قلقيلية - خاص قدس الإخبارية: "أربكان أربكان أجولك اليهود"، هكذا تروي فاطمة والدة الصحفي رغيد طبسية، ليلة اعتقال ابنها، "كانت الساعة 2:30 فجراً، يوم 22/9/2017، سمعت ضجة في الحارة، أيقظت الجميع من النوم، وتوجهت لأربكان الأخ الأصغر لرغيد، وقلتله أجولك الجيش".
لم تكن تتوقع العائلة أنَّ الاعتقال سيكون لابنها الصحفي مقدم الأخبار في فضائية النجاح، رغيد طبسية، تتابع والدة رغيد استذكارها لتفاصيل ليلة اعتقال رغيد، " افتح افتح الباب كان يصرخ الجنود ويطرقونه باستخدام أداة حديدة وبقوة، داهموا المنزل، وفتشوه وجمعوا كل أفراد البيت في صالة المنزل، فتشوا غرفة رغيد وأربكان بشكل دقيق، وصادروا هواتفهم المحمولة".
ليلة الاعتقالكانت العائلة تتوقع أن الاعتقال لأربكان، الذي يكبره رغيد بثلاثة أعوام، وما حدث أنه تم اصطحاب الأخوين إلى حديقة المنزل، وحُقّقَّ معهما ساعة ميدانية بحسب رواية العائلة لـ "قدس الإخبارية"، "كانوا بيحكوا مع رغيد وأربكان وأنا بحكي مع حالي وبقول يا ربي رغيد وإلا أربكان؟ وإلا بدهم يوخذوا الثنين"، فبين نارين كان قلب أم رغيد لمدة ساعة كاملة، إلى حين قرر الجيش إبقاء أربكان في المنزل واصطحاب رغيد معهم.
"انصدمت بس شفتهم اخذوا رغيد، كنت بدي ألبسه الجاكيت، فتوجع إيده كانت مكسورة لما اعتقلوه، سلّم علينا ثم أخذوه معهم، وأخذوا هاتفه وجهاز التابلت، ويوجد في منزلنا جهاز حاسوب فأخذوا ذاكرته، وانصرفوا"، بعد اعتقال رغيد، انتظرت العائلة شهرين متواصلين دون أن تعرف شيئاً عن ابنها، فلم يصل أي خبر عن رغيد، سوى هاتف واحد من الصليب الأحمر طمأن العائلة.
"طوّل كثير لعرفنا عنه اشي، بعد شهرين زاره المحامي"، تكمل فاطمة روايتها، "لما تحددت المحكمة ذهبنا لحضورها، وهي معاناة بحد ذاتها، ساعات وساعات ننتظر ثم ندخلها ثواني وتؤجل حتى حين آخر، أنا بالعادة بحبش أبكي بحبش أبيّن حزني، بس لما شفته بالمحكمة دمعّت عيني، كانت المحكمة كبيرة وواسعة والمسافة بينّا بعيدة، والجنود واقفين حواليه مثل السد، مش قادرة أشوفه ولا خلوني أحكي معه".
والشوق بادٍ في وجنات الندى"صعب أوصف الشعور، مش عارفة شو أحكي!"، هكذا وبدمعات ملئت مقلتيها عبرّت ملك طبسية أخت رغيد لـ"قدس الإخبارية"، عن حال البيت في غياب أخيها، "صحيح أننا صابرون لكنه يبقى أمراً جللاً، كنت أستشير رغيد بكل شيء، رأيه يهمني كثيراً وأحب أن أعرف تفكيره تجاه الأمور، رغيد طيّبٌ جداً، كان مستحيل يزعل مني، حتى لو كنت أنا من أخطأت بحقه، كان يضل أحسن مني ويرجع يمزح معي ويضحك".
