تختزل حركة فتح المصالحة والأزمة الفلسطينية القائمة في تمكين الحكومة الفلسطينية في ظل حالة عربية مريبة وأوضاع مأساوية يعيشها قطاع غزة وحالة من خيبة الأمل والإحباط، وتكريس وفد فتح في حوار القاهرة الذي عقد بتاريخ 21/22/11/2017، والإدعاء أن حركة حماس لم تسمح بتمكين الحكومة بشكل حقيقي وأن التمكين شكلي وليس جوهري.
ظهر البيان الختامي لما سمي حوار القاهرة خال من أي إلتزامات أو مواعيد زمنية، والحقيقة انه لم يكن حوار وطني يبحث في آليات تنفيذ اتفاق القاهرة في العام 2011، وبدت أجواء التوتر على الحوار وكان عبارة عن مشادات وصراخ وحرف عن أجندته التي ذهبت الفصائل من أجله. وظهرت الإصطفافات بين الفصائل خاصة فيما يتعلق برفع عقوبات الرئيس محمود عباس عن قطاع غزة وتمكين الحكومة، ما أضفي علامات من الشك في نجاح الحوار وصدق النوايا والإرادة في إتمام المصالحة.
المفارقة أنه في اليوم الأول لحوار القاهرة أصدرت الحكومة بيان صحافي قالت فيه أن أهم التحديات التي تواجه الحكومة لتسريع خطوات المصالحة تكمن في عدم قدرتها على بسط سيطرتها وولايتها القانونية، وعدم قدرتها على حل القضايا الأمنية والمالية والمدنية والإدارية الناجمة عن الانقسام. وما سبق ذلك من وعود قطعتها الحكومة بتقديم الخدمات في القطاع بمجرد حل حركة حماس اللجنة الإدارية، وقالت إنها جاهزة وهناك خطط، وتمكين حكومة التوافق وتسليم المعابر. وما لبثت الحكومة الإدعاء انها غير جاهزة لاستلام المعابر بدون التمكين الكامل خاصة الأجهزة الأمنية ولم تفي بفتح معبر رفح كما كان مقرر في 15/11/2017.
المشهد الفوضوي العربي يضفي مزيد من الشك وفرض نفسه على حوار القاهرة والبيان الختامي الباهت، والعودة الى المناكفات والاتهامات والاصرار على التمكين وهذا ذريعة للهروب من إستحقاق المصالحة إستجابة للضغط الامريكي وانتظار الوعود والمتغيرات الدولية والإقليمية. الحالة المريبة التي نعيشها وحديث التهديد والضغط الأمريكي على الرئيس عباس وعدم جهوزيته لإتمام المصالحة، كان واضحا من خلال قرار الإدارة الأميركية، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وربطه بالمساعدات الاقتصادية المقدمة للسلطة الفلسطينية، فكان إفشال حوار القاهرة، وابتزاز الرئيس محمود عباس، لتقديم تنازلات جديدة.
ربما تكون الأمور الأن أكثر وضوحا وإصرار حركة فتح على شرط تمكين الحكومة وانتظار الرئيس عباس ما ستسفر عنه التطورات في المنطقة العربية خاصة في السعودية وحربها ضد ايران، والضغط الذي مارسه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على الرئيس عباس والعرض الذي قدمه له بدفع فاتورة المصالحة أثناء زيارته الأخيرة للرياض، والتحالف السعودي الامريكي والتحضير لتسوية سياسية فلسطينية إسرائيلية والتطبيع العلني السعودي الإسرائيلي.
يبدو أن التهديد الحقيقي للمصالحة الفلسطينية ليس الملفات العالقة وذريعة تمكين الحكومة وتسليم المعابر والأمن، إنما التهديد الحقيقي هو الضغط الأميركي، وما تشهده السعودية والاقليم ومحاولة تشكيل إصطفافات جديدة ومطلوب من الفلسطينيين ان يكونوا جزء منها، والهجوم الإعلامي الذي يقوده بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح هو خدمة لرؤية الرئيس عباس.
وكأن قدر الفلسطينيين أن يظلوا منقسمين وجسر لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، ويدفعوا ثمن نزوات ومصالح الأنظمة العربية، ويخضعوا للابتزاز والقبول بتسوية سياسية مجحفة وتتنكر للحقوق الفلسطينية. غير أن إصرار الرئيس عباس في عدم قول الحقيقة وعدم تمكين المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة من العيش بكرامة وحرية، والتراجع عن العقوبات التي فرضها على القطاع تضفي مزيد من الشك على صدق النوايا والإرادة الوطنية.