يضع اليمين الإسرائيلي منذ سنوات السيطرة على الضفة الغربية كأحد أهم الأهداف التي يجب تطبيقها من ناحية عقدية تمكنهم من بناء الهيكل المزعوم في مدينة القدس المحتلة، ولحساسية هذا الهدف أمام الإدارات الأمريكية السابقة والمجتمع الدولي كان العمل على تطبيقه يجري بخطوات بطيئة تأخذ بعين الاعتبار عدم الإثارة السياسية.
وقد كانت عملية اقتضام الضفة المحتلة طيلة العقدين الماضيين تجري على قدم وساق حيث سيطر المستوطنون خلال العام الماضي 2017 على قرابة 50% من المساحة الكلية للضفة. بالإضافة لأكثر من ثلثي المنطقة "ج" التي تضم أغلب موارد الضفة الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.
وخلال العام الماضي بلغ الاستيطان ذروته، حيث أعلنت حكومة الاحتلال الموافقة على مئات آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة المحتلة، وذلك في ظل توافر البيئة السياسية المحلية والدولية الداعمة لهذا الأمر خاصة بعد تولي دونالد ترامب رئاسة البيت الأبيض حيث أبدى دعمه لخطوات "إسرائيل" بغض النظر عن ماهيتها.
ولأن الامن أحد أهم المرتكزات لدولة الاحتلال فإن الضفة شملت بعدد من الخطط الهادفة للسيطرة عليها وضمان الهدوء فيها، وفي هذا الإطار أعدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خطة في العام 2006 للسيطرة على نقاط استراتيجية على المرتفعات الجبلية وعلى حزام في غور الأردن يمتد من شمال البحر الميت وحتى شمال الغور بالإضافة لفصل جميع المدن والقرى الفلسطينية جغرافياً بما يسهل التعامل معها أمنياً.
وقد أتمت دولة الاحتلال أغلب مبادئ هذه الخطة التي تقوم على ضرورة أن يكون الحزام واسعاً بما يكفي لتوفير الدفاع الفعال ولمنع وجود تواصل بين الفلسطينيين والأردنيين دون رقابة ومتابعة إسرائيلية خشية إيجاد واقع أمنى مشابه لغزة.
ويعتبر اليمين الإسرائيلي المتطرف معركة السيطرة على الضفة أهم معركة أمامه حالياً، لأن تحقيق ذلك سيقضي على الأصوات الداخلية والخارجية الداعية لحل القضية الفلسطينية على مبدأ حل الدولتين، وبما يجعل المستوطنات كأمر واقع سياسياً وجغرافياً ولا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات خلال الفترة المقبلة وخاصة في ظل الحديث الأمريكي والمصري عن حل للقضية الفلسطينية.
ولا أحد ينكر أن اليمين حقق مؤخراً تقدما كبيراً في ظل الدعم الأمريكي في ملف الضفة، عبر استصدار قوانين تقضي بضم الضفة لدولة الاحتلال، وأيضا قانون القدس الكبرى الذي يطرد العرب من المدينة المقدسة ويخرجهم من اطارها جغرافيا، ويضيف المستوطنات المحيطة بالقدس لها كمناطق تابعة للمدينة.
ومنذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة وفي ظل الواقع العربي والإسلامي المتردي وجد اليمين الإسرائيلي نفسه أمام فرصة ذهبية، يمكنه من خلالها تحقيق أكبر قدر من أهدافه التي يسعى لها، وعليه نرى حالياً تسارع القوانين الهادفة للسيطرة على الضفة المحتلة والقدس بشكل كبير قبل حدوث أي تغيير يعيق تطبيق المخططات على الأرض.
من ناحية ثانية، مشروع القرار الذي أقره حزب الليكود الإسرائيلي بضم الضفة المحتلة لم يتحدث عن السكان، ما يعني أننا امام مرحلة جديدة قد يكون فيها السكان مستهدفون بهدف ازاحتهم عن بعض الأماكن والقرى بهدف حصر الفلسطينيين في أماكن صغيرة مسيطر عليها أمنيًا.
وتمثل سيطرة دولة الاحتلال على الضفة المحتلة عدداً من الأمور أبرزها السير سريعاً لنيل الاعتراف بيهودية الدولة في ظل انتهاء الواقع السياسي الفلسطيني، والأمر الثاني هو الانتقال لحكم الضفة بالتدريج خلال الفترة المقبلة وانهاء الوجود الممثل للفلسطينيين سياسياً.
لا شك ان هذا الأمر في غاية الخطورة خاصة أن آثار قرار السيطرة على الضفة قد لا نلاحظه في الوقت الحالي، لكن بعد عدة سنوات ربما نجد ان كل شيء في الضفة بات مرتبط بالإدارة المدنية الإسرائيلية وقد يصل ذلك لعودة الكوشان الفلسطيني بختم الإدارة المدنية الإسرائيلية.
الخطوات الإسرائيلية الخطيرة بحاجة لتحرك وطني فعال لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، هذا التحرك ينبني على فعل مقاوم ردعي يدفع الساسة الإسرائيليين واليمين للتراجع عن خطواتهم خشيةً على أمن الإسرائيليين، ومن ناحية أخرى يدفع المستوطنين للتفكير ألف مرة قبل الذهاب للسكن داخل مستوطنات الضفة المحتلة.