رام الله - خاص قدس الإخبارية: "أول مرة عرضتم علي كنت قد رزقت بطفلة، واليوم اقتربت على تزويجها، وأنتم ما زلتم هنا، وقضيتكم لم تحل بعد!!"، يعلق أحد القضاة في السنة العاشرة على عرض ذات المجموعة التي ألفقت لها تهماً سياسية، ولم تبت المحاكم الفلسطينية بملفاتهم حتى الآن، بل حولتهم مؤخراً إلى محكمة الجنايات الكبرى.
فريد عبد الحليم حماد (45 عامًا) واحد من بين سبعة يمثلون كل شهر تقريبا أمام المحاكم الفلسطينية منذ عام 2008، إذ ألفقت لهم تهماً سياسية إثر الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، واعتقلوا في سجون الأجهزة الأمنية ومئات آخرين حتى أفرج عنهم إثر اتفاق بين حركتي فتح وحماس في عام 2009، إلا أن ملفاتهم أمام القضاء لم تغلق للآن.
فريد حماد من بلدة سلواد شرق رام الله، يقول في السنة العاشرة على امتثاله أمام المحاكم الفلسطينية، إنه اعتقل على يد جهاز الأمن الوقائي في 28 تموز 2008، ليمكث تسعة شهور دون وجود أي سند قانوني، أو قرار من القضاء.
طيلة الشهور الثلاثة الأولى في الاعتقال لم يعرض على المحكمة، وهو ما دفع حماد للتوجه إلى المحكمة العليا الفلسطينية مطالبا بإطلاق سراحه والبت في قضيته، وقد أصدرت المحكمة حينها قراراً فورياً بالإفراج عنه، وهو ما لم تنفذه الأجهزة الأمنية.
يقول حماد لـ "قدس الإخبارية"، إنه بعد أيام من صدور قرار المحكمة العليا، واستدعي مجدداً إلى غرف التحقيق حيث تم إخباره بنية جهاز الوقائي الإفراج عنه، "هل تريد أن تلوي ذراعنا عن طريق المحكمة العليا؟.. لك ذلك!" قال المحقق.
ليفرج عن فريد، وعند وصوله بوابة مقر جهاز الأمن الوقائي، أبلغوه باعتقاله مجدداً على خلفية قضية جنائية، غير واضحة التهم، ودون أن يتم التحقيق معه على هذه القضية، "استمر اعتقالي لتسعة شهور حتى بدأت مفاوضات المصالحة التي تضمنت اتفاقاً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في الضفة وغزة".
لم تقفل الملفات في المحاكم الفلسطينية بعدما انتزع فريد حريته، بل بدأ مشواراً جديداً في المحاكم، "القضاة لم يطلعون على الملف ولا يعلمون ما فيه.. ينظر القاضي على التدوينة المكتوبة على ظهر الملف ثم يؤجل الجلسة إلى شهر أو 40 يوما، وهو المنوال المستمرين عليه منذ 10 سنوات".
فريد وآخرون الذين يواجهون تهماً سياسية منذ عام 2008 كانوا يعرضون على قاض واحد ثم تم تحويلهم إلى هيئة قضاة، إلا أن تم تحويلهم حديثاً إلى محكمة الجنايات الكبرى فور استحداثها من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس أواخر عام2017، ليكون فريد ومن معه الملفقة لهم التهم السياسية من الأفواج الأولى التي تعرض على هذه المحكمة، "ما هي التهم؟ لماذا تم تحويلنا إلى محكمة الجنايات الكبرى؟ على أي أساس أفرزت قضيتنا على أنها جنايات كبرى؟.. القاضي لا يتحدث وهو يؤجل فقط، وكل هذه الأسئلة لا نعرف إجابتها".
ويؤكد فريد على أن ملفاتهم لا تفتح في جلسات المحاكم ولم تناقش التهم التي فيها حتى الآن، "لا نستطيع مناقشة القاضي، وممنوع أن نتحدث إلا من خلال المحامي.. وإذا حدث أي تماس بيننا وبين القاضي فقد نحول إلى الاعتقال فوراً".
أحد القضاة أبلغ المتهمون بالقضايا السياسية الملفقة لهم أن قضيتهم ستحل خلال العشرين عامًا المقبلة، يعلق فريد، "هرم المحامون وبقينا نحن في هذه التهم، فتقاعد المحامي الأول، ثم جاء المحامي الثاني وتقاعد.. ونخشى الآن أن يهرم القضاة ويتقاعدون ويأتي قضاة آخرون لا يعلمون شيئاً عن قضيتنا".
المتهمون– الذين بينهم الأساتذة وإمام المسجد والصحفي - يواصلون المثول أمام المحاكم الفلسطينية تواصلوا مع هيئة المصالحة الوطنية، إلا أنهم لم يحضروا أي جلسة قضائية لهم حتى الآن، ولم يتحدثوا عن موضوعهم إعلاميا، كما أنهم لم يتناقشوا بهذه القضية في الاجتماعات الداخلية، حسبما ما يؤكده فريد، وهو الأمر الذي ينطبق على المؤسسات الحقوقية التي لم توفر لهم أي دعم حقوقي سوى التوثيق في بداية قضيتهم.
