شبكة قدس الإخبارية

معاهد مطبعة بالقدس.. "الكنيست" يستقبل طلابًا بحجة "التعارف"

سارة قراعين

القدس المحتلة- قُدس الإخبارية: تتزايد المعاهد التي تفتح أبوابها في القدس، لتعليم اللغة العبرية والمواد الخاصة بامتحان "البجروت" – امتحان الثانوية الإسرائيلية، أو تلك الخاصة بامتحان "البسيخومتري" اللازم لدخول الجامعات الإسرائيلية. حيث تستقطب أعداداً كبيرة من الطلبة، ممن يرغبون بالالتحاق بالجامعات الإسرائيلية، أو تعلم العبرية لتدبير أمور حياتهم اليومية، إلا أن بعض تلك المعاهد باتت، وتحت حجة "التعليم"، تخرط طلابها في فعالياتٍ تطبيعية لا داعٍ لها، بدعوى كسر الحواجز مع مؤسسات الاحتلال، والتعامل معها كمؤسسات "عادية".

وبالعودة إلى أرشيف المنشورات، فقد لاحظت "قدس الإخبارية" وجود عدد من الصور والمنشورات التي نشرها بعض الطلبة والأساتذة والمعاهد قبل نحو ٤ أشهر، ويظهر فيها طلاب أحد المعاهد المعروفة والعاملة في القدس منذ ما يقارب 15 عاماً، في جولةٍ تعريفية إلى برلمان الاحتلال الإسرائيلي "الكنيست"، تضمنت لقاءً مع أعضاء عن أحزاب إسرائيلية فيه.

المنشورات المرصودة تظهر صورًا ومقاطع فيديو نشرها بعض الطلبة أنفسهم، مفتخرين وكأن ذلك جزءاً من إنجازاتهم، إضافة إلى نشر الصفحة الرسمية لأكاديمية القدس "انت معنا" توثيقًا لجولة الطلبة في مرافق "الكنيست"، حيث قابل الطلبة خلال زيارتهم تلك عضو الكنيست زهير بهلول عن حزب "المعسكر الصهيوني" (هماحنيه هتسيوني)، وأحد رؤساء اللجان من حزب "ميرتس" الصهيوني، "لمناقشة الأوضاع السياسية والتعليمية"، بحسب ما وصفه المعهد في منشوره.

انتخب زهير بهلول للمرة الأولى في كنيست الاحتلال عام 2015، ويمثل حزب المعسكر الصهيوني الذي أسسه منشقون عن حزب العمل 2014. ويشغل زهير بهلول عدة مهام داخل "الكنيست"، فهو عضو في لوبي تعزيز العلاقات بين "إسرائيل" والشعب الكردي، ولوبي النهوض بالحقوق الدرزية والشركسية في "إسرائيل"، ولوبي التعايش بين العرب واليهود سابقًا وغيرها، وذلك حسب ما ورد في التعريف عنه على الموقع الرسمي "للكنيست".

وقد أظهرت مقاطع الفيديو جزءاً من نقاشات اللقاء بين بهلول ووفد المعهد، والذي غلب عليه طابع "الاسترحام" وطلب المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والابتعاد عن المعاملة الدونية، باعتبار الطرفين "سواء في دولة مشتركة".

وشارك أحد الطلاب فيديو على صفحته، تحدث خلاله عن إهمال بلدية الاحتلال للمنطقة التي يعيش فيها، "نحن نعاني من الضغط النفسي، غالبية المصابين في قنابل الغاز والرصاص المطاطي هم أطفال في طريق عودتهم من المدارس، وأنا عندما أمر بالحاجز يتم تفتيشي، يتم إخلاء الباص حتى لو كان الطقس سيئاً".

ثم يتحدث عن مروره بحي الشيخ جراح بالقدس، واعتداء المستوطنين عليه، ثم تفتيشه أمام باب العامود، ويصف نفسه بأنه "مثله مثل أي يهودي في الدولة" ويردّد: "وين كرامتنا؟؟"، حتى أنه عندما سُئل عن قبوله العيش مع الإسرائيليين معاً، أجاب "أقبل العيش معهم لكننا نريد كرامتنا"، فيما جاء الرد المعتاد لعضو كنيست الاحتلال، بالقول "كرامة الانسان وحريته هو قانون أساسي، يجب أن يكون الحساب ضد حكومة سيئة وسياسة سيئة، وليس بين الناس فيما بينهم" -يقصد الفلسطينيين والإسرائيليين-.

ولم يُضيع بهلول الفرصة لتحفيز هؤلاء الطلبة على تبني "مبدأ الشراكة بين العرب واليهود"، فأضاف، "هم شركاء، لا يجب أن نتنازل عن الشراكة اليهودية في هذه البلاد، خاصة من قبل التقدميين الإنسانيين الذين يؤمنون بأنكم أصحاب حق في أضغاث الأحلام، والتي أتمنى أن تكون أحلاماً حقيقية بأن تحصلوا على حريتكم".

المعهد يوضح!

مديرة المعهد التي طلبت عدم ذكر اسمها، قالت إن الزيارة كانت ضمن مساق يدرّس في المعهد بعنوان "مدنيات"، تقصد بذلك كتاب المدنيات "أن تكون مواطناً في إسرائيل"، الذي يدرس في المنهاج الإسرائيلي للمرحلة الثانوية، بهدف ما أسمته "التعريف بمرافق الكنيست"، نافية أن يكون لدى المعهد أي هدف يخصّ "التعايش".

