القدس المحتلة - خاص قدس الإخبارية: بعدما كان خطابها الإعلامي محصوراً في حالات بعينها، أصبحتْ للبطريركية اليونانية في القدس المحتلة صفحةٌ ناطقةٌ باللغة العربية على موقع "فيسبوك". لا تتوقفُ المنشوراتُ على أنواعِها على مدار الأسبوع على تلك الصفحة، والرسالة النهائية التي تعززها: "البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث محبوب الجماهير ومناهض السياسات الإسرائيلية".
وبالتزامن مع ذلك، تصاعَدَ ظهورُ عدة شخصياتٍ فلسطينيةٍ، منها دينية وأخرى من خارج الكنيسة، كمتحدثين رئيسيين باسم البطريركية، ومدافعين عنها وعن بطريركها، يتصدرون بعض وسائل الإعلام، خاصّة تلك التي لا تتوخى إعطاء منبرها لأيٍّ كان على اختلاف الأجندات.
أما ما يُفسّر هذا الظهور المتصاعد لخطاب البطريركية إعلامياً، فهو أنها استأجرت، غالباً منتصف العام الماضي، الخدماتِ الإعلامية لشركةِ علاقاتٍ عامةٍ إسرائيليةٍ، هي شركة "ديبي كوميونيكيشن"، وهي واحدة من أكبر وأنجح شركات العلاقات العامة في دولة الاحتلال. وللمفارقة فهي ذات الشركة المسؤولة عن إدارة التسويق لاحتفالات مرور 70 عاماً على تأسيس دولة الاحتلال في نيسان المقبل. وكان نشطاء في النضال الوطني الأرثوذكسي قد أشاروا لذلك أكثر من مرة في الأشهر القليلة الماضية.
ويأتي هذا الظهور الإعلامي العربي المتصاعد الناطق باسم وموقف البطريركية اليونانية في سياق محاربة البطريركية للحملة الوطنية الأرثوذكسية التي يقودها نشطاء فلسطينيون وأردنيون أرثوذكس وغير أرثوذكس، وعلى رأسهم المجلس الأرثوذكسي المركزيّ. وهي الحملة التي تكثف نشاطُها منذ منتصف العام الماضي للمطالبة باستعادة عروبة الكنيسة وإنهاء 5 قرون من الاستئثار اليوناني بالكنيسة، وعزل البطريرك ثيوفيلوس الثالث، والعمل على استعادة العقارات الأرثوذكسية التي ثَبَتَ بالوثائق تورطُه في بيعها أو تأجيرها لجهات إسرائيلية.
وقد ورد في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي أنه منذ بدء تكشف صفقات التسريب، فإن البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، لأول مرة "يحاول شرح موقفه للجمهور"، بحسب تعبير الصحيفة، ولأجل تحقيق ذلك الهدف، فقد استعان بخدمات شركة "ديبي كوميونيكيشن". أي أن البطريركية التي تدعي تمثيل رعايها الأرثوذكس العرب تستعين بالخبرات الدعائية الإسرائيلية من أجل مخاطبتهم، وهو ما يُعزز الوصف الذي يطلقه رموز الطائفة الأرثوذكسية على البطريركية بأنها "استعمار يوناني" تحكم علاقتَها بأبناء الطائفة فكرةُ السيطرة والهيمنة لا الإقناع والقيادة من موقع المشروعية.
نشاط إعلامي ملحوظ
ويلاحظ منذ بداية تشرين الأول 2017 تقريباً حراك إعلامي نشط من طرف المؤيدين والمدافعين عن البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث، خاصة على صفحات الفيسبوك. فقد ظهرت صفحتان على الفيسبوك تتبنى موقف البطريرك وتتحدث باسم البطريركية. تحرص تلك الصفحتان على تصوير البطريرك ثيوفيلوس الثالث كـرجل دين مناهض للسياسات الإسرائيلية، من خلال التركيز على تصريحاته ضدّ قوانين الاحتلال وإجراءاته بحق الكنائس والقدس. على الرغم من أنه وفي ذات الصفحتين، تُنشر صور البطريرك في لقاء مع شخصيات إسرائيلية كرئيس دولة الاحتلال "ريئوفن ريفلين".
كما تُكثِرُ تلك الصفحات من نشر أخبار وصور كل صغيرة وكبيرة تخصّ البطريركية، وبالذات الزيارات التي يجريها بعضُ أبناء الطائفة الأرثوذكسية في أوقات الأعياد المسيحية للبطريرك، وسط استخدام تعابير مثل "الدعم" للإشارة إلى علاقة هؤلاء بالبطريرك. وبطبيعة الحال، لا تتضمن تلك الأخبار أي صور لاستقبال البطريرك بالأحذية والبيض في بيت لحم، ومحاولة منعه من دخول كنيسة المهد عشية عيد الميلاد الشرقي. بالإضافة إلى صفحات الفيسبوك، افتتحت "مجموعة" فيسبوكية (جروب) ينشط فيه بعض موظفي البطريركية في نشر أخبار وتقارير حول البطريركية ورهبانها اليونانيين.
وبشكل ملحوظ، وأكثر من ذي قبل، أصبحت البطريركية أكثر نشاطاً في إصدار البيانات الصحفية وتوزيعها على الصحفيين، ونشرها في الصحف الفلسطينية. وقد كان من بين ذلك البيان الصحفي الذي عبّر فيه البطريرك عن "أسفه" للدعوة لمقاطعته وعزله والتي صدرت عن المؤتمر الشعبي لدعم القضية الأرثوذكسية المنعقد في بيت لحم مطلع تشرين الأول الماضي. كما كانت الزيارات الرسمية التي يكون البطريرك طرفاً فيها، وخاصة خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، تُلحق وعلى نحو من السرعة ببيانات صحفية وصور لتعزيز الخطاب بأن البطريرك يحظى بدعم وقبول رسمي وشعبي.
من هي هذه الشركة؟
أما هذه الشركة، فهي شركة "ديبي كوميونيكيشن" Debby Communications، والتي تحمل اسم عائلة مؤسسها "موشيه ديبي". في صفحتها على شبكة الإنترنت تعرّف الشركة بذاتها كالتالي: "مجموعة ديبي هي شركة علاقات عامة، بناء استراتيجية إعلامية ورقمية، من الشركات الأبرز في إسرائيل. أسست الشركة في العام 2004 على يد موشيه ديبي والذي عمل لأكثر من عقد كمستشار إعلامي مخضرم في وزارات حكومية مختلفة".
وفي العام 2015، أصبحت "ديبي" ممثلاً رسمياً في دولة الاحتلال لشركة "أدلمان" (Edelman) إحدى كبريات شركات الدعاية والإعلان والعلاقات العامة والتي تعمل في أكثر من 60 مدينة في العالم. وفي ذات الموقع، إشارة إلى تأسيس شركة أخرى تابعة لـ"ديبي"، هي "ديبي و رون"، نسبة لخبير الإعلان الإسرائيلي "رون شلي"، وتختص هذه الشركة بالإعلان وتسويق المحتوى الرقمي المخصص لمنصات الإعلام الاجتماعي.
وفي مسيرتها المهنية، تعتبر شركة "ديبي" واحدة من أضخم شركات العلاقات العامة الإسرائيلية، وقد حصلت على تعاقدات واسعة مع عدة شركات عالمية (مثل شركة "إنتل"، وشركة "PayPal") وإسرائيلية (مثل شركة المياه المعدنية "ماي عيدن"، وشركة المستحضرات التجميلية "أهافا"، وشركة Soda Stream، وشركة "إنرجين" المختصة باستخراج الغاز)، ومع جهات رسمية حكومية في دولة الاحتلال، بالأخص الوزارات.
عدا عن البطريرك، تشمل قائمة زبائن شركة "ديبي" وتفرعاتها، مؤسسة "أصدقاء الجيش الإسرائيلي في أمريكا"، أو ما يعرف اختصاراً بـ FIDF، ومكتب رئيس دولة الاحتلال السابق "شيمعون بيرس"، حيث قامت شركة "ديبي ورون" بالإشراف على حملة إعلامية له على شبكة الفيسبوك. كما أنها أشرفت في العام 2017 على حملة رقمية في أمريكا بهدف تحسين صورة "إسرائيل" وخلق مناصرين لها.
أما آخر زبائن الشركة فهي وزارة الثقافة الإسرائيلية ووزيرتها ميري ريجيف، والتي استأجرتْ عن طريق شركة وسيطة خدماتِ شركة "ديبي" للإشراف الإعلامي والتسويقي على احتفالات مرور سبعين عاماً على تأسيس دولة الاحتلال. الاحتفالات التي ستكون "ديبي" مسؤولة عنها هي الاحتفالات المخطط لها على مدار 70 ساعة متواصلة بدءاً مما يُسمى "يوم الاستقلال"، والتي ستشمل فعاليات ونشاطات في كل المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين التاريخية.
أما "موشيه ديبي" فيُعرّف عن نفسه في موقع الشركة كالتالي: "موشيه ديبي هو أحد الخبراء الرائدين والمبدعين وأصحاب التجربة في إسرائيل في مجالات العلاقات العامة، إدارة الأزمات، وبناء العلامات التجارية". وتضيف صفحة التعريف به بأن "موشيه" يعدّ من الرائدين في كل ما يتعلق بتطوير استراتيجية بناء محتوى مناسب، وبناء ثقة الناس، وصناعة السمعة الطيبة.
وعدا عن انخراطه في تأسيس شركته الخاصة، عمل، وما زال يعمل، "موشيه ديبي" مستشاراً إعلامياً لجهات حكومية إسرائيلية عدة. فقد كان بين الأعوام 2002-2004 مستشاراً إعلامياً لوزير الخارجية الإسرائيلي "سيلفان شالوم"، وعمل كذلك مستشاراً لوزارة المالية الإسرائيلية. كما أن وزارة شؤون المخابرات ووزارة القضايا الاستراتيجية قد استأجرتا خدمات "موشيه ديبي" في العام 2014 لمدة ستة شهور بقيمة 50 ألف شيكل.