الحل السياسي هو ربما ما سينهي هذه القضية التي تحولت بعد 10 سنوات إلى مهزلة، كما يقول فريد، "إذا كنا مجرمين فنحن نريد أن نعلم على أي أساس نحن مجرمين، وإذا كان اعتقالنا ومثولنا كل هذه السنوات أمام المحاكم هو خطأ، فنحن نريد مقاضاة مرتكب هذا الخطأ وتقديمه للمحاكمة".
وعن الذريعة التي تسوقها المحاكم في الاستمرار بتأجيل القضية، يبين فريد أن المحاكم تطالب بحضور شهود، "حتى الآن حضر شاهد واحد وقال إنه لا يعرفنا، لا يوجد شيء يديننا أمام الشهود، إلا أن المحاكم تواصل البحث عن الشهود وقالت إنها لن تقفل الملف ولو لبعد مئة عام حتى يحضر الشاهد الذي تريده".
وأشار فريد إلى أن المحاكم تبحث اليوم عن شاهد أنهى خدماته في جهاز الأمن الوقائي، "نحن في التحقيق لم نر إلا المحققين، لم نجلس مع مستشارين قانونيين ولم نعرض على قضاء، فكيف المحاكم تطالب بحضور انسان عسكري لم يجلس معنا ولم يرانا وعلى الأغلب لن يتذكرنا بعد مرور 10 سنوات".
الوضع القانوني!عصام عابدين المستشار القانوني لمؤسسة الحق قال لـ"قدس الإخبارية"، إن وجود مثل هذه القضايا في أروقة المحاكم الفلسطينية منذ 10 سنوات يؤكد على عمق الشرخ وكبر الخلل بنيوية السلطة القضائية ليس القانونية وإنما البشرية.
وأضاف أن عدم بت المحاكم الفلسطينية بقضية موجودة بين أيديها منذ سنوات يشير إلى ضعف إدارة الدعاوي من قبل القضاة، وخلل عميق بدائرة التفتيش القضائي، "عدم تفعيل دائرة التفتيش القضائي يقود إلى إشكالية كبيرة في القضاء وتراكم للقضايا"، مشيراً إلى أن إصلاح القضاء لا يكون فقط بتعديل القوانين وإنما البناء البشري في السلطة القضائية التي تعاني من خلل في إدارة الدعاوى.
وأوضح أن ما يجري من تراكم للقضايا وخاصة السياسية داخل أروقة المحاكم يؤكد على تدخل السلطة التنفيذية والتي سببت هذا النزيف في القضاء، "يجب وقف تدخل السلطة التنفيذية بالقضاء فورا وإجراء إصلاح عاجل للقضاء والذي لا يأتي من السلطة التنفيذية التي سببت هذا الخلل، وإنما من لجنة وطنية مستقلة من خارج مؤسسات العدالة الرسمية، تتسم بالخبرة والكفاءة، ويتاح لها سقف زمني محدد لتقييم القضاة والخروج بتوصيات جادة وملزمة.
وأضاف، "الوضع في القضاء سيذهب لمزيد من الانهياد والتدهور إذا استمر الحال على ما هو عليه، وهو ما يؤكده الشارع الفلسطيني أيضا إذا أظهرت نتائج استطلاعات الرأي أن 70% من الفلسطينيين لا يثقون بالقضاء و90% منهم يقولون أن الأمن يتدخل في القضاء".
وعن تحويل القضية المذكورة أعلاه إلى محكمة الجنايات الكبرى، قال إنه على الأغلب أن القضاء يدين هؤلاء بقانون العقوبات لعام 1969 حسب بند جرائم أمن الدولة، تحت مسميات فضفاضة مثل: "النيل من هيبة الدول، اضعاف الشعور القومي، إثارة النعرات الطائفية".
وبيّن أن البنود التي تتعلق بأمن الدول في قانون العقوبات، هي نصوص فضفاضة تخالف القانون الأساسي كما تخالف المعايير الدولية، هدفها النيل من المعارضين وحرية التعبير، مشيراً إلى أنه تم استغلال ضعف السلطة القضائية لاستحداث محكمة الجنايات الكبرى التي ستصبح وجه لمحاكم أمن الدولة وخاصة أنها تخلو من ضمانات المحاكمة العادلة.
وأكد على أن المجتمع المدني الفلسطيني يرفض وجود محكمة الجنايات الكبرى، وقد أصدرت 200 مؤسسة فلسطينية موقف واضح اعتبرت خلاله المحكمة بالغير شرعية وخاصة أنها تنتهك الاتفاقيات الدولية، مشيراً إلى أن تحويل القضايا لهذه المحكمة يعني تراكم مزيد من القضايا وخاصة أن العمل في المحكمة لم يبدأ حتى الآن.