في ظل حالة الفوضى التي تشهدها المنطقة العربية، وجدت الفصائل الفلسطينية في ختام جلسات الحوار التي عقدت يومي 21 و22 تشرين الثاني 2017، أن المخرج من التوتر التي ظهر في القاهرة، يكون ببيانٍ ختامي يخلو من التزامات محددةٍ على جميع الأطراف، فهناك العديد من المتغيرات التي ظهرت أو من الممكن أن تظهر في الأيام المقبلة، وتفضي إلى نتائج تؤثر على المشهد الفلسطيني والإقليمي.
وما يزيد الشك في عمق التوتر بين الأطراف، التصريحات التي وردت على لسان ممثلي حركة فتح، بأن المصالحة لن تتم أو تتقدم إلا عند "تمكين" حكومة الوفاق الوطني، وهو ما رفضته الفصائل، التي رأت في زيارتها إلى مصر، فرصة من أجل الحوار وليس تمكين الحكومة. وعلى ذلك، قررت المخابرات المصرية أن ترسل وفدًا إلى قطاع غزة في الفترة القادمة، للبحث في الإشكاليات المرتبطة بتمكين الحكومة وتسليم المعابر.
حاول وفد حركة فتح، خلال جلسات الحوار، ضبط الإيقاع أو التحكم بمسار المصالحة في مرحلتها الراهنة، لبروز عدد من التطورات الإقليمية والدولية، فعادت مجددًا إلى طريقة التصريحات التي صدرت عن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس؛ قبل تخلي حركة حماس عن السلطة في قطاع غزة، بأن إنهاء الانقسام يكون بحل اللجنة الإدارية في القطاع، وفوق ذلك، لم يتراجع عباس لغاية اللحظة، عن العقوبات الصادرة بحق سكان قطاع غزة منذ تشكل اللجنة الإدارية. بدا أن تشكيل اللجنة الإدارية، بات عائقًا أمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، فجرى الاتفاق على حل اللجنة الإدارية، ثم البدء بإجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني وتسليم المعابر، من أجل التوافق على الملفات العالقة وصولًا إلى تحقيق المصالحة، في ظل أن حماس أقدمت على حل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق وتسليم المعابر، مما يعني أنها فتحت الباب لإتمام المصالحة وتطبيق تفاهمات القاهرة.
واللافت هنا، أن تسارع توافق حركتّي فتح وحماس إلى تحقيق الوحدة الوطنية منذ أكتوبر الماضي، اصطدم بمطالبات وفد حركة فتح، التي رهنت تقديم الحكومة للخدمات والإيفاء بالتزامتها تجاه قطاع غزة، بتمكين الحكومة.
المفارقة أن بيان مجلس الوزراء الفلسطيني الصادر في 21 تشرين الثاني 2017، يرى بأن أهم التحديات التي تواجه الحكومة لتسريع خطوات المصالحة، تكمن في عدم قدرتها على "بسط سيطرتها وولايتها القانونية، وعدم قدرتها على حل القضايا الأمنية والمالية والمدنية والإدارية الناجمة عن الانقسام"، لكن المفارقة فعلًا، تكمن في أن السلطة الفلسطينية، التي تعاني تهديد بقاء في ظل عدم قدرتها على إيجاد حلول للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية، ترى بأن معضلة إنهاء الانقسام الفلسطيني، محصورة في عدم قدرتها على تمكين الحكومة من أداء مهامها.
وكان لافتًا هنا، حدثان يدلان على خرافة "تمكين الحكومة"، يرتبط الأول بعودة السلطة الفلسطينية عن قرارها بتجميد التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، والثاني، تصريح الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة في أيلول الماضي، بأنه لم يعد بإمكان السلطة الفلسطينية الاستمرار "كسلطة دون سلطة". يبدو هنا، أن قضية البقاء في السلطة وتجنب كل ما يهدد مكانتها، بات أهم من توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية.
في الأثناء، بدأت زيارة الرئيس الفلسطيني إلى المملكة العربية السعودية، مصحوبةً باستعداد الأخيرة لدفع فاتورة المصالحة الفلسطينية، بشرط القبول بالتسوية السياسية الفلسطينية – الإسرائيلية التي تحضر لها الإدارة الأميركية مع الرياض، والمرتبطة بتهدئة طويلة الأمد مع إسرائيل، وتحييد تدخل إيران عن الساحة الفلسطينية في ظل استعادة حركة حماس للعلاقة مع إيران وحزب الله. ويبدو لافتًا زيارة الرئيس الفلسطيني إلى السعودية والمرتبطة بالإضطرابات الحاصلة في البيت السعودي الداخلي والمنطقة العربية، وآخر محطاتها قضية استقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري من الرياض.
وكأنما الفلسطينيون هنا، أمام محاولة لدفعهم إلى واجهة المشروع الأميركي - السعودي في المنطقة. وقد جاء قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وربطه بالمساعدات الاقتصادية المقدمة للسلطة الفلسطينية، وتعطل حوار القاهرة، مرتبطًا من جهة بابتزاز السلطة الفلسطينية لتقديم تنازلاتٍ جديدة، ومن جهة ثانية بتخوفات واشنطن من أن يصبح المشهد الفلسطيني المتأرجح بحكم الأمر الواقع قريبًا من إيران وحزب الله. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تزيد خطة التطبيع السعودية مع "إسرائيل" من تعقيد المصالحة الفلسطينية الداخلية، مما يعني توجيه ضربات أخرى للسلطة الفلسطينية في حال تعنّتها.
وعلى غرار ذلك، يبدو أن ملفات المصالحة العالقة "بتمكين الحكومة وتسليم المعابر وملف الأمن" باتت لا تمثل تهديدًا لملف المصالحة، بقدر ما تشكل الضغوطات الأميركية والملفات الإقليمية واصطفافاتها، ضربةً قد تؤدي إلى توقف المصالحة الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، تبقى أي محاولة لجرّ الملف الفلسطيني إلى محور يقبل بالتسوية السياسية على أساس تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، بحجة مجابهة أو لجمّ إيران، بمثابة تهديد لها في المنطقة.
وعليه، فإن ضغط الرياض على القيادة الفلسطينية لقبول التسوية السياسية وتصفية القضية الفلسطينية، وإن كانت مضطرة في ذلك لقبول السلطة الفلسطينية، إلا أن هذا لا يعني قبول الفلسطينيين به والتنازل عن حقهم بمقاومة الاحتلال.