منذ مدة ليست ببعيدة بدأت جبهة الضفة الغربية بأخذ منحى المقاومة المسلحة المنظمة بعد سكونٍ قسريٍ فرضته ضربات الاحتلال وحملة نزع السلاح والاعتقالات السياسية المتذرعة بالانقسام وضبط الفلتان الأمني لتغطية الهدف الأساس.
ألا وهو تطبيق خطة خارطة الطريق بما تتضمنه من تفكيك البنية العسكرية للفصائل الفلسطينية ونزع أنياب المجتمع الفلسطيني وإخماد انتفاضته وتغير عقيدة الأجهزة الأمنية وتجهيزها لتنفيذ الأجندة الجديدة وقد بذلت دولة الكيان من الموارد البشرية والعسكرية والاقتصادية الكثير الكثير مع السلطة والداعمين على اختلافهم شرقًا وغربًا في سبيل إحداث تمايز كبير جدًا في بنية المجتمع الفلسطيني وإعاشته وهم السيادة والدولة كجزاء لعدم حمل السلاح في وجه المحتل، وفك الارتباط والتخلي تمامًا عن باقي أبناء الشعب الفلسطيني في الثماني وأربعين.
ناهيك عن نسيان قضية اللاجئين من على سلم اهتمامات المجتمع في الضفة وغزة والانكفاء على الهم المعيشي الصعب والتسليم بدولة الجزر والجيتوهات الاستهلاكية في الضفة على خلاف القطاع المحاصر والمحتضن للمقاومة كمجتمع رغم الثمن الباهظ الذي يدفعه من ظلم وفساد القيادات السياسية والتضييق على الحريات والتجويع والحروب المتعاقبة وارتخاء المجتمع في الضفة لوهم المؤسسات والوزارات والأجهزة الامنية الذراع الأطول ورأس الحربة بفرض حالة الوهم وتكسير الروابط المجتمعية.
واستمرارية انتهاك حرمة دم الفلسطيني وعرضه على الفلسطيني في سبيل إرضاء الداعمين وشركاء عملية الاستسلام وخلق حالة من الارتزاق والانتهازية لدى الجهلة وظهور عرابي الاستسلام والتطبيع من مدعي الثقافة والتحضر والفن الذين يلهثون هنا وهناك في سبيل تسويق وهم جمهورية الكرتون وخلق حالة من الخمول والنأي بعيدًا عن أي عمل مقاوم منظم فضلا عن تتفيه أي عمل مقاوم والتخويف من احتضان اي عمل مقاوم أو حمايته.
لا بل وبالتحريض عليه وتشويهه من قبل هؤلاء الشراذم المعروفي الأصل والمحرك، وخلق فئة من الغوغاء التي تنساق خلفهم سواء كان بدافع الخوف أو بدافع الجهل أو بدافع المباهاة والثرثرة مما أدى لكشف خيوط الكثير من العمليات ووقوع المقاومين بين أسير أو شهيد جراء تعامل المجتمع الفلسطيني بغالبه مكرهًا بفعل سياسات السلطة والاحتلال والانقسام مع مدن وقرى الضفة الغربية كدولة وليست كساحة مواجهة كما كانت عليه من قبل دون إغفال حقيقةٍ مرة بأن الأجهزة الأمنية والتنسيق الأمني ونهج التسوية عمومًا هو العامل الأساس في إحباط العمل الفدائي في خاصرة دولة الكيان الضعيفة والحساسة.
كما شاهدنا من دور أساسي لهذه الأجهزة الأمنية في كشف الخلايا المقاومة وإحباط العمليات الفدائية في الضفة الغربية باعترافهم جهارًا نهارًا على شاشات التلفزة وأوراق الصحف العربية والغربية مما يقودنا لاكتشاف خلية عملية نابلس وعبوات طولكرم المجهولة.
إذ ظهر جلياً عجز الاحتلال بكل مقدراته وقدرات عن الكشف عن منفذي عملية نابلس عن طريق الاختراق الأمني المباشر للخلية المقاومة ولجوئه لتمشيط محيط العملية والاستعانة بكاميرات الفلسطينيين رغم الدعوات المتكررة لإتلاف الحافظات والتسجيلات.
فضلًا عن الدعوة لعدم توجيه الكاميرات للشوارع واستعانة الاحتلال بمن أبلغ عن السيارة المحترقة في قرية الزبابدة وصولا لمن حقق وعذب أعضاء الخلية المقاومة في السابق وألقى بهم في سجونه بشبهة مقاومة المحتل والتزم مقاره بتبليغٍ من المحتل ليلة حصار الخلية في جنين.