وأضافت خلال حديثها لمراسلة "قُدس الإخبارية"، "في القدس تتعدد الآراء، وهذا النشاط لا يعني التطبيع وإنما هو جزء من الأمور التي يجب أن نعرفها عن المكان الذي نعيش فيه".

وفي ظلّ تزايد المعاهد التي تعلم العبرية ومواد البجروت والبسيخومتري، بدأت تتكسر حواجز جديدة في تعامل الطلبة والمجتمع مع الإسرائيليين، فأحد المعاهد على سبيل المثال اصطحب قبل فترة طلابه في زيارة لبيت معلمتهم الاسرائيلية وتناولوا العشاء مع عائلتها، وتعرّفوا على العادات اليهودية في الأعياد.

تعتبر مثل هذه النشاطات غير مقبولة لدى الفلسطينيين، وتُقابل بالرفض ومقاطعة كل من يشارك فيها أو يروّج لها، فتندرج تحت مسمى "التطبيع"، وهو مصطلح سياسي يعني جعل العلاقات "طبيعية"، أي التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي كصديق بهدف تحقيق "السلام"، خاصة بعد توقيع اتفاقيتي "كامب ديفيد" و"أوسلو" اللتين أوحتا للعرب أن طريق الصراع العربي-الاسرائيلي مشرف على الانتهاء.

كلمة لأولياء الأمور

"نحن نرفض مثل هذه اللقاءات"، كان هذا تعليق رئيس لجنة أولياء أمور الطلبة في القدس، زياد شمالي على هذه النشاطات، مضيفًا "إنهم يحاولون من خلال هذه الأنشطة استغلال أبنائنا وطلابنا لإيصال المعايير والأهداف الخاطئة، كفكرة التعايش السلمي مثلاً".

وأضاف شمالي لـ"قُدس الإخبارية"، أن النشاطات التي تستهدف طلاب القدس تتزايد، وتروّج لأفكار قبول مؤسسات الاحتلال وممثليه، محذراً من مخططات الاحتلال المستمرة لتشويه الوعي السياسي للطلبة، مستذكرًا منها فعالية استضافتها إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم بحكومة الاحتلال في شرق القدس، والتي شارك فيها "100 طالب ومعلم، وعدد من موظفي بلدية الاحتلال، إلى جانب أفراد من الشرطة، وطواقم الإطفاء، مع بعض الخيول والكلاب البوليسية، ووصفه بأنه "استخدام الطلاب لأهداف الشخصية لإرضاء المشغلين بأنهم خدمٌ لهم ولأهدافهم، من خلال مشاركة الطلبة دون الرجوع لأولياء أمورهم وأخذ الموافقة لمشاركتهم بمثل تلك المشاركات، التي ستعرضهم للمسائلة القانونية لاحقاً".

وأشار إلى أن مدرسة أخرى تقع شرق القدس، دعت للتسجيل في مسار المنهاج الاسرائيلي، مفسراً ذلك بأن الهدف من مثل هذه النشاطات هو هدف سياسي وليس تعليمي، بدليل إصرارهم على فرض أمر واقع يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي تنص على أحقية أي شعب بتعلّم المنهاج الذي يريد، وأن ذلك "أمرٌ مرفوض، فنحن نريد أجيالاً ذات انتماء تعرف كل ما يتعلق في فلسطين تاريخيا وجغرافيا، وأنه يجب الابتعاد عن زجّ السياسة بالتعليم".

وليس بعيداً عن ذلك، برامج التطبيع الكثيرة التي تستهدف المدارس في القدس، والتي كان بعضها مشاركة مدراء مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم في برنامج يهدف إلى التعايش بعنوان "مدراء معاً".

وتشهد السنوات الأخيرة، سواء على الصعيد المحلي، أو العربي، تصاعداً في محاولة إظهار "إسرائيل" ككيان مقبول وسط العالم العربي/ ففي كانون الأول الماضي مثلا، حاول وفد بحريني مكون من 24 عضواً دخول المسجد الأقصى، خلال زيارته لـ"اسرائيل"، بحجة "تحقيق رسالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة حول التسامح والتعايش والحوار بين الديانات"، بحسب ما نقلته القناة الاسرائيلية الثانية، إلا أن حراس المسجد الأقصى قاموا بطردهم.

كما ردّ الشارع الفلسطيني في الثامن من تشرين الأول الماضي بذات الامتعاض على استقبال المغرب لأعضاء من كنيست الاحتلال، بينهم وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي الأسبق "عامير بيرتس"، للمشاركة في ندوة من تنظيم الجمعية البرلمانية المتوسطية ومنظمة التجارة العالمية، ووصفوه بـ"التطبيع البرلماني".

وقد تجاوز "التطبيع" السياسة والعلاقات الدبلوماسية، فأصبح لدينا ما يسمى بالتطبيع الثقافي، كأحد الأفلام التي ظهرت مؤخراً وتم منع عرضها في رام الله، والتطبيع الرياضي الذي يظهر عند مشاركة فرق اسرائيلية، كان آخرها مشاركته في بطولة مدرسية دولية لكرة اليد تستضيفها الدوحة هذا الشهر، والتطبيع الاقتصادي، إذ تسير الأمور نحو الأسوأ بعد نجاح الاحتلال باستمالة بعض الشعب العربي والفلسطيني تجاهه، ليصبح بنظرهم جاراً وصديقاً يجب التعايش معه، فيما تستمر الأصوات الرافضة للتطبيع ومحاولات الاحتلال بذلك.