نابلس - خاص قدس الإخبارية: بعد مكوثه 72 يوماً في زنازين التحقيق، قال له المحقق "سنشتري لكَ بيتاً وسيارة وسنغدق عليك أموالاً كثيرة فقط اعترف"، لكن إحسان رد على المحقق "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري لن أعترف"(...)، لكن بصمة إحسان شواهنة بهندسة المتفجرات كانت واضحة، ما جعل الاحتلال يعتقله مرارًا وتكرارًا، بالإضافة لاعتقاله لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
استمر سيناريو اعتقال إحسان وتكرر مرات عديدة، إلا أن سجانيه قبل صحبه ورفاق دربه عرفوا عنه ثباته وصبره خلال التحقيق، رغم صنوف العذاب التي كان يعترضها، فتروي والدة شواهنة لـ "قدس الإخبارية"، "خلال أحد اعتقالات إحسان نزل الضابط عند قدميه يتوسله أن يعترف ولو بمعلومة واحدة، قائلًا لقد تسابقنا فيما بينا نحن المحققون حول أن من يحصل على اعتراف منك سينال رتبة أرجوك اعترف"، إلا أن ذلك لم يثنِ إحسان ولم يجعله ينبس ببنت شفة". ورد إحسان على أحد المحققين الذين حاولوا أن يغروه بالمال: "لو ملئتم بين الأرض والسماء لي ذهباً ما ثناني هذا برهة عن طريقي، وثباتي على الحق"، وبعد أن رأى المحقق إصرار إحسان على موقفه قال له "صحيح أني حاقد عليك ولكنك إنسان شريف جداً، أرجوك افعل ما شئت ولكن اترك العمل العسكري"، محاميه في السجن قال لي لو يوجد في فلسطين مئة كإحسان لما بقي فيها يهودي واحد!، فثباته في التحقيق لم أرَ له مثيلاً".. في الزنزانة التي سجن فيها إحسان خط بيده على جدرانها :"الاعتراف خيانة كبرى"، تكمل والدة إحسان الحديث لمراسلة "قدس الإخبارية". في اليوم الثالث عشر من صبيحة يوم الاثنين عام 2004، كان الخبر الذي تداولته جميع الألسن، اغتيال ابن بلدة كفرثلث قضاء قلقيلية، المهندس إحسان شواهنة أو كما كان يحب أن يُنادى "أبو الفداء المقدسي" ، بعد اشتباك دام يوماً كاملاً في نابلس، ليعرف الجميع بعدها أن الذي كان يقاوم القوات المدججة بالسلاح في تلك الليلة هو قائد القسام في الضفة الغربية.
إحسان طالباً وأسيراً "بعد اجتيازه المرحلة الثانوية، قرر إحسان الالتحاق بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية، رغم أن والده كان يريده أن يدرس خارج فلسطين، إلا أن إحسان اختار أن يدرس في نابلس"، حسبما تقول زريفة شواهنة والدة الشهيد إحسان شواهنة، وتتابع، "عندما كنت أذهب للجامعة رفقة إحسان كان يحلق حولي ووالده جميع أصدقائه للتعرف على أهل إحسان".
أعتقل إحسان للمرة الأولى لدى السلطة الفلسطينية في سجن جنيد لنشاطه في الكتلة الإسلامية، توضح والدة شواهنة لـ "قدس الإخبارية"، "اعتقاله لدى السلطة هو ما نبّه الصهاينة لنشاط إحسان، الدليل أن الملف الذي رأيناه عند السلطة كان ذاته الذي رأيناه عند الاحتلال عقب اعتقاله الأول"، في اعتقاله الأول الذي استمر لمدة شهر، ثم تجدد اعتقال شواهنة عام 1999 لمدة عام كامل. "كان إحسان مسؤول اللجنة الإجتماعية في مجلس الكتلة الإسلامية بجامعة النجاح، "كان إحسان منظماً جداً، ويستغل وقته بكل فائدة، كان يساعدني في المنزل، ثم يساعد والده في المشتل، ويخصص وقتاً لدراسته، وكان يخرج للمدن والقرى ليجمع تبرعات للطلبة الذين تعذر تسجيلهم بسبب أوضاعهم المادية، أذكر أن الشباب والفتيات كانوا يأتون من بلدتنا أو من القرى المجاورة بصفته عضو مجلس؛ ليساعدهم إحسان في عملية تسجيل المواد، حتى في السجن كان رئيس قسمه، وكان يحل الخلافات بين الأسرى، ويعاقب من لا يصلي الفجر، ويقرأ كتباً كثيرة".
"ما كان يحكيلي كيف بتعذب بالسجن"، تقول والدة شواهنة لـ "قدس الإخبارية"، "حلمت مرة بإحسان وهو في الأسر أن رأسه بين حجرين كبيرين، في اليوم التالي وأنا أرتب غرفة أخيه كفاح وجدت رسالة أرسلها إحسان لأخيه كتب فيها (نجوت من الموت)، وحين خرج من السجن كان قد فقد السمع في إحدى أذنيه من التعذيب". والدة شواهنة لم تستغرب إصرار ابنها وعدم اعترافه فقد كان كتومًا جداً منذ طفولته كما تقول، "كان يعمل في الجناح العسكري لكتائب القسام ولم نكن نعرف، حتى في فترة مطاردته لم أعرف أنه مطارد إلا من رفاقه، وحتى نشاطه النقابي في الجامعة لم يكن يتحدث عنه كثيراً، فهو ليس من النوع المُفاخِر المتباهي بما يعمل".
"كنتُ أفاتحه كثيراً بموضوع الزواج، ويبدو أنني كنت أسابق الزمن عليه"، تستذكر والدة شواهنة خلال حديثها لـ "قدس الإخبارية"، "كان يقول لي زوجّي أخي كفاح، أنا حين أحصل على وظيفة سأهديك رحلة حج أنتِ ووالدي، أريد أن أُدخلكِ الجنة يا أمي، تخيلي أني أقف بباب الجنة وأستقبلك هناك، وفي إحدى المرات أتى معي لأشتري جلباباً من نابلس، فحين أتى صاحب المحل بجلباب لم يُعجب إحسان ورد على صاحب المحل (هذا جلباب ختيارات، إمي بدها جلباب أحلى)، كان حنوناً جداً، كنت أتمنى أن يزعجني أو يثير غضبي، كان بارّاً بي وبأبيه وأخوته لأبعد حد".
إحسان مطارداً
في اعتقاله الأخير أقسم إحسان لسجّانه أنه لن يعود مجدداً إلى السجن، لم يتوقع المحقق أن يكون ما يقصده إحسان هو أن التحدي بينه وبين المحتل سيدخل مرحلة جديدة وهي المطاردة.
"بعد أن خرج من السجن أخبرني إحسان أنه تعب من أجواء السجن ومكوثه الطويل فيه"، تكمل والدة شواهنة روايتها لـ "قدس الإخبارية"، "قال لي: عمري أصبح 29 سنة ولم يتبق لي إلا فصلًا واحدًا في الجامعة، إلا أني أرى نفسي غريباً فيها"، وتتابع والدة شواهنة "أشعوره ذلك تولد لديه لأن صدقاؤه منهم من استشهد مثل المهندس محمد الحنبلي وقيس عدوان وغيرهم، ومنهم مطارد ومنهم أسير، لم يخطر ببالي أن إحسان كان قد قرر أن يصبح مطارداً، اتصل بي صديقه من السجن وأخبرني أنه مطارد".
"كان يوصل لي كل شيء حتى وهو مطارد، حتى العلكة التي أحبها كانت تصلني من إحسان وهو بعيد عني" تقول والدته وتضيف،" قاموا مرةً بحرق سيارتنا أمام المنزل لاستدراج إحسان لكنه يعرفهم فلم يأتِ".
إحسان شهيداً
في الساعة الحادية عشر مساءً من يوم الأحد 12/12/2004، حاصرت قوات الاحتلال عمارة حدادة في الجبل الشمالي في نابلس التي تمركز إحسان في الطابق الرابع منها، وخاض معركة حقق فيها حلمه وأمنيته بأن يدمي قلوب العِدا، فاستطاع أن يقتل ويجرح منهم وحين عجز الاحتلال عن الوصول إليه قصفوا المبنى الذي تحصن فيه بالطائرة والمدفع، فارتقت روح شواهنة إلى السماء في تمام الساعة السادسة ونصف من صباح يوم الاثنين التالي 13/12/ 2004، رحل إحسان بعد أن تزينت خواصر الشهداء بالقنابل والأحزمة الناسفة وعزفت لحن انفجارها يداه، رحل وقت بكته كل القلوب ليقول طبيب أسنانه لأمه، "بكيت على إحسان أكثر منكِ". "منذ أن تمت مطاردة إحسان وأنا أستمع لإذاعة الاحتلال من الساعة السادسة والنصف صباحاً حتى السابعة والنصف، فلم تكن هناك أخبار أو طريقة اتصال بيني وبينه، كنت بعد صلاة الفجر يومياً أهرع للراديو، إلى أن سمعت خبراً يومها عن اشتباك بين قوات الاحتلال ومطارد من حماس، شيء في قلبي قال لي إنه إحسان، وبعد ساعات تأكد الخبر وأذيع أن المطارد استشهد واسمه إحسان نعيم شواهنة".