وصولا لمن منع أهل الشهيد أحمد جرّار من رفع ركام منازلهم المدمرة وأعلن بكل وقاحة من فوق الركام والدماء أن ما حدث في جنين هو ردٌ على خطاب المهزلة والكارثة في المجلس المركزي،
وصولا لعبوات طولكرم المجهولة والغموض الذي يدور حولها وبحسب ما توفر من معلومات بأن الحفر في الشارع ليست جديدة لكن لا أحد يستطيع الجزم إن كانت هذة العبوات موجودة في الحفر منذ فترة أم تم نصبها قبل وقت قصير من اكتشافها على يد الأجهزة الأمنية.
ولا أحد يستطيع أن يعرف كيف اهتدت الأجهزة الأمنية لمكان العبوات وهل كان وصولها إليها من خلال وشاية أحد "المناديب" أم عن طريق انتزاع اعتراف أحد عناصر الخلية التي قامت بزراعة هذه العبوات في سجون السلطة.
ويقودنا هذا أيضًا للجدل حول مكان اكتشاف العبوات وأنه شارع يسلكه الفلسطينيون دون التفكير بامكانية كون الشارع الملغم كمينًا تم نصبه لقوات الاحتلال كجزء من عملية نوعية لاستدراجها والانقضاض عليها بعد تفجير العبوات.
لكن! تم كشف العملية وإحباطها أسوة بالعديد من العمليات التي أحبطتها السلطة وتسويق التشويه واللغط حول هذة القضية للتغطية على كشفها وتفكيكها، وبتفجير الاحتلال صباح اليوم لعبوتين في نفس المكان إذ يدلل على قدرة عملياتية عالية للجهةالتي تقف خلفها.
ورغم كل السياسات والبطش الذي يتعرض لها أبناء الضفة، إلا أن جدوى المقاومة ورفض الذل ومجابهة المحتل لا زالت متّقدة في صدورهم وقد ظهر هذا جليا في التصدي الدائم للاقتحامات الليلية والعمليات البطولية الكثيرة التي شهدناها في الأعوام الأخيرة، إلا أنّها في غالبها كانت عمليات فردية انتهت آثارها باستشهاد منفذيها رغم إيلامها، وارباكها للعدو.
وطغى عليها طابع قصر أمد التأثير وعدم التنظيم وعدم استمرارية العمل المقاوم رغم التضحية العالية، وشجاعة واقدام منفذيها إلا أن لا بنية تنظيمية تقف خلفها مما يطرح تساؤلات عدة أهمها، " ما لزوم وجود كل الأحزاب والتنظيمات التي تدعي المقاومة وهي بدون بنية مقاومة منظمة، وقادرة على الاستمرار ومنفصلة وجاهلة بجغرافيا ساحة المواجهة في الضفة بشكل كبير ولماذا لا نتعامل مع جغرافيا الضفة المستباحة ككل على أنها ساحة مواجهة وأنّه من المفروض علينا التغطية وحماية أي نشاط مقاوم ضد الاحتلال.
وأن كل زقاق وكل شارع وشجرة وكل حجر في الضفة يجب أن يكون مكمنًا لمقاومٍ وعلينا كشعب حماية هذا المكمن ومؤازرته، و إلى أي حد صدّق أبناء الضفة وهم بضع سيارات أمن وبضع أبنية ومسميات وظيفية فارغة ومواكب وvip و ال3G على أنّها مقومات دولة!
وإلى متى سيبقى ظهر المقاومة مكشوفا من قبل الأجهزة الأمنية للاحتلال، وإلى متى سيستمر التنسيق الأمني وإحباط العمليات ومطاردة المقاومين!
وهل ظهور خلية تمتلك القدرة على صناعة هذا العدد من العبوات وزرعها في طريق في الضفة الراسخة تحت قبضة الاحتلال والأجهزة الأمنية التي تستعدي كل من حاول حمل السلاح بوجه المحتل مبشرٌ بعودة العمل الفدائي المسلح بشكله المنظم لساحة الضفة، والاستفادة من تجارب وخبرات المقاومة في قتال الاحتلال في غزة وجنوب لبنان وتكتيكاتها ونقل أدواتها التي تلائم جغرافيا الضفة.
وبداية مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال تعود فيها الضفة لقض مضجع دولة الكيان معيدة ثقلها الجغرافي والسكاني ودورها الفاعل في المواجهة وعدم تركها للمستوطنين يعربدون ويعيثون فيها فسادًا.
ليس هنالك من خطرٍ يوازي خطر الاحتلال أكثر من المهزومين والانتهازيين الذين لايرون في المقاومة المسلحة طريقًا لدحر الاحتلال بحجة عدم تكافؤ ميزان القوى متناسين أن " ما سلب منك بالسيف ولم تقم لتسترده بحرابك، لن يرده إليك استجداؤك"