كانت ملك عبرت في منشور لها على الفيسبوك عقب محكمة رغيد يومها، "كانت المسافة بين الجلسة والوقوف نصف دقيقة، لم أُزح فيها ناظريْ عن أخي الغالي حيث لم أرَ قاضيًا ولا أي أحد آخر.. اقتربنا قليلًا، حيث قيل لنا تكلموا قليلًا -لو مددتُ يدي حينها لاستطعت مصافحته! لكنه ممنوع- لم أشعر بأحد كنت مخدرة من كل شيء إلا من ابتسامته الرائعة التي سرّتني بقدر ما تفعل قهرًا بقلوب أعدائنا".
بعد 15 يوماً، عادت قوات الاحتلال مجدداً للمنزل واعتقلت الابن الثاني للعائلة أربكان، "جو البيت صعب جداً، وخصوصاُ بعد اعتقال أربكان"، وبهذا أصبح فؤاد أم رغيد كقلب أم موسى فارغاً لولا أن الله يربط على قلبها صبراً لفراق حبيبيّ قلبها وتتابع، "لم يعد رغيد يأتي يومي الجمعة والسبت، لم نعد نلمح أجواء الفرح في المنزل فرغيد مرحٌ جداً، مهما كانت تعترضه من مشكلات لم يكن يكتئب أو ينطوي على نفسه أبداً، أمله كبير بربه، كان رغيد وأربكان، لهما جو خاص ومرح في البيت، الآن دونهما الجو هادئ حزين".
في الزيارة الأولى لرغيد، كان لأخت رغيد، مسك التي تبلغ 9 أعوام، فرصة زيارته واللقاء به، "لما زرته انبسطت بس شفته، وقلتله روّح عشان اشتقتلك، كان رغيد يلاعبني أنا وأختي الصغيرة نواريا كرة قدم كل ما يروح من نابلس، وأضل أنا ونواريا نقلد رغيد كيف بيقدم الأخبار، وبدعيله في كل صلاة إنه الله يفرجها عليه"، تقول الشقيقة الصغيرة لمراسلة "قدس الإخبارية".
في زيارته الأولى اطمئنت أم رغيد على ابنها، وتكحلت عيناها باللقاء ولو لدقائق، "زرناه وحمّل سلاماً لكل زملائه الصحفيين، ولكل من يسأل عنه، يريد أن يخرج بسرعة، قال لي أنتظر لحظة الإفراج بفارغ الصبر".
قابع في ظلمات الغيب
"إيده ضلت مجبرة ورفضوا يفكوله إياها في التحقيق"، تقول والدة الأسير رغيد وتضيف، "رغيد هو من قام بفك الجبيرة عن يده بنفسه وهو محتجز في التحقيق لمدة 50 يوماً".
كان رغيد قريباً من جميع أقربائه، ويصر على أن يراهم جميعاً في الأيام التي كان يعود فيها للمنزل كما تقول أخته ملك، وتتابع والدتها الحديث، "رغيد طموح جداً، ويحلم بأن يصل لمرحلة متقدمة في الصحافة، ولديه شغف بالرياضة وكل أسبوع يشارك في مباراة، همه أن يساهم في ارتقاء المجتمع والصحافة، يحدثنا من يخرجون من السجن عن همة رغيد بتقديمه حصاداً إعلاميًا يومياً للأسرى في سجن مجدو".
اعتقل رغيد وتهمته مهنته الصحفية، ومع هذا لم يكن هناك أي تحرّك واضح من قبل الجهات المعنية بالإعلام والصحافة، وفي تواصل مراسلة "قدس الإخبارية" مع نقيب الصحافيين، ناصر أبو بكر، نفى معرفته باعتقال الصحفي رغيد طبسية الذي مر على اعتقاله ما يقارب الأربعة أشهر، وشكر "قدس الإخبارية"، لتنبيهه بقضية رغيد.
وما زالت الأيام تمد وتنسج الشهور ورغيد غائب خلف قضبان السجن يترقب حكمه؛ منضماً بهذا لعشرات الصحفيين المعتقلين لدى قوات الاحتلال بسبب استخدامهم لحق مكفول هو حرية التعبير، الذي يصيره الاحتلال من حق إلى تهمة وجريمة.