لم يجد رواد الحمام التركي من النساء اللواتي اشتعلت النيران بهن إمامهن سوى خيارين فإما الحياة المخجلة وهن عراة وأما الموت بشرف وكرامة، هكذا أصبحت المعادلة الفلسطينية بعد 65 عاماً من النكبة، فقرعت أجراس الإنذار في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا تنديدا ببداية فعاليات نكبتنا المشهورة، فالمكبرات الصوتية تعلن الوقوف حدادا وتضامنا لمدة دقيقة كنوع من الحزن على أرواح الشهداء وعلى تراب أرضنا المنتهك، ولئن رام الله تطابق دولة الصين الشعبية اقتصادياً والتي يتسبب تعطيل الحياة بها ووقوف المركبات لمدة ستين ثانية إلى خسارة الملايين من العمل الصعبة والدولارات الأمريكية، فرفض المواطنون تعطيل حياتهم لدقيقة من أجل الحداد ولو شكليا على النكبة، تلك رام الله التي تتسبب أزمة مرورية أو حافلة قمامة أو تعبيد طريق في وضح النهار إلى تعطيل الحياة لساعات وربما أيام. فمع صدور جرس إنذار النكبة لم يقف متحركا ولم يأبه أحد لهذه الدقيقة سوى بضع صحفيين ومصورين تواجدوا لالتقاط الصور التي تدل على بؤس هذا الشعب، ولم تختلف رام الله عن باقي مدن الضفة الغربية الأخرى مثل نابلس طولكرم جنين و الخليل فلم يقف أحد أيضاً، أما القطاع المحاصر فتجمعت القوى الشعبية متضامنة لنصف ساعة رفعاً للعتب واللوم فقط لا غير واستمر كل إلى غايته. "صحيح انو إلي استحوا ماتوا ". منذ العام 1948 أصبح الخامس عشر من أيار يوم قومي فلسطيني، يهب فيه الشعب بيد واحدة فينتفضون ويتظاهرون ويقاومون الاحتلال فلم تكن دولة إسرائيل المزعومة تسعد بيوم استقلالها الذي بني على جثث شعب كامل منكوب، فتتحول مدنهم في هذا اليوم إلى مراكز لعمليات المقاومة، ويستنفر الأمن، ويستدعى الاحتياط، ويضعون "السيجر" ويملأ الذعر قلوبهم، ولكنهم اليوم احتفلوا وابتهجوا وناموا قريرين الأعين، فمن خاف من العري والخروج الى الملأ بلا ملابس الكرامة والنخوة والمقاومة قد مات او أُسر وما تبقى فهم من جماعة "بدهم عرس يرقصوا فيو". ولم تحصل أبدا أن تبدأ الإذاعات المحلية والرسمية بالدعوة إلى مهرجان إحياء ذكرى النكبة فتكررت الدعايات بشكل كبير في الساعة الواحدة نظرا لتذكير الشعب بهذا اليوم فدعت إلى إحياء ذكرى النكبة بمسيرة العودة " اللي بسمع بفكر انو المسيرة راح تنتهي بيافا " ولكنها ستنتهي عند دوار الرئيس الشهيد ياسر عرفات، لتبدأ الهتافات المبتذلة والرقص والغناء وعلي الكوفية يا فلسطينية . والأدهى من ذلك فإن ما سيحصل العام لا يختلف عن الأعوام القليلة الماضية، فسيتجمع شبان مدن الضفة المراهقون الذين لم يستحوا وخرجوا من الحمام ليستقلوا الحافلات المجانية ويتسربوا من مدارسهم "وين عا رام الله " ليكتظ شارع الأرسال بالشبان ذوي ألوان الكوفيات المختلفة الذين يتزينون بأجمل الثياب وأحدث قصات الشعر "اناقة عالاخير " ويحملون في جيوبهم أوراق العودة ولكن بأرقام هواتفهم النقالة لينشروها داخل أوساط فتيات رام الله "الفايعات ".على حد قولهم ليصبح ذكرى النكبة هو الفالنتاين لدى المراهقين الفلسطينيين . وفي الأوساط المثقفة كطلاب جامعة الشهداء بيرزيت الذين بقوا على باب الحمام يتفرجون " ما بين وبين " فاكتفت الكتل الطلابية بتعليق البوسترات التي تجسد أحلام الفلسطينية بالعودة وليس ما سيفعلونه ليعودوا، والمشاركة في المهرجان المركزي بإحدى القاعات الطلابية الداخلية، وكأنهم سيقولون فيما بعد " هابي نكبة " ويكتفون بتبادل ورود الحرية . كنوع من التضامن الشعبي . أما طائفة من السياسيين والمحللين فإنهم أكدوا بتحليلهم السياسي الأخاذ، بأن إحياء ذكرى النكبة ولو كان بالمهرجان والشعارات والملصقات فانه تأكيد على استذكار الشعب لنكبته والتزامه بحقوقه وثوبته الوطنية وعلى رأسها حق العودة وطالبوا بالتوحد بين شقي الوطن كدليل لتثبيت يوم نكبتنا هذا . عيد نكبة سعيد وجهل فلسطيني جديد فاللي استحوا ماتوا ونحن عراة الكرامة والعفة والوطنية فانتظري يا فلسطين أمة جديدة تخجل على نفسها من العار في العصور اللاحقة.