعكس على مخصصات وزارة الصحة، مطالبا بزيادة مخصصات وزارة الصحة، وخاصة الموازنة التطويرية.
وأكد على أن مقترح الموازنة العامة لم يشر إلى توجهات لإعادة تنظيم واقع المؤسسات الأمنية في محاولة للسيطرة على نفقاتها التي تشكل ما يقارب 26% من موازنة 2017، وخاصة النفقات التشغيلية "السلع والخدمات" والتي بلغ الانفاق الفعلي عليها خلال العام 2017 مبلغ (314,479,000) شاقل.
فيما تم تقدير إجمالي النفقات الجارية وصافي الاقراض في مشروع الموازنة الموحدة بمبلغ (17،933) مليون شاقل، وبارتفاع قدره 14.2% عن النفقات المتحققة لعام 2017، وبزيادة قيمتها حوالي 2 مليار شاقل، والتي تشمل زيادة الرواتب والأجور بقيمة مليار شاقل، في حين زادت النفقات الأخرى مليار شاقل.
ويرى الفريق الأهلي ضرورة لتوضيح معايير اختيار الموظفين الذين سيتم إضافتهم، وتوضيح آليات العمل للتعامل مع الموظفين الآخرين، وفلترة وتنقية فاتورة الرواتب، وإعادة النظر في العلاوات والامتيازات.
فيما تم تقدير صافي الاقراض في موازنة العام 2018 بمبلغ (900) مليون شاقل، وهو أقل بنسبة بسيطة عن المقدر عام 2017، علما أنه يستنزف الموازنة العامة ويجب ألاّ يكون فيها أصلا، إضافة لضرورة كبح جماحه وتخفيضه بشكل أكبر، حسبما يرى الفريق الأهلي في ورقته.
ماذا يقول المجلس التشريعي؟
طالب المجلس التشريعي ممثلا بالنائب الأول لرئيسه، أحمد بحر، الحكومة الفلسطينية ورئيس الوزراء رامي الحمدلله بالرحيل وتقديم الاستقالة الفورية، بعد إعدادها الموازنة العامة 2018، والتي وصفها بحر أنها فساد مالي وسياسي، وانتهاك لأبسط القواعد القانونية والدستورية وأحكام القانون الأساسي، معتبراً ما قامت به الحكومة "سابقة خطيرة" في تاريخ السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأضاف في مؤتمر صحفي عقده بحضور نواب المجلس التشريعي في قطاع غزة في 28 شباط، أن المجلس التشريعي هو الجهة الوحيدة والحصرية صاحبة الصلاحية في إقرار الموازنة والرقابة عليها، وهو الجهة الوحيدة التي تتمتع بالشرعية في حين فقدت كافة مؤسسات السلطة بما فيها مؤسسة الرئاسة شرعيتها بسبب انتهاء مدة ولاية الرئيس في العام 2009، وفق قوله.
وقال بحر، "إن الأسلوب اللاقانوني واللاأخلاقي لا يخدم المصالحة وإنما يزيد من عمق حالة الانقسام القائمة ويشكل فسادا سياسيا وماليا، يستوجب المحاسبة والمساءلة بل والملاحقة القضائية الجزائية للقائمين على هذا العمل الإجرامي بحق أبناء شعبنا".
مقارنات!
الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية محمد عبد الله، بين لـ قدس الإخبارية أن موازنة 2017 كانت تبلغ 4 مليارات و300 مليون دولار من ضمنهم 3 مليارات و850 مليون دولار كنفقات جارية، أما المبلغ المتبقي ما بين نفقات تطويرية ومستحقات متأخرة للقطاع الخاص على الحكومة بقيمة 350 مليون دولار.
وأضاف أنه إجمالي الفجوة المالية التي تتوقعها الحكومة كمساعدات خارجية بلغت 500 مليون دولار، أما في موازنة 2018 فقد ورد رقمين ضمن موازنة الأساس – بدون تحقيق المصالحة – بقيمة خمسة مليارات دولار بلغت الفجوة المالية فيها 498 مليون دولار رغم كل الإرادات والمنح المتوقعة التي ستحصل عليها الحكومة بقيمة 757 مليون دولار، مشيراً إلى أن الحكومة لم تعلن عن كيفية ردم هذه الفجوة من خلال الاقتراض من البنوك أو ديون خارجية أو من خلال السندات، أو ستعلن عن خطة تقشفية.
وبين أن الرقم الآخر وهو الذي ورد في الموازنة الموحدة – في حال تم تمكين الحكومة في قطاع غزة- بقيمة خمس مليارات و800 مليون دولار ستبلغ الفجوة المالية مليار و25 مليون دولار - بعد الإرادات والمنح المتوقعة التي وردت في الموازنة الأولى-، مؤكداً على عدم ورود مقترحات لدى الحكومة لردم هذه الفجوة.
وأوضح أن الحكومة تحدثت خلال الموازنة العامة عن ضبط النفقات، ولكن دون تفاصيل حول ذلك، إذ قد يتم ذلك بوقف التعيينات الحكومية بنسبة 100%، أو تفعيل التقاعد المبكر في المؤسسات المدنية، أو تخفيف البدلات والنثريات والسفريات التي لا يوجد لها رقم ثابت في موازنة الحكومة، والتي بلغت في عام 2017 سبعة مليارات و900 مليون شاقل، مؤكداً على أن هذا رقم كبير جدا يشكل 50-54% من إجمالي الموازنة العامة 2017.
وبين عبد الله أن تخفيض الحكومة ما تقدمه كبدلات ونثريات إلى 40%، سيصبح لدينا وفر مالي بقيمة مليار ونصف شاقل، وهو رقم جيد سيغطي الفجوة المالية في موازنة الأساس المطروحة في موازنة الأساس لعام 